معرض ميلانو الدولي للأثاث .. 50 عاما من احترام القديم والبحث عن الجديد
إذا كان تحديد التوجهات القادمة في المعرض الدولي للأثاث مثل لعبة أو فزورة نحاول حل طلاسمها، فقد يطلق عليها عنوان: «لا تلمني إذا كنت مخطئا»، أو إذا لم يعجبك الأمر فارفع علي دعوة قضائية. فكل شيء هنا قابل للتفسير والتأويل الشخصي، خصوصا أن الفاعلية تقدم هذا العام أعمال 2775 جهة مشاركة في المعرض الرئيسي فضلا عن عارضين آخرين في معارض متفرقة في أنحاء المدينة. العدد كاف ليعلن عن مرحلة ازدهار وانتعاش يعيشها عالم الديكور الداخلي.
ولأن هذه المناسبة تكون مؤشرا لتوجهات جديدة في هذا العالم، فإنه يمكن القول بأن التوجه الواضح هذا العام كان استخدام الأزرار التي تمت حياكة بعضها على الأرائك والبعض الآخر على الخزانات.
فنقطة البداية كانت في عام 1961، وهو العام الذي أقيم فيه معرض ميلان للأثاث لأول مرة، نتيجة اتحاد شركات الأثاث المحلية للدخول في منافسات لجلب انتباه عملاء خلال حقبة ما بعد الحرب في إيطاليا، وفتح أسواق جديدة لها في الخارج. ومن هذا المنطلق فإن المعرض يشهد العام الحالي يوبيله الفضي تحت شعار «خمسون عاما شباب».
وطبعا ليس هناك ما هو أفضل من احتفالية من هذا النوع وبهذا الحجم لإعادة صياغة وتقديم تصميمات كلاسيكية لكبار المصممين سواء من قضوا أو من لا يزالون على قيد الحياة بحلل جديدة.
فقد أعيدت صياغة أعمال زجاجات الزيت والخل التي صممها رفائيل ماركوينا وتم نسخها بشكل كبير في عام 1961، علما أن الشركة الإسبانية «موبيلز 114» حصلت على حق إنتاجها. كما صوبت الشركات أنظارها إلى الأعمال التي ظهرت في زمن ما قبل التكنولوجيا بشكل جديد، مثل مقعد «دو مولومبو 4801» من البلاستيك، الذي يقدمه كارتيل، أحد رواد صناعة الأثاث البلاستيكي، بعد 47 عاما من تصنيعه للمرة الأولى من الخشب الرقائقي.
كل هذا من دون أن ينسى المعرض شعاره الرابط بين الماضي والمستقبل الذي يمثل حركة إبداعية شجاعة من الهندسة الزمنية أدركتها الجهات المشاركة فيه هذا العام الحالي بشكل ملحوظ.
بفضل الشركة الإيطالية «ماغيس» ظهر مقعد بروست إلى الوجود، بعد أن طور تصميمه أليساندرو مينديني. ويتكون المقعد من إطار على طراز عصر الباروك وقماش تنجيد ملون مطبوع يدويا، لكنه من البلاستيك وهو ما سيجعل من السهل استخدامه في الخارج، رغم أن بروست كان سيفقد الوعي أو يصاب بسكتة قلبية فيما لو كان حيا واقترح عليه الأمر.
ودفعت روح التجديد الجريئة أيضا شركة «باكارا» للاشتراك مع طلاب دراسات عليا متخصصين في مجال الفخامة والتصميم في كلية الفنون السويسرية «إي سي إيه إل»، وكانت النتيجة مجموعة من المقتنيات المصنوعة من الكريستال يمكن وضعها على الطاولات، ويرتكز تصميمها على أساس آنية «هاركورت» الزجاجية من إنتاج الشركة.
بحسب البيان الصحافي الذي أصدرته الكلية، لم يتم محاكاة نمط كلاسيكيات في طاولات نابليون الثالث منذ ظهورها من 170 عاما، بل قام الطلبة بتطويره بصنع قطع شطرنج وكرة بمضرب ومرطبانات ذات أغطية بمفاصل على هذا النمط.
فالمعرض يريد أن يوضح أن للتجديد مكانته لكن أيضا أن الفخامة عادت لتجد لها مكانا مهما في حياتنا، بعد ثلاث سنوات من الركود العالمي والتشاؤم الذي خيم على صناعة الموضة عموما والديكور خصوصا. قطع «باكارا» مثلا حققت ذلك من خلال المرح الذي تبعثه في النفوس، وفي حالة مجموعة الأثاث الجديدة لشركة «هيرميس» فهي من تصميم إنزو ماري، وأنطونيو تشيتيريو و«رداي أستوديو» وتقوم على أعمال الراحل جان مايكل فرانك متميزة بأناقة عالية، وإن كان مصممو الدار متحفظين واقتصروا على إنتاج قطع دقيقة الصنع من مواد رائعة ومن خلال خطوط إنتاج تقليدية.
وكان هناك سبب دفع الشركة إلى إنتاج هذه المجموعة في سرادق من تصميم شيغيرو بان المهندس المعماري الذي خصص وقته وجهده لتوفير أماكن إيواء لمن فقدوا منازلهم في الزلازل والحروب. فالشركة قد تستعين بالمواد غير المتوافقة مع البيئة من الناحية السياسية مثل جلد العجل الملون لكنها على الأقل لم تستعمل ريش النعام.
وكان للموضوعات البيئية والمجتمعية تأثير كبير على معروضات الدار، حيث تضمنت مزهرية مزينة بالخرز مصنوعة في كوازولو ناتال بجنوب أفريقيا، ومجموعة من ميك ميجير، المصمم الهولندي التي تتكون منتجاته من قطع أثاث مصنوعة من ورق الجرائد وغير ذلك.
أما الإضاءة في المعرض، فحدث ولا حرج، حيث تم تقديمها بزخم وأشكال متنوعة، وكان القاسم المشترك بينها أن الفخامة لا تتوافق مع فكرة التوفير سوى في تجارب المصممين الخاصة بالصمام الثنائي الباعث للضوء.
أما من ناحية التصميم فهي فخمة ومبتكرة ولافتة. وقد أدى منع الاتحاد الأوروبي اللمبات المتوهجة إلى إنتاج لمبات منيرة وغير متبلورة مثل الضوء نفسه. ومن هنا طرحت لمبات بسيطة مثل لمبات الصمام الثنائي الباعث للضوء من «أليسي» التي يمكن أن تقف وحدها دون حاجة إلى كمة وتشمل تفاصيل كثيرة مثل نظام سينابس لوتسيبلان الذي يمتد بطول الحائط مثل اللوحات الجدارية. ويمكن ضبطه لينتج عددا لا نهائي من الألوان المختلفة.