أيام «تشارلز فوجيليه».. هل تكون بداية أسبوع زيوريخ للموضة؟
ما هو القاسم المشترك بين ميلانو ونيودلهي، وبين باريس وبيونس آيرس، أو بين نيويورك وكراتشي وغيرها من العواصم العالمية الأخرى؟ الجواب بكل بساطة أن لكل واحدة من هذه المدن أسبوع موضة، فتسابق الكثير من الدول في هذا المجال أصبح لافتا، وأحيانا صادما، إلى حد القول إن الموضة الحالية هي أن يكون لكل بلد أسبوعا يحتفل فيه بالأناقة والحرفيين والمبدعين، حتى يدخل خريطة التقدم الحضاري، ويحقق النمو الاقتصادي المنشود في الوقت ذاته؟
فمما لا شك فيه أن التسابق وراء تنظيم هذه الأسابيع لا يكون سببه دائما استعراض المواهب والجمال، بل أكثر ميكيافلية من ذلك، ودخول سياسيين هذا المجال بالترويج له ودعمه ماديا، أكبر دليل على أن الجانب الاقتصادي أصبح في أهمية الجانب الإبداعي؛ فصناعة الجمال، كما أصبح متعارفا عليها، تدر الملايين، إن لم نقل المليارات، على بعض البلدان، من تصدير وتشغيل آلاف الأيدي العاملة وتحريك سوق السياحة، بما فيها من مطاعم وفنادق وغيرها.
لكن على الرغم من هذا التسابق، ظلت سويسرا، إلى الأمس القريب، متخلفة عن الركب وغير موفقة في محاولاتها تنظيم أسبوع يليق بمكانتها، مع أنها تضم أسماء لا يستهان بها، فضلا عن أنها من أهم المنتجين والمصدرين للأنسجة. فهذه الأنسجة المترفة تعتبر الحاضر الدائم في عروض كبار المصممين، سواء تعلق الأمر بعروض الأزياء الراقية أو الجاهزة في باريس أو ميلانو وغيرهما من عواصم الموضة العالمية.
هذا العام، قررت أخيرا أن تلحق بالركب، وتنظم ما أعطى الانطباع بأنه أول أسبوع لها في زيوريخ، العاصمة الثقافية. أسبوع يمتد على مدى أربعة أيام، ويولد من رحم ما كان يعرف بـ«ستيلا نايت» أو «ليلة ستيلا» التي عاشت عامها الـ11 يوم الخميس الماضي. وهي فعالية تحتضنها العاصمة زيوريخ منذ عام 2000 لدعم مصممين شباب من كل أنحاء العالم، ويحصل فيها الفائز على 100 ألف يورو، تقدم على شكل أقمشة ومساعدات لتنظيم عروض أزياء، ودفع مصاريف العارضات وغيرها من الأمور التي تسهل حياة أي مصمم واعد، وتمنحه دفعة قوية نحو العالمية.
في العام الماضي مثلا فاز الأميركي ألكسندر وانغ بالجائزة، وقبله راف سينمونز، الذي فاز بها في عام 2003، وكانت بداية انطلاقته الفعلية، حيث أصبح مصمما لدار «جيل ساندر» أيضا.
نفس الأمر تحقق مع المصمم بيتر برونو، الذي فاز بها في عام 2006 ليصبح بعدها مصمما لدار «هيوغو بوس»، ثم ماريوش شواب الفائز بها في عام 2007، الذي حصل أيضا على وظيفة مصمم فني لدار «هالستون» وغيرهم.
ألكسندر وانغ قال إن الجائزة كانت فرصة قيمة لاستعمال أقمشة مترفة قد لا يستطيع مصمم مبتدئ استعمالها، مشيرا إلى الفرق بين ما قدمه سابقا وتشكيلته الأخيرة لربيع وصيف 2011، التي استعمل فيها أجود الأنواع وأجملها.
لكن على الرغم من أهميتها، وترقب أوساط الموضة المتخصصة لها، فإن «ستيلا نايت» لا تستغرق سوى ليلة واحدة، وهذا طبعا ليس كافيا ليشفي غليل عشاق الموضة، وهذا ما شجع مجموعة «تشارلز فوغيليه» على دخول الخط وتنظيم أربعة أيام من الفعاليات المختلفة، تمتد من الثالث إلى السادس من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) بمشاركة نحو 25 من المصممين السويسريين.
«تشارلز فوغيليه» استفادت من تواجد أسماء عالمية أخرى في الفعالية، مثل «ميسوني» الإيطالية، ماركة «كافيار غوش» الألمانية، الأميركيان ألكسندر وانغ، الفائز بجائزة «ستيلا» في العام الماضي وجايسون وو، الذي ظهرت ميشال أوباما بمجموعة من فساتينه وغيرهم لإضفاء الأهمية على أيامها الأربعة.
ولأنها التجربة الأولى، والمتعارف عليه أن الانطباع الأول يدوم، فإن المنظمين كانوا حريصين على أن يبدأ «أسبوعهم» قويا وواضحا في رؤيته، لهذا جندوا له كل طاقاتهم من حيث التنظيم ومن حيث الاستعانة بعارضات من عيار الروسية إيرينا كوليكوفا؛ فهذه الأخيرة تعتبر من أهم العارضات العالميات في الساحة حاليا، إذ سبق أن عملت مع كالفين كلاين، برادا، لوي فيتون، إيف سان لوران وغيرهم، كما ظهرت على أغلفة «فوغ» الإيطالية والصينية والألمانية.
ميا غارناتشيا، نائب الرئيس التنفيذي لوكالة «IMG» العالمية التي تنظم عدة فعاليات في العالم منها أسبوع نيويورك، يشرح هذا التوجه قائلا: «كان من المهم بالنسبة لنا أن تكون البداية قوية، لهذا حرصنا على أن يرقى التنظيم إلى أعلى المستويات»، وتابع: «أردنا أن نقدم شيئا مميزا يشد المهتمين بالموضة، سواء من خلال تشكيلات حصرية، أو عارضات عالميات، أو فعاليات مثيرة».
ومع ذلك فإن الحديث عن الأسبوع مع سويسريين كان مثيرا، لأن أغلبهم كان مستغربا دخول مجموعة «تشارلز فوغيليه» التي كانت حتى الأمس القريب لا ترتبط في الذهن بالموضة الراقية، مجال الموضة العالمية؛ فمحلات «تشارلز فوغيليه» الـ800 المترامية في كل أنحاء سويسرا وبعض دول أوروبية أخرى، تخاطب زبائن عاديين بحكم أسعارها المتوسطة، ولم تكن لها علاقة كبيرة في يوم من الأيام بالموضة الحداثية أو المبتكرة.
لكن ما لا يختلف عليه اثنان أن دخولها الخط من باب «جائزة منظمة الأنسجة السويسرية» أو «ستيلا نايت» كان ضربة معلم بالنسبة لها، فالكل بات يحكي عن الاسم، حتى المستغربون والمستنكرون، مما يؤكد أن أي دعاية مهما كانت، لا يمكن إلا أن تكون إيجابية، ما دامت ستتصدر الأخبار.
أما المسؤولون في «تشارلز فوغيليه» التي تحتفل بعامها الـ55، فكان لهم رأي وجيه، وهو أن الوقت مناسب جدا لكي تجدد المجموعة شبابها، لهذا استعانت بكل من النجمة الإسبانية بينلوبي كروز، وأختها مونيكا لحقن خطها «بياجيني» بجرعة بريق وحيوية.
الرئيس التنفيذي للمجموعة (أندريه مايدر) صرح منذ بضعة أشهر: «كنا سعداء عندما حظينا بهذا الثنائي لما تتمتعان به من كاريزما وإقبال على حياة وحب للموضة تماما، مثل تشارلز فوغيليه». ولم تخيب الأختان الآمال، فقد قدمتا تشكيلة خاصة أطلقتا عليها «بياجيني فايوليت» أرقى وأكثر جودة من السابق، شملت أزياء للنهار وأخرى لحفلات الكوكتيل، تباينت بين الفساتين القصيرة والطويلة، وبين قطع منفصلة أخرى، كان واضحا فيها أن الأختين انطلقتا من أسلوبهما الخاص كنقطة بداية.
لكن الجديد في هذا العام، كان مشاركة مجموعة من المصممين السويسريين المبتدئين في أول يوم، مثل ريدلي أكانتوس، وهي من نيويورك، لكنها استقرت في جنيف منذ أعوام، إلى جانب آخرين أكثر باعا، مثل تران هين فو و«كافيار غوش» وألكسندر وانغ، وكلهم سبق لهم المشاركة في فعالية «ستيلا» المنظمة من قبل «منظمة الأنسجة السويسرية».
«كافيار غوش» لم تفز بالجائزة، لكنها أكدت أن مجرد المشاركة له فعل السحر على أي مشارك، لأن الأبواب تفتح أمامه، فضلا عن أنه يكتسب الثقة ويكسب ود المنظمة السويسرية، التي يعتبر ودها مهما للحصول على أنسجة مترفة، تلهم وتساعد على الإبداع.