الموضة «صديقة البيئة» .. صيحة مؤقتة أم توجه دائم
«الموضة إبداع ولعب بالألوان والمواد المركبة، ولا تكتفي بالخامات الطبيعية البسيطة»، هذه الفكرة التي طالما أشيعت عن تعارض عالم الأناقة مع قوانين الطبيعة واحترامها، ثبت اليوم نقيضها، وأن المعادلة بين الأنيق والصديق للبيئة يمكن التوصل إليها إذا كانت هناك نية صادقة.
فالموضة المسؤولة، كما يطلق عليها، أو الموضة الأخلاقية la mode ethique أو الموضة صديقة البيئة eco friendly لا تقل إبداعا وأناقة عن نظيرتها العادية، بعد أن ابتعدت عن صورة القبعات البيروفية والبانشو البرازيلي وسراويل القنب التي رسخت في الأذهان باعتبارها الأزياء المفضلة لحماة البيئة.
أكثر من هذا فإن «الأزياء الخضراء» باتت تتمتع بشعبية كبيرة لدى المشاهير وأغنياء العالم الذين يعتبرونها جذابة وممّيزة بفضل التزامها بميثاق من أخلاقيات المهنة فضلا عن احترام الطبيعة وتفادي إهدار ثرواتها الثمينة.
المعادلة التي كانت تبدو صعبة منذ بضع سنوات أصبحت واقعا ملموسا بل ومطلوبا اليوم. فحماية الأرض والدعوة إلى الحفاظ على مواردها لم تعد حكرا على الساسة وحمّاة البيئة بل أصبحت أيضا هاجس العديد من المبدعين في عالم الموضة.
الظاهرة تضاعفت خلال أسابيع الموضة التي تنظم تحت شعار حماية البيئة في أكبر مدن العالم كنيويورك، برلين، سان باولو، باريس ولندن، كما ظهر جيل جديد من المصّممين تبّنوا مبادئها وقناعاتها في أرض الواقع.
التوجه الجديد يوصي باستعمال خامات لم تتعرض للمعالجة الكيماوية وطبيعية مائة في المائة مثل «القطن العضوي» بدل القطن العادي، علما أن زراعة القطن من أكثر الزراعات تلويثا للبيئة وإضرارا بالإنسان.
فزراعته تستهلك نحو 11 في المائة من الإنتاج العالمي للأسمدة الكيماوية و25 في المائة من الإنتاج العالمي لمبيدات الحشرات. كما أنها من أكثر الزراعات استهلاكا للثروة المائية، فكيلو واحد من القطن يتطلّب 150 لترا من الماء.
ولهذا فإن أصحاب هذا التوجه يرون أنه من الأحسن الاستغناء عنه تماما إذا أمكن واستعمال منتجات بديلة، مثل الأقمشة المسّتخرجة من قصب «البامبو» و«القنب» اللذين لا تحتاج زراعتهما لأسمدة كيماوية أو مياه غزيرة.
ويحّبذ أصحاب هذا التوجه أيضا استعمال المواد البسيطة كالصوف المغزول باليّد بدل المغزول بواسطة ماكينات في المصانع، والجلود النباتية بدل الحيوانية وصباغة الأقمشة ودباغة الجلود بمواد مستخلصة من النباتات والأزهار بدل الصبغات الكيماوية وما شابهها.
وكثير منهم يعتمد الاقتصاد عبر تطبيق مبدأ «إعادة التدوير» أو إعادة استغلال بقايا الأقمشة أو الملابس القديمة عدة مرات، بما فيها بقايا بعض المواد الاستهلاكية كعلب البلاستيك واستعمال الأكياس السريعة التحلّل بدل الأكياس البلاستيكية الملوثة للبيئة.
أكثر من هذا فإن جيل المصمّمين الجديد يبدي اهتماما خاصا بالجانب الأخلاقي للمهنة وهم حريصون على توفير ظروف اجتماعية واقتصادية لائقة لليد العاملة التي تساهم في الإنتاج، بالإضافة إلى إشراك مصّممين شباب من دول صغيرة خصوصا من أفريقيا وآسيا لنشر الوعي.
الأكثر تميزا بين هؤلاء ستيلا ماكارتني الناشطة في منظمة «بيتا» لحماية الحيوانات منذ سنوات، وحتى قبل أن تصبح هذه الظاهرة موضة، كما هو الحال الآن.
هي أيضا من القلائل الذين يحرصون في تصرفاتهم اليومية على احترام البيئة والاقتصاد في طاقاتها، حيث تفضل التنقل عبر القطار أو بسيارتها الكهربائية وذهبت إلى حد تجهيز محلاتها بنظام تدفئة يعمل بالطاقة الشمسية، فضلا عن رفضها القاطع استعمال جلود الحيوانات وفروها مفضلة استعمال مواد طبيعية أخرى كالجلود النباتية والقطن العضوي والصوف الإنجليزي المغزول باليد أو الحرير المغسول والمستخلص من نبات الصوجا.
وبالفعل كانت من أوائل المبدعين الذين فرضوا هذا التوجه بعد أن أطلقت منذ 2007 بالتعاون مع دار «إيف سان لوران» مجموعة «كير» care لمستحضرات التجميل الطبيعية التي لم تجّرب على الحيوانات ولم يدخل في تركيبها أي مادة كيماوية كالبارابان أو المواد الحافظة.
في عام 2008 أتبعتها بمجموعة ممّيزة من الملابس الداخلية المصنوعة من القطن العضوي لاقت نجاحا كبيرا.
في فرنسا الأكثر نشاطا في هذا المجال المصمّمة أنياس بي التي توزع في محلاتها منذ ربيع 2007 أكياسا سريعة التحلل مصنوعة من نشاء البطاطا بدل أكياس البلاستيك الملوثة للبيئة.
كما تطلق منذ موسم 2007 مجموعة من الحقائب الأنيقة والمصنوعة من بقايا الأقمشة المشمعة الموجودة في محلاتها، وهي لا تسافر عبر الطائرة إلا للضرورة القصوى وتفضل اعتماد «الفيديو كونفرنس» أو الندوات عن بعد.
إضافة للفرنسي جيروم دريفوس مصّمم حقيبة اليد الشهيرة «بيلي»، الذي أطلق مجموعة جديدة دُبغت جلودها بمواد طبيعية ولم تستعمل فيها مادة الكروم الملوثة للبيئة إلا بنسبة تقل عن 8 في المائة بدل 90 في المائة التي تستعمل عادة في دباغة الجلود. وهذا بحد ذاته تحّد كبير بالنسبة لمصّمم حقائب جلدية.
الحرص على احترام البيئة من اهتمامات المصّممين اليابانيين أيضا وعلى رأسهم دار «كنزو» وإيسي مياكي.
هذا الأخير أطلق منذ 2007 مجموعة سراويل جينز لم تتعرض لأي معالجة كيماوية ومجموعة قمصان كتب عليها «كربون نوترال» كدعوة للحّد من انبعاث الغازات السّامة.
ورغم أن انضمام دور الأزياء الكبيرة لهذه الكوكّبة مسألة طال انتظارها، فإن بعضها قررت وبغرض كسب دعاية جديدة، دخول هذه المغامرة، مثل دار «إيف سان لوران» التي أطلقت أواخر 2009 مجموعة أزياء جديدة «نيو فانتاج 2» مصمّمة من بقايا أقمشة سبق استغلالها في عروض سابقة.
الرواج الذي عرفته الموضة الخضراء يرجع أيضا إلى إقبال مشاهير الممثلين والفنانين تحديدا من هوليوود على هذه النوعية من الأزياء مما جلب لها دعاية كبيرة.
بعض هؤلاء المشاهير من عالم السينما والموسيقى، وصل دعمهم لـ«الأزياء الخضراء» إلى حد إطلاقهم مجموعات من الملابس والإكسسوارات الخاصة بهم كما فعلت الممثلة نتالي بورتمان، التي أطلقت مجموعتها للأحذية الخالية من الجلود الحيوانية «فيغن». مغني فرقة «يوتو» بونو المعروف بمواقفه الجريئة من أجل حماية البيئة والذي يُعد من أوائل المشاهير الذين سلكوا هذا الطريق، أطلق بدوره منذ 2005 مع زوجته ألي هاوسن مجموعة «إيدن» للملابس المصنوعة من القطن العضوي مائة في المائة، وهو يحول جزءا من أرباحها لمنظمة «ألفا» لمرضى الإيدز.
ورغم تمتعها بشعبية كبيرة تبقى «الأزياء الخضراء» حكرا على قلّة قليلة من ميسوري الحال نظرا لارتفاع أسعارها، وأيضا لترّدد المصمّمين أمام هذه النوعية من الأزياء.
وهي حاليا لا تمثل في سوق الموضة العالمية سوى نسبة تتراوح ما بين واحد إلى اثنين في المائة علما أن أكثرها انتشارا يوجد في مجال مستحضرات التجميل أكثر منه في مجال الأزياء، وإن كانت دراسة قام بها المعهد العالي للموضة (آي إف إم) IFM تشير إلى أن الأوضاع قد تتغير وإلى أن الموضة صديقة البيئة قد تصل في مطلع 2015 إلى نسبة 15 في المائة من السوق العالمية للأزياء.
لندن من العواصم العالمية الرائدة في هذا المجال، واستحدثت خلال أسبوعها قسما مخصصا لهذه الأزياء والإكسسوارات. والآن أصبح هذا الجانب جزءا من شخصيتها وهويتها، تعتز به وتدعمه بكل قوتها وإمكاناتها.