معاناة المرأة من ألم العملية الجنسية.. أسبابها وعلاجها
مما يصعب على النساء الحديث عنه، حتى للزوج، تلك المعاناة من الألم أثناء ممارسة العملية الجنسية.
ومع التفريق بين الإرهاق والتعب من جهة، وبين الألم من جهة أخرى، فإن الواقع يُشير إلى أن ممارسة العملية الطبيعية تلك، ليس بالضرورة متعة لكل النساء، وليس بلا شعور بالألم في كل الأوقات.
وثمة العديد من الأسباب التي تجعل المرأة تواجه تلك الصعوبات المؤلمة والشائعة في مراحل أو أوقات مختلفة من العمر.
وغالباً ما تعتقد المرأة، حال شعورها بالألم حينئذ، أن ثمة شيء ما غير طبيعي إما في تفاعلها النفسي والمزاجي، أو في طريقة تجاوبها البدني خلال ممارسة العملية الجنسية أو في طريقة تعامل الزوج معها خلال اللقاء العاطفي أو في الحياة اليومية.
ولكن لأن المقصود من ممارسة العملية الجنسية هو نيل قسط من المتعة والراحة النفسية والتقريب في ما بين الزوجين، فإن المعاناة من حالة عملية جنسية مُؤلمة "dyspareunia" تستحق البحث عن معالجة طبية للتخفيف من تلك المعاناة أو إزالتها.
أعراض وإصابات
تُعرّف المصادر الطبية، كرابطة الأمراض النفسية الأميركية في إصداراتها الأخيرة، هذه الحالة بأنها استمرار أو تكرار الشعور بالألم في الأعضاء التناسلية قبل أو أثناء أو بعد ممارسة العملية الجنسية، ما يتسبب للمرأة بالأسى والحزن.
وتشير الإحصائيات العالمية أن حوالي 60% من النساء يُصبن بالمعاناة من نوبات ألم في الأعضاء التناسلية قبل أو أثناء أو بعد ممارسة عملية اللقاء مع شريك الحياة.
وغالبية النساء اللواتي يشكين من الألم هذا، تكون آلامهن خارجية وسطحية، وخلال مرحلة الإيلاج في المهبل.
بيد أن النساء يختلفن بشكل واسع في موضع الألم ومدى تكرار حصوله.
وهو ما قد يبدو كألم لدى كل مرة يحصل خلالها الإيلاج في المهبل، أو في أوقات من اليوم أو الشهر أو السنة، دون أخرى. أو حصول الأمر كشيء جديد لم يكن من قبل.
أو أن يكون موضع الألم في المناطق السطحية الخارجية للأعضاء التناسلية، أو في المناطق الداخلية منها، وخاصة أثناء مراحل الدفع في المهبل. أو يكون ذا نوعية حارقة من الألم أو قارصة.
وفي بعض الأحيان يصعب التكهن بما قد يكون للعوامل النفسية من دور في التسبب بحالات ألم الجماع، أو في التسبب بتفاقم المشكلة.
ذلك أن الألم الأساسي المُصاحب لتلك العملية قد يكون ذا منشأ عضوي، ثم قد يزول السبب، إلا أن التوتر والخوف قد يظل لدى المرأة، ما يجعل من الصعب عليها الاسترخاء بدرجة كافية لإتمام العملية الجنسية كذلك ما يجعلها تظل تشعر بنفس الألم، أو أكثر، دونما أن يكون السبب العضوي موجوداً.
أسباب بحسب المنشأ
يُمكن بالإجمال تقسيم أسباب المعاناة من ألم ممارسة العملية الجنسية بحسب الموضع الذي تشعر المرأة أن الألم ينشأ منه.
أي إما خلال مرحلة الإيلاج أو في الأجزاء الداخلية للأعضاء التناسلية، أو بسبب المزاج والحالة النفسية للمرأة.
أولاً: الألم خلال مرحلة الإيلاج
وفق ما يُشير إليه الباحثون من مايو كلينك، يرتبط الألم الناجم من عملية إيلاج العضو في مهبل المرأة، بعدة عوامل منها:
1- ترطيب غير كاف.
وهو ما يعني عدم توفر الظروف المناسبة لتسهيل انزلاق العضو خلال مرحلة الإيلاج.
وقد تكون المشكلة ناتجة عن عدة أمور منها: عدم القيام بالمرحلة التي تُهيئ إفرازاً طبيعياً لكميات كافية من المواد المُرطبة اللزجة في المهبل، والتي من أهمها إعطاء فرصة زمنية كافية لمراحل المداعبة والدخول النفسي للمرأة في أجواء ممارسة العملية الجنسية.
او تدني نسبة هرمون "إستروجين" estrogen الأنثوي في جسم المرأة. وذلك في مثل مراحل ما بعد الولادة، أو أثناء فترات إرضاع الطفل، أو فيما بعد بلوغ سن اليأس. او تناول أحد أنواع الأدوية المثبطة للشعور بالرغبة desire في م مارسة العملية الجنسية، أو المثبطة لبلوغ مرحلة متقدمة من الإثارة arousal للممارسة العملية الجنسية.
وثمة طيف واسع من الأدوية المتسبب تناولها بتلك المشاكل، مثل أدوية معالجة الاكتئاب أو ارتفاع ضغط الدم.
ولكن ما لا تُدركه كثير من النساء أن استخدام أدوية شائعة جداً قد تكون السبب في ذلك، مثل أدوية معالجة حساسية الأنف أو الجلد، أو الأدوية المُسكنة للألم، أو حبوب منع الحمل.
2- إصابة أو تهتك
وهي ما قد تحصل خلال إصابات الحوادث، أو الخضوع لعمليات في منطقة الحوض والأعضاء التناسلية أو الجهاز البولي، أو الخفاض (ختان المرأة female circumcision)، أو عملية توسيع المهبل خلال الولادة episiotomy ، أو وجود تشوهات خلقية في الأعضاء التناسلية الخارجية للمرأة.
3- التهابات أو تهيجات
لأن الأعضاء التناسلية عُرضة للالتهابات الفطرية لدى بعض النساء، نتيجة لأسباب عدة، وفي أوقات دون أخرى.
كما أن وجود حساسية أو أكزيما Eczema أو غيرها من الحالات الجلدية سبب شائع ومهم لمعاناة بعض النساء من آلام أثناء عملية الإيلاج الجنسية.
وأسباب حصول التهيج الجلدي الخارجي أو في بدايات المهبل، متعددة. منها مستحضرات التنظيف، كالصابون وغيره، أو استخدام مستحضرات للتعطير.
كما أن استخدام وسائل موضعية لمنع الحمل، قد يتسبب بحالات من الحساسية، مثل المستحضرات الهلامية (جِلي) أو الرغوات أو الكريمات القاتلة للحيوانات المنوية، أو الحساسية من مواد لاتكس latex لصنع الواقي الذكري للرجل أو وسائل الواقية المهبلي للمرأة مثل الغشاء الرقي الحاجز diaphragm أو غطاء عنق الرحم cervical cap.
أو ببساطة يكون السبب في حصول التهييج الجلدي ليس الحساسية من المواد المصنوعة منها بل من عدم إتقان استخدام تلك الوسائل بطريقة سليمة.
4- تقلص المهبل
وقد يحصل انقباض وتقلص لا إرادي على طول العضلات المحيطة بجدار المهبل vaginismus ، أو في مقاطع منها.
وهو ما يجعل من الصعب تسهيل ولوج العضو دون ألم، أو حتى أحياناً نزيف دموي. وهناك عدة أسباب لحصول هذه المشكلة لدى بعض النساء.
5- التهاب المدخل المهبلي
وهنا يُصبح من الصعب والنادر إتمام دخول العضو في المهبل دون شعور المرأة بألم من نوعية الحُرقة أو الوخز فيما حول منطقة مدخل المهبل.
وتُسمى الحالة بالتهاب المدخل المهبلي vestibulitis ، وذلك دون وجود علامات واضحة جداً للحساسية أو التهيج، ودون وجود سبب واضح لنشوء المشكلة هذه.
ثانياً: الألم الداخلي العميق
وثمة فارق بين الألم الذي ينشأ خلال مرحلة دخول العضو إلى المهبل، كما تقدم، وبين تلك الأسباب للألم الداخلي، الذي ينشأ عن الإيلاج الأعمق للعضو في المهبل، وخاصة عند اتخاذ أوضاع معينة خلال ممارسة العملية الجنسية. ويُمكن أن تكون الأسباب ما يلي:
1- حالات مرضية
وثمة قائمة لعدد من الأمراض النسائية المزمنة أو العارضة، التي قد تكون سبباً في المعاناة من الألم الداخلي خلال عملية اللقاء مع الزوج.
ومنها التهاب بطانة الرحم endometriosis ، وأمراض التهابات الحوض pelvic inflammatory disease ، وتدلي الرحم uterine prolapse ، وانكفاء الرحم retroverted uterus ، وتليفات الرحم uterine fibroids ، والتهاب المثانة cystitis ، والقولون العصبي irritable bowel syndrome ، والبواسير hemorrhoids ، وتكيسات المبيض ovarian cysts.
والملاحظ أن المرأة قد تكون مُصابة بأحد هذه الأمراض النسائية وهي لا تعلم بذلك.
ويكون شكواها للطبيب من ألم الجماع سبب في تشخيص أحد تلك الأمراض. وهي أمراض تتطلب معالجة واهتماماً.
2- التهابات ميكروبية
وجود التهاب في عنق الرحم أو الرحم أو قنوات فالوب، المتسببة بالتقرحات وبالإفرازات المهبلية وغيرها من العلامات المرضية، والمتعددة في منشأ الإصابة بها، قد تكون من الأسباب الرئيسية لحصول آلام غير معتادة، أو متكررة، وعميقة داخلية، أثناء العملية الجنسية.
3- معالجات جراحية سابقة
وتُؤدي أحياناً العمليات الجراحية الداخلية في الحوض أو البطن، إلى حصول تغيرات في طريقة تواجد الأعضاء مع بعضها البعض في تجويفي الحوض والبطن.
وذلك نتيجة نشوء ندبات Scarring من الأنسجة الليفية داخل البطن والحوض وفيما بين الأعضاء، ما يُؤدي إلى التصاقات متفاوتة الحجم والانتشار.
وذلك مثل ما بعد عمليات استئصال الرحم أو الزائدة الدودية أو العمليات القيصرية أو أي نوع أخر من العمليات يطول الأمعاء.
وكذلك الحال عند معالجة بعض أنواع السرطان في البطن أو الحوض بالأشعة radiation أو العلاج الكيميائي chemotherapy.
وهذه الأمور كلها قد تجعل من ممارسة المرأة للعملية الجنسية شيئاً مؤلماً في مناطق عميقة من الأعضاء التناسلية، وخاصة عند اتخاذ أوضاع متنوعة خلال الممارسة تلك.
ثالثاً: عوامل انفعالية عاطفية
العلاقة وثيقة جداً بين الانفعالات العاطفية والمشاعر النفسية من جهة، وبين تتابع إتمام مراحل العملية الجنسية.
وقد يكون في الغالب لها دور في الشعور بالألم خلال العملية الجنسية، حتى في وجود أو عدم وجود أسباب عضوية لتلك المشاعر من الألم. والعوامل العاطفية تلك تشمل:
1- مشاكل نفسية في العلاقة مع الشريك
مثل المعاناة بالأصل من الاكتئاب أو القلق. وذلك فيما يتعلق بالنظرة للذات ومدى التحلي بالجمال البدني والجاذبية الشخصية ولفت نظر وإعجاب الزوج.
وأيضاً في ما يتعلق بوجود أي مشاكل عاطفية في العلاقة مع الشريك. ويُؤكد الباحثون من مايو كلينك أن لهذه العوامل، ومظاهرها المتنوعة، دور في مدى شعور أو عدم شعور المرأة بالألم أثناء ممارسة عملية اللقاء العاطفي مع الشريك.
وذلك بغض النظر عن مدى وجود أمراض عضوية تُفسر الشكوى من الألم، أو عدم وجودها.
2- التوتر والإجهاد
وذلك سواءً فيما يتعلق بالعناية بالنفس أو الأسرة أو الزوج أو العمل الوظيفي أو العلاقات الاجتماعية.
ولحالات التوتر والإجهاد البدني والنفسي تأثيرات مباشرة على عضلات أرضية الحوض، وهي الطبقة المُكونة من مجموعات من العضلات، والتي تُؤثر على نوعية المشاعر أثناء ممارسة العملية الجنسية، وعلى قدرات الإخراج لفضلات الطعام، أو سهولة إخراج البول، والتحكم فيهما.
ولا يُدرك الكثيرون ترابط العلاقة فيما الاسترخاء العضلي لمناطق الجسم المختلفة بمدى معايشة توتر وإجهاد نفسي أو بدني.
ولكن أقرب الأمثلة هي علاقة الصداع، والشد العضلي المُصاحب له، بمعايشة تلك الظروف من التوتر والإجهاد.
والعملية الجنسية تتطلب، في جوانب مهمة منها، وجود هذا الاسترخاء العضلي.
3- وجود معاناة جنسية سابقة
ويُشير باحثو مايو كلينك إلا أن غالبية النساء اللواتي يُعانين من ألم الجماع، لا يُوجد لديهن تاريخ سابق في المعاناة من الإساءة الجنسية للغير عليهن sexual abuse.
إلا أن حصول ذلك في السابق قد يكون سبباً في المعاناة من الألم أثناء الجماع.
أسباب ألم ممارسة العملية لدى الرجال
مثلما قد يشكو النساء من ألم أثناء ممارسة العملية الجنسية، فكذلك الرجال قد تكون لديهم أسباب للشكوى من الألم خلالها.
وغالباً ما يكون بدء الشعور بالألم بُعد القذف ejaculation إما في الخصية أو في منطقة الحشفة المُغلفة لأعلى العضو.
وتشير المصادر الطبية إلى أن التهابات البروستاتا أو المثانة أو الحويصلات المنوية seminal vesicles ، قد تُؤدي إلى ألم شديد وحارق بُعيد القذف.
وقد يُعاني الرجال الذين يشكون من التهابات أنسجة المثانة interstitial cystitis، من الألم خلال القذف أيضاً.
ويُؤدي وجود التهابات في البروستاتا أو قناة الإحليل، الواصلة فيما بين المثانة وفتحة العضو، إلى جعل إثارة العضو وانتصابه شيئاً مؤلماً أو مُزعجاً.
كما أن ممارسة الرجل للعملية الجنسية بعنف، أو ممارسة العادة السرية، قد يُؤدي إلى نشوء نتوءات جلدية مُؤلمة على أطراف حشفة العضو، ما قد يكون سبباً للألم فيها حال ممارسة العملية الجنسية.
وسائل سلوكية ومعالجات دوائية للألم الجنسي
لم تعد النظرة الطبية اليوم ترى حالات ألم العملية الجنسية كأحد الاضطرابات النفسية، بل تنظر إليها كحالة مرضية عضوية حتى ثبوت عدم وجود أسباب عضوية لذلك.
ومعالجة حالات ألم العملية تعتمد على نوعية السبب في ظهور الشكوى منها لدى المرأة.
ويأخذ التعامل العلاجي للتغلب على هذه الحالات التوجيه نحو إتباع وسائل سلوكية ومعالجات دوائية. وهي ما تشمل:
- عادات النظافة الشخصية: وذلك بتجنب استخدام أي مستحضرات للتنظيف أو إزالة الروائح، محتوية على مواد مُعطّرة.
وذلك لأن استخدامها، وتعريض الأعضاء التناسلية الخارجية لها، قد يتسبب بحالات من التهيج والحساسية، وأيضاً يتسبب بإعاقة إفراز المرطبات الطبيعية للمهبل بشكل كاف.
هذا، مع تجنب اللجوء إلى عادة بعض النساء من إجراء الدوش المهبلي لغسله داخلياً.
- أسلوب ممارسة العملية الجنسية: وهنا يتطلب الأمر تعاون الزوج والزوجة في اتخاذ الأوضاع الأقل تسبباً بأي إزعاج لكليهما خلال ممارستهما العملية الجنسية.
والسبب أن بعض الأوضاع الطبيعية والمعتادة، أو وتيرة تكرار الحركات، قد تُثير الضغط على عنق الرحم أو عضلات أرضية الحوض pelvic floor.
وتغير تلك الوضعيات يُخفف منها. وهذا الجانب يتطلب وضوحاً في التواصل في ما بين الزوجين.
وذلك بدأً من عدم الاندفاع إلى الإيلاج في المهبل قبل القيام بوقت كاف من المداعبة، ومروراً بكافة الخطوات المحتملة بعد ذلك.
وقد يكون من المفيد استخدام بعض أنواع المرطبات الموضعية المحتوية في تركيبتها الأساسية على الماء water-based lubricant. مثل "أستروغليد" أو "كي واي" جل أو غيرهما.
وهناك تأثيرات إيجابية لممارسة التمارين الرياضية المُقوية لبناء أرضية الحوض، مثل تمارين "كيغل" Kegel exercises ، أو أي تمارين تُعطي المرأة قوة أفضل في حركة العضلات من ناحيتي الانقباض والانبساط.
- معالجات الحالات المرضية: وهذه الخطوة هي الأهم في حال ثبوت وجود حالات عضوية مرضية في الأعضاء التناسلية.
وذلك إما بالمعالجات الدوائية أو الجراحية أو غيرها. وعند وجود احتمال أن يكون السبب هو تناول أدوية قد تُؤثر في التسبب بالألم الجنسي، يكون التوجه نحو تغيرها إلى ما لا يتسبب بذلك.
مثل أدوية علاج ارتفاع الضغط أو الاكتئاب أو الحساسية أو حبوب منع الحمل.
وقد يكون من المفيد لبعض النساء تناول أدوية مُسكنة للألم قبل ممارسة العملية الجنسية.
وتُوصف أنواع من مستحضرات هرمون"أستروجين" الأنثوي، كالكريم أو الحبوب أو الحلقة المهبلية المرنة flexible vaginal ring ، لعلاج النساء في مرحلة ما بعد بلوغ سن اليأس.