صحفيات الموضة .. خطر بدأ يهز مكانة النجمات
تعيش آنا ديلو روسو في منزل زجاجي - من النوع الافتراضي - فكل حركاتها مراقبة وكذلك تفاصيل ملابسها وماكياجها وما إلى ذلك. فمعجبوها ينغمسون عبر الإنترنت في الحديث بإسهاب عن هذه التفاصيل، حيث علق أحدهم عبر مدونة «سارتورياليست» الشهيرة، قائلا: «إنها تبدو لي أشبه بكوكو شانيل».
وقال آخر في تعليق على مدونة ديلو روسو: «أليست فاتنة؟.. فمعها يبدو التنافر جذابا. أعشقها عندما ترتدي اللون القرنفلي». من ناحيتها، علقت ديلو روسو، التي تعمل محررة مستقلة في مجلة «فوغ» النسخة اليابانية: «إنهم يرغبون في اختيار ملابسي، كما لو كنت دمية. أعتقد أنني تحولت إلى (باربي) الإنترنت».
إلا أنها لا تقصد بقولها هذا الشكوى. في الواقع، تمثل ديلو روسو وأقرانها ممن يتميزون بالأناقة ويحتلون مناصب مهمة في مجلات الموضة، جيلا جديدا من نجوم الواقع على صعيد الإنترنت.
ورغم أن هذا الجيل الذي يضم مثيلات كارين روتفيلد وإيمانويل ألت من «فوغ الفرنسية»، وكايت لانبهير من «إيل الأميركية» وجيوفانا باتاليا من «فوغ الإيطالية»، غير معروف على المستوى العام، إلا أنهن تحولن لنجمات للمدونات المهتمة بالموضة وتجري متابعة جميع تحركاتهن وأدق تفاصيل ملابسهن من قبل الساعين للعمل كخبراء بمجال الموضة.
عن ذلك، يقول تومي تون، ناشر مدونة «جاك آند جيل» المصورة ويتخذ من تورونتو مقرا له: «في الحقيقة، يثير مظهرهن المميز موجة من الحملات الدعائية لخطوط موضة، إلى حد أن النجمات أنفسهن يسرن على خطاهن».
فهذه الشخصيات تتمتع بقدر بالغ من التأثير والنفوذ يفوق ما تحظى به المجلات التي يعملون بها. في هذا الصدد، يوضح غريغوري ليتلي، مستشار بشؤون الإعلام الاجتماعي والعلامات التجارية في نيويورك، أن «هناك أشخاصا مهتمين بالموضة في أميركا يدخلون لهذه المواقع ويدرسون مظهر هذه الشخصيات. إنهم يستغلون المدونات كمصادر لتثقيف أنفسهم بخصوص الموضة».
وأضاف: «في المناطق الأميركية البعيدة عن تأثير باريس أو نيويورك أو ميلانو، تكتسب هذه المدونات أهمية كبرى وتصبح نافذة على ثقافة الموضة».
الواضح أن النفوذ المتزايد لمجموعة من كبار مصممي الأزياء يحمل في طياته تحولا كبيرا. في مقاله بمجلة «إندستري» اللندنية التي يشارك في رئاسة تحريرها وتعنى بالمشاركين في صناعة الموضة، كتب جينز غريدي يقول: «اليوم، لو استوقفت فتاة في شوارع استوكهولم وسألتها عن كارين رويتفيلد، ربما ستكون على معرفة بها، رغم أنه منذ خمسة سنوات ربما لم تكن تسمع باسمها قط».
المتابعون للموضة ربما يميزون روتفيلد بفساتينها الضيقة وأحذيتها عالية الكعب وخصلات من الشعر الأسود تتدلى فوق إحدى عينيها. ومن اليسير أيضا لهم تمييز ديلو روسو بمظهرها المسرحي وأكتافها العريضة وملابس الفرو الضخمة التي ترتديها والإكسسوارات ذات الأشكال الغامضة المعقدة، وكذلك الحال مع لانبهير بحليها ذات البروز الناتئة ومعاطفها الجلدية.
الملاحظ أن هؤلاء المدونين أكثر من مجرد أفراد لديهم معرفة سطحية بحفنة من نجوم الموضة الذين يغزون حياتهم أسبوعيا عبر مواد تلفزيونية مثل مسلسل «بروجيكت رانواي»، بل يشكلون نسبة كبيرة من جمهور فيلم «سبتمبر إيشو» (العدد سبتمبر) الوثائقي الذي أكسب غريس كودينغتون، المديرة الفنية في «فوغ الأميركية» شهرة واسعة.
