60 مصمما وعارضة أزياء تحدوا سطوة طالبان في باكستان
على الرغم من أن التفجيرات الانتحارية وعمليات اعتقال المسلحين والمراجعات الأمنية والتحذيرات أصبحت أمرا معتادا في شوارع باكستان، فإن الوضع الاقتصادي في البلاد وأعمال العنف المتصاعدة والإجراءات الأمنية البائسة قد فشلت في حرمان الناس من الاستمتاع باللحظات السعيدة في حياتهم. ففي عموم باكستان، على النساء لبس عباءة وحجاب لتغطية الشعار والوجوه، ومن الممنوع تكشف أجسامهن.
وفى باكستان المحافظة، قليلا ما تختار النساء عارضة الأزياء كمهنة، فمن بين 172 مليون نسمة هناك ثلاثون عارضة أزياء فقط، بل إنهن يعملن تحت أسماء مستعارة لحماية أفراد عائلاتهن.
وأقيم في باكستان الأسبوع الماضي أسبوع للأزياء والموضة الحديثة في فندق ماريوت الفخم، في محاولة لإظهار الوجه الآخر لباكستان لجميع أنحاء العالم. وقال ديباك بهافاني (مصمم باكستاني): «إن باكستان بلادنا وهي ديمقراطية، ويمكنني إظهار كل ما أريد». وقال مسؤول آخر: «إننا نحاول تحويل صناعة الموضة من الترفيه إلى التجارة. فأكثر فرص عمل نبدعها، أقل قنابل بشرية انتحارية في باكستان».
وتجمع مصممو الأزياء الباكستانيون في مدينة كراتشي أيضا التي تعد المركز التجاري في جنوب البلاد، للمشاركة في أسبوع الأزياء، في تحد لتهديدات حركة طالبان، ومن أجل إظهار جانب آخر للدولة التي مزقتها الحرب وقد أضاءت الأقمشة ذات الألوان المبهجة المتداخلة ممرات العروض الفنية.
وجذب أكثر من 30 من كبار المصممين الباكستانيين، الذين يحظى كثيرون منهم بشهرة في جنوب آسيا، مثل ديباك بروانى، وماهين خان، الذي حضر أسبوع الأزياء في ميلانو، في إيطاليا. وقال المصمم الشاب الصاعد سانام آغا للصحافيين «نريد أن نظهر أن هناك أشياء إيجابية في باكستان، نريد أن نلفت انتباه العالم إلى أنه ما زال هناك أمل في مواصلة الحياة في هذا البلد الذي يضربه عنف طالبان».
وقد أقيم المعرض أخيرا لعرض أزياء أفضل المصممين، إضافة إلى 30 من أفضل العارضات في البلاد. وأقيم الحدث الجريء في الوقت الذي تواصل فيه قوات الأمن الباكستانية محاربة طالبان ومسلحين آخرين في منطقة جنوب وزيرستان القبلية البعيدة عن سيطرة القانون.
وقالت إحدى العارضات إنه على الرغم من جميع العقبات والصعوبات التي تواجهها بلادنا، فإن مصممي الأزياء ببلادنا أكثر إبداعا من مصممي العالم، وعارضاتنا أجمل من عارضات العالم».
وارتدت باكستان الأسبوع الماضي حلة جديدة، وظهرت كمدينة للموضة والجمال بدلا من ظهورها دائما كساحة حرب ونزاع وتفجيرات انتحارية. فبعد تأجيله مرتين بسبب المخاوف الأمنية، بدأت الأربعاء الماضي عروض أسبوع الموضة الباكستاني الذي يستمر لمدة أربعة أيام متتالية.
وشارك فيه 30 مصمما و30 عارضة من أشهر الأسماء في عالم الموضة في باكستان. وبخلاف المعوقات التي رافقت تنظيم هذا الحدث فإن مصممي باكستان أكدوا أن بلدهم أكبر من أن يكون ساحة للقتال. فالحياة فيه لابد أن تستمر، وعليهم أن يخلقوا الكثير من فرص العمل التي تساعد على نهضته.
فمن ناحيته صرح المصمم سنام آغا قائلا: «الشعب لديه أمل في الحياة وله الحق في مواجهة الإرهاب»، وعلى صعيد آخر هدف هذا الحدث إلى فتح قنوات تواصل بين مصممي الأزياء الباكستانيين والتجار الدوليين من أجل التعريف بالذوق والصناعة الباكستانية.
ولذلك خصص أسبوع ميامي للموضة ونظيره في دبي دعوة لأحد مصممي باكستان من أجل حضور العروض المقامة في كلا البلدين لإعطاء الأزياء الباكستانية فرصة للتواجد العالمي. يذكر أنه كان من المقرر مشاركة الكثيرة من الأسماء العالمية في عالم الموضة والصحافة في هذا الحدث، إلا أن الوضع الأمني غير المستقر في باكستان جعل منظمي الحدث يعتمدون على المواهب المحلية.
