أسبوع لندن للموضة يستمد قوته دائما من الإعلام والتسويق
خاص الجمال - محمد يوسف
إذا كنت زائرا للندن هذه الأيام، ربما ستنتابك الحيرة حول ما إذا كانت دورة الألعاب الأولمبية قد بدأت مبكرا، بالنظر إلى حركة شوارعها، وكون ساستها ونجومها مجندين بكل طاقتهم وجوارحهم لما يجري فيها. والحقيقة هي أن العاصمة البريطانية تحتضن هذه الأيام فعالية لا تقل أهمية عن الأولمبياد، تتمثل في أسبوعها للموضة، الذي انطلق أمس في الساعة التاسعة صباحا وسيمتد خمسة أيام خاصة بالأزياء النسائية فيما أضيف يوم سادس للأزياء الرجالية حتى يأخذ هذا المجال حقه من الاهتمام.
بداية الأسبوع، كما وعد المسؤولون عنه منذ أشهر، ستكون مهرجانا من الألوان والفعاليات، ليس أقلها أن من افتتحه هو عمدة لندن، بوريس جونسون، الذي أصبح، على ما يبدو، من أصدقاء الموضة الأوفياء والمرغوب فيهم منذ ظهوره على غلاف مجلة «إيل» البريطانية هذا الشهر. لكن الحق يقال إنه يدعم الأسبوع بكل قوته منذ توليه منصبه، من منطلق أنه يدرك مدى أهميته بالنسبة للندن كمركز تجاري وسياحي وأهمية الموضة كقطاع اقتصادي يشغل كثيرا من الناس. في افتتاحيته، قال مازحا بأن وعيه بقوة الموضة بدأ عندما توجه إلى بكين لتسلم مشعل الألعاب الأولمبية منها، ولم يصدق الضجة التي أثيرت آنذاك حول بذلته.
ثم سارع بالقول إنه يلبس البذلة نفسها، وكأنه يلمح لمحرري الموضة بأنه لا داعي لتكرار الانتقادات نفسها حول بذلته، فهي «قديمة».
بعد كلمته، انطلق الأسبوع رسميا، بعرض خاص لقبعات الرأس، احتفاء بالمصمم المخضرم ستيفن جونز الذي ينظم له متحف «فكتوريا آند ألبرت» معرضا خاصا هذه الأيام. وليس من الصعب تصور أن كل من شارك في العرض تبارى في تقديم الفني والمبتكر، حتى تكاد تشعر بأن الزمن انتقل بك إلى شهر يونيو (حزيران) ومهرجان «اسكوت».
فقد أقيم على خلفية صممها الفنان مايكل هاويلز، قال إنه استلهمها من معمار «سومرست هاوس» الذي يعود تاريخه إلى عام 1776، وشارك فيه خمسة مصممين انتقاهم ستيفن جونز بنفسه ممن توسم فيهم الموهبة، وهم سورين باخ، بيرس أتكينسون، نويل ستيورات، ليتل شيلبا، ج. سميث إسكواير. ولا شك أن اختيار لندن للاحتفال بهذا الإكسسوار لافتتاح أسبوعها ليس اعتباطا، فهي تريد أن تؤكد للعالم أنها لا تزال عاصمة الابتكار والتجديد، كما أنها عاصمة تفرخ النجوم وتحتضن الكبار على حد سواء.
أول عرض أزياء كان للأيرلندي المخضرم بول كوستيلو، الذي يعتبر من الوجوه الدائمة فيه منذ 24 عاما. كل ما في المجموعة التي قدمها جاء يفوح بأسلوبه الراقي والمتقن ويختزل خبرة عمر، سواء من ناحية التفصيل أو التفاصيل. فهنا أيضا لعب على الياقات العالية والأكتاف الضخمة إلى جانب الألوان الفاتحة بدرجاتها الكلاسيكية، والتي لا شك أنه أرادها أن تخاطب أسواقا واسعة. فالسنوات علمته حكمة أن يوفق بين خياله كمصمم مبدع، وبين متطلبات السوق والواقع.
على العكس تماما من هندسيته وتفصيله، جاءت تشكيلة كارولاين تشارلز منسابة وحالمة، قسمتها لثلاث مجموعات.
المجموعة الأولى للنهار وتخاطب الفتيات الصغيرات بقطع منفصلة تغلب عليها البنطلونات القصيرة والقمصان الخفيفة وصنادل القنب المريحة، والمجموعة الثانية للإجازات بألوانها ونقوشها التي تأخذك إلى جزر الكاريبي وهاواي.
أما المجموعة الثالثة فهي للمساء كما قد تناسب عروسا ناعمة لا تريد إثارة الكثير من الانتباه، حيث غلب عليها الأبيض بكل درجاته، كما غلب عليها الدانتيل والشيفون والتطريزات الذهبية الخفيفة. تشكيلة يمكن أن تجد فيها المشتريات من كل أنحاء العالم مطلبهن، لأن المصممة عوضت فيها ما تفتقده من جديد وجنون بالنعومة والأنوثة التي ستجد لها صدى لدى شرائح عريضة من الزبونات، وهذا هو عز الطلب.
فمن الأشياء التي ظل أسبوع لندن يعاني منها طويلا عدم قدرة مصمميه على تحقيق المعادلة الصعبة بين الابتكار والتسويق، لكن شتان بينه اليوم وبين بدايته منذ 25 عاما. فقد نضج واكتمل عوده واستوعب الدرس.
وحتى نعيه سابقا لحظه العاثر بسبب تجاهل وسائل الإعلام العالمية له من جهة، وعدم حضور المشترين من جهة ثانية، يمكن أن يتغير للأبد. فوسائل الإعلام التي طالما أرجعت تجاهلها لتوقيته المحشور بين كل من أسبوعي نيويورك وميلانو، مما يجعله عبئا، من ناحيتي الوقت والجهد، والمشترون من كبريات المحلات، مثل نيمان ماركوس و«بارنيز» وغيرهم، ممن لم يكلفوا أنفسهم تعب التوقف فيه، ولم يتحرجوا في السابق من التصريح بأنه لا يدخل ضمن أولوياتهم، لأنه قد يكون غنيا بالابتكار والإبداع لكنه لا يبيع ويصعب تسويق ما يعرضه في أرض الواقع، ملتفون حوله هذه المرة.
فلحسن حظ العاصمة البريطانية، أن لا شيء يبقى على حاله، وكثير من الأشياء في هذا الأسبوع تغيرت، وها هو اليوم يؤكد أن عوده اكتمل فنيا وتجاريا، بدرجة أنه أصبح ينافس باقي العواصم، إن لم نقل إنه تفوق عليها هذا الموسم، الذي يتزامن مع عامه الـ25.
فحسب قول بوريس جونسون، سيحضر هذا الأسبوع ما لا يقل عن ألف مشتر من كل أنحاء العالم، كما أن وسائل الإعلام حاضرة بقوة، وليس أدل على هذا من حضور أنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية. بداية التغيير كانت في شهر فبراير (شباط) الماضي، خلال عروض الموسم الحالي، أي خريف وشتاء 2010، حين تضافرت جهود دار البلدية والخطوط البريطانية وفندق «المايفير» وقطاع التجارة والاستثمار البريطاني مع الجهة المسؤولة عن الأسبوع لتسليط الضوء على أهمية صناعة الموضة على اقتصاد المدينة ككل، وتقديم كل التسهيلات والإغراءات لوسائل الإعلام العالمية من أجل تغطية فعاليته.
لم يبخل عليهم بالمال أو الدفء، وجاءت النتيجة مذهلة. فمقابل 110.000 جنيه إسترليني، هو المبلغ الذي صرف على هذه التسهيلات في شهر فبراير 2009، مثلا، حققت لندن مبيعات تقدر بـ18.500.000 جنيه إسترليني، وحصلت على تغطيات إعلامية عالمية تقدر بـ15.500.00 جنيه إسترليني. بعبارة أخرى، مقابل كل جنيه إسترليني تم صرفه لاستقبال وتدليل الضيوف الأجانب، جنت لندن نحو 880 جنيها إسترلينيا، وهو الأمر الذي لا يمكن الاستهانة به.
وعلى الرغم من أن النتيجة ظهرت في الموسم الماضي، فإن الاستراتيجية تعود إلى عام 2007 حين ساهم مكتب التطوير اللندني بمبلغ قدره 4.2 مليون جنيه إسترليني لمجلس الموضة البريطانية لدعم بعض البرامج والمصممين وتعزيز برنامج خاص بالضيوف العالميين، بعد أن أدرك أن الموضة شريان مهم من شرايين اقتصاد العاصمة. استراتيجية لندن لهذا الموسم، كما في الموسم الماضي، هي جذب ومخاطبة أسواق جديدة في الولايات المتحدة الأميركية، واليابان، وفرنسا، وإيطاليا، والشرق الأوسط، وروسيا، والصين وجنوب كوريا، والبرازيل، والهند وغيرها، أما الهدف فهو تلميع صورتها كعاصمة موضة تتميز بالابتكار وتفريخ المواهب وأيضا بالإبهار والإبداع.
وقالت كارولين راش، الرئيس التنفيذي لمنظمة الموضة البريطانية: «إنه وقت مثير بالنسبة لنا، فنحن نحتفل بعيد ميلاد الأسبوع الـ25 بمشاركة بيوت أزياء كبيرة مثلـ«بيربيري» و«برينغل» ومصممين من أمثال ماثيو ويليامسون، انطونيو براردي، جون سوندرز وآخرون، وأيضا بمشاركة مواهب شابة تحاول شق طريقها إلى الساحة العالمية. والاثنان مهمان لنا، لأن لندن كانت وستبقى دائما العاصمة التي يجد فيها أي مبتكر وموهوب فرصة للتنفيس عن إمكانياته. ولن نتنازل عن هذه المهمة أو الصفة لأنها ارتبطت بنا منذ البداية وهي ما تعزز مكانتنا بين بقية العواصم».