الملاحظ أنه في وقت مضى كان مصممو الأزياء هم الذين ينتقون ملابس المشاهير أو يتولون إخراج صور العارضين. وعن هذا، قال أندرو روزين، الرئيس التنفيذي لـ«ثييري»، وهي علامة تجارية استعانت بمجموعة من مصممي الأزياء المشهورين خلال حملة إعلانية عبر الإنترنت: «ظل هؤلاء المصممون مصدر إلهام لمصممي الأزياء البارزين لسنوات. أما الآن، فتحولوا لمصدر إلهام للمستهلكين».
من ناحيتها، أعربت لانبهير، واحدة من أكثر الشخصيات التي تهتم بها مدونة «جاك آند جيل»، بجانب كونها بطلة للكثير من مواقع معجبي أسلوبها المتحرر في الملبس، عن اعتقادها بأن المعنيين بصناعة الموضة والأفراد العاديين ينجذبون إلى الجانب المتوقد في رؤساء التحرير، مضيفة أنهم «يعبرون عن هذه العاطفة من خلال ارتداء قطع ملابس من تلك التي تقدم في عروض الأزياء جرى إدخال تعديلات عليها، في حياتهم اليومية.
ولهذا يجري النظر إليهم باعتبارهم مصدر إلهام». (يذكر أن موقع Elle.com يعمد لاستغلال الحضور القوي للانبهير على الساحة العامة عبر نشر صورها على موقعها، وتوفير الفرصة لها للتشارك في آرائها مع قرائها).
والمؤكد أن الميول الخاصة بمجال الموضة التي يبديها هذا الفصيل من مصممي الأزياء تجتذب تيفاني فنغ، المسؤول البارز لدى «أوبرلين كوليدج» في أوهايو، وعشاق المدونات مثل «فايس هنتر» و«لوبوك» و«ستايلكيكر». وقالت فنغ إن النساء اللاتي يجري عرض صورهن بهذه المواقع «يطرحن قطعا نموذجية من الأناقة، ويتمثل الجزء الأكبر من مهمتي في محاولة تفسير أفكارهن».
من جانبها، تعكف مايا تشايوت، 21 عاما، مسؤولة الاتصالات بجامعة نيويورك في بيرتشيس، على نحو روتيني على تفحص المدونات بحثا عن صور لعارضات الأزياء ومصممي الأزياء الذين تعشقهم. وفسرت ذلك بأن هؤلاء الأفراد يوفرون للمرء فرصة استرقاق النظر على عالم الأناقة على نحو «أكثر مصداقية وانتقائية عن مجلات الموضة، وعلى نحو أكثر عملية بالنسبة لي».
يذكر أن مثل هذه المدونات يجري تحديثها أسبوعيا، بل وأحيانا يوميا، وتعد «أكثر توافقا مع أحدث صيحات الموضة» حسبما أوضح ليتلي، مستشار شؤون العلامات التجارية. فهي «نافذة فورية على عالم الموضة» وهي نافذة لا يقرأون عنها بالضرورة في «يو إس ويكلي».
كما لا تتوافر هذه النافذة بوجه عام في الإصدارات الكبرى المعنية بالموضة والتي عادة ما تجتذب القراء الذين يتجاوزون 30 عاما. ورغم أن بعضا منها حاول اجتذاب شرائح أصغر سنا من القراء، فإن هذه الجهود قوبلت بالتجاهل في الجزء الأكبر منها. بين عامي 2000 و2010، ظل متوسط أعمار قارئات مجلات الموضة ثابتا نسبيا، طبقا لما أعلنته شركة «GfK MRI» العاملة بمجال أبحاث الإعلام، حيث ارتفع بنسبة ضئيلة فقط من 34.2 إلى 35.4 عاما بالنسبة لـ«فوغ»، ومن 40.6 إلى 42.6 عاما في «بازار»، ومن 32.3 إلى 32.6 عاما بالنسبة لـ«إيل».
إلا أن متخصصين بمجال الأزياء يرون أن مجلات الموضة الشهيرة لا تتوفر على تأثير كبير على النساء بمرحلة المراهقة والعشرينيات من العمر. وأشار غريدي إلى أن «جزءا كبيرا من جمهور القراء عالميا هاجروا إلى الإنترنت».
ومن بين هؤلاء فنغ، التي اعترفت: «نادرا مع أطلع على (فوج) أو (بازار)، لكني أعتبر مطالعة (سارتورياليست) من الطقوس اليومية بالنسبة لي، تماما مثل فنجان القهوة صباحا. إنني أعشقها».
ولم تغب هذه الهجرة الجماعية إلى الإنترنت عن أنظار ديلو روسو، وأشارت إلى أن مدونتها annadellorusso.com تجتذب نحو 20 ألف مشاهد يوميا، معظمهم من المراهقات. وعلقت على هذا بالقول: «هؤلاء الفتيات يبحثن بجد عن أزياء يمكن ارتداؤها في الحياة العملية مع تميزها بطابع فريد، وهو نمط لا يجدنه بالمجلات».
واستطردت بأن القليل من هذه الفتيات يطالع الإصدارات الكبرى بمجال الأناقة مثل «فوج»، نظرا لأن غالبية هذه المجلات تعرض الموضة على نحو «مفرط في الخيالية». وأوضحت أن رؤساء تحرير هذه الإصدارات يولون اهتماما بالغا لـ«خلق صور جميلة»، بينما لا يبدون سوى اهتمام ضئيل بالقضايا الحياتية مثل «كيف يمكن ارتداء سترة معينة أو فستان أو بنطلون».
الملاحظ أن شعبية ديلو روسو وتوجهها النابض بالحياة في انتقاء ملابسها دفعا فيديريكو مارتشيتي، مؤسس «يوكس غروب»، وهي الكيان الأم لموقع Yoox.com، المتجر الإلكتروني الشهير، لدعوتها للتسوق بالمتجر وطرح عطرها الخاص. ويبلغ سعر الزجاجة الواحدة منه 20 دولارا، بعدما طرح المتجر بالفعل مجموعة من القمصان التي تحمل صورة ديلو روسو نفدت جميعها في غضون ساعات.
وقال مارتشيتي إن هذه القمصان بيعت لأن «روسو من الشخصيات الشهيرة الآن في الفضاء الإلكتروني. وقد تضاءلت هذه الأيام الحدود الفاصلة بين مشاهير هوليوود والعاملين داخل حقل الموضة».
اللافت أن رؤساء التحرير المشاهير أمثال ديلو روسو يجتذبون أيضا أنظار مصممين وجهات بيع كبرى أميركية، صاغت استراتيجياتها للتسويق حولهم. على سبيل المثال، تحولت لانبهير إلى نجمة الحملة الدعائية المطبوعة للمجوهرات التي ابتكرها صديقها إيدي بورغو.
في وقت سابق من هذا العام، استعانت سلسلة متاجر «تي جي ماكس» بلوسي سايكس، مصممة أزياء بريطانية، وزو غلاسنر، المحرر البارز بمجلة «ماري كلير»، للظهور في سلسلة من الإعلانات التلفزيونية. وعللت المتحدثة الرسمية باسم المتاجر هذا القرار بأن الاستعانة بمتخصصين من داخل صناعة الموضة يضفي مزيد من المصداقية، كما أنه «يعزز من مكانتنا كعلامة تجارية».
وتضم صفحات سلسلة متاجر «جي كرو» وكتالوجاتها قطعا من الملابس جمعتها جينا ليونز، رئيسة الشركة ومديرة شؤون الإبداع، وربما استقت مواقع على الإنترنت إلهامها من هذه التجربة، مثل «فاشونتوست» و«شي بوتيك»، حيث تروج حاليا لمصممي الأزياء من العاملين بهذه الصناعة ويتحدثون عبر الإنترنت حول اختياراتهم الشخصية للموسم الجديد. وقد سارت على النهج ذاته بعض المجلات.
وفي خطوة جديدة تماما بالنسبة لإصدار اعتاد التركيز على نجمات السينما، استحدثت مجلة «إن ستايل» بابا جديدا بعنوان «تسوق مثل محررات مجلات الأزياء»، وتتناول المحررات العاملات بالمجلة واختياراتهن بمجال الأناقة. وقال أرييل فوكسمان، رئيس تحرير المجلة، إن الخطوة حققت نجاحا كبيرا لدرجة دفعت المجلة لإعادتها مجددا بموسم الربيع.
فاختيارات المحررين يشبه «اختلاس النظر على مذكرة شخصية لشخص ما، وهو أمر نادر، لكن هذا ما يتشوق الناس إليه».