وقال أحد كبار منظمي الأسبوع الموضة الباكستاني «إنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تنظيم عروض للموضة، لكن المختلف هذه المرة هو الوضع والتوقيت».
فيما قال أحد الرعاة الرئيسيين للحدث «توجد تهديدات أمنية وهناك مخاطر أيضا لكن تحديناها في طريقة تعاملنا مع هذه التهديدات» مشيرا إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تنظيم حدث للموضة بهذا الشكل الجدي في باكستان.
وهذا مثال آخر دال على الشجاعة في تحد لتهديدات طالبان، وقد تمثل في تنظيم مسابقة غنائية في إحدى المدارس الكبيرة بمدينة لاهور، حيث شارك عدد كبير من الطلاب في المسابقة وسط انتشار أمني كثيف حول مدرسة (لاهور غرامر) والتي لديها أفرع في إقليمي السند والبنغاب الباكستانيين.
وقد أغلقت المدرسة لأسبوع كامل بعد تلقيها تهديدات أمنية، لكن في النهاية أجريت المسابقة الأسبوع الماضي. وقال اصف موليك، أحد حكام المسابقة «يريد المتطرفون والمسلحون أن يخطفوا منا الفرحة والسعادة لكننا لن ندع هذا يحدث».
إلى ذلك قال متحدث باسم حركة طالبان الباكستانية إن الحركة بدأت حرب عصابات ضد الجيش الباكستاني وإنها ستخوض قتالا شرسا وممتدا في معقل المتمردين في وزيرستان الجنوبية. وبدأ الجيش الباكستاني في 17 أكتوبر حملة في وزيرستان الجنوبية، وهي منطقة مضطربة تعيش فيها قبائل البشتون وتقع على الحدود مع أفغانستان، بهدف القضاء على متشددي طالبان الباكستانية الذين يقفون وراء موجة من أعمال العنف في المناطق الحضرية.
وتراقب الولايات المتحدة وقوى أخرى تشارك في حرب أفغانستان الحملة عن كثب بعدما أصبحت وزيرستان الجنوبية بتضاريسها الوعرة وجبالها وغاباتها وأوديتها مركزا عالميا للتشدد الإسلامي.
وقال الجيش الباكستاني إن جنوده يتقدمون نحو معقل المتشددين من ثلاثة اتجاهات، وإنهم سيطروا على عدد من القواعد المهمة، كما دخلوا مقر طالبان في بلدة مكين.
لكن عزام طارق المتحدث باسم طالبان قلل من أهمية الخسائر التي تكبدها المتشددون.
وقالت صحيفة «ديلي تلجراف» البريطانية إنه «بينما يحارب الجيش الباكستاني المتطرفين الإسلاميين في جنوب وزيرستان، دفع كبار مصممي الأزياء في العاصمة كراتشي بالعارضات فوق ممشى عرض الأزياء حاسرات الأكتاف والبطون، في عرض غير مألوف للجسد في بلد التحجب فيه هو الأصل».
وأضافت الصحيفة «قدمت سونيا باتلا، أول مصممة أزياء باكستانية، مجموعة أزياء قالت عنها إنها تشيد بالنساء القويات. وبددت الحقيقة القائلة إن المناطق الأكثر محافظة في البلد قد تتسبب تصاميمها في طرد النساء من البلدة أو رجمهن حتى الموت».
وقالت مصممة الأزياء (38 عاما) للصحيفة «أنا امرأة شجاعة جدا ولن يخيفني أحد ولن يحكم علي أحد».
يذكر أن مقاتلي طالبان قتلوا أكثر من 300 شخص الشهر الماضي في حملة دموية من التفجيرات والاغتيالات. وتبين الهجمات على الأسواق في بيشاور والجامعات في إسلام آباد والقيادة العامة للجيش في روالبندي ومخافر الشرطة في لاهور أن باستطاعة طالبان الوصول كما يبدو إلى كل زاوية في البلد.
وقالت سمر مهدي، وهي مصممة أزياء أخرى شابة درست الموضة في جامعة بريستول البريطانية للـ«ديلي تلجراف»، إن «الحياة يجب أن تمضي، وهذه هي طريقتنا لإبلاغ الناس الذين يريدون إنهاء حياتنا بأننا لن نسمح لهم بذلك».
وقد أقيمت هذه العروض في فندق ماريوت في العاصمة الباكستانية أمس تحت حراسة أمنية مشددة.
وكان من المقرر أن يبدأ العرض في أكتوبر، حيث كان من المخطط له أن يقدم مصممو أزياء وعارضات من الخارج، لكن الموقف الأمني الهش جعل المنظمين يعتمدون على المواهب المحلية.