الأحذية .. هل هي ثقافة وفن أم موضة وهوس؟

عبر 40 ألف سنة من استخدامها لوقاية قدم الإنسان، ومن تاريخ الأحذية يعرف الزائر على سبيل المثال أنه لم يكن يسمح في القرن الـ17 إلا للنبلاء في فرنسا بارتداء الأحذية
عبر 40 ألف سنة من استخدامها لوقاية قدم الإنسان، ومن تاريخ الأحذية يعرف الزائر على سبيل المثال أنه لم يكن يسمح في القرن الـ17 إلا للنبلاء في فرنسا بارتداء الأحذية

للحذاء نقاط ضعيفة بالطبع مهما كان قويا ومتقنا ووفيا في حماية قدم صاحبه، فهو غير قادر على الحركة أولا، ثم إنه عاجز عن النطق ثانيا، وإلا لكشف آلاف الفضائح المتعلقة بحياة المشاهير.


يحكى عن الكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي أن خادمه شاهده مرة، من فتحة الباب الموارب، يضع حذاءه على الطاولة ويتحدث معه بجدية.

ويبدو أن سوء الفهم بين الاثنين بلغ مداه لأن تولستوي تحدى الحذاء غاضبا بالقول: «هيا، إن كنت ذكيا امش من دوني».

تاريخ وغرائب الحكايات عن الأحذية وعلاقتها بالفن والهوس والجنس يسجلها معرض ألماني أقيم في مدينة ماينتز (غرب).

يفتتح المعرض يوم غد الأحد وينتظر أن يجتذب آلاف الفضوليين الذي تستهويهم قصص البشر مع الأحذية، وأسرار المشاهير مع أحد أهم الاختراعات التي غيرت تاريخ البشر، أي «الحذاء».

مشهد قدمي الممثلة الشقراء يوما ثورمان في فيلم «اقتل بيل»، شاهد على دور الحذاء، ليس في حماية القدمين فحسب، وإنما في التستر على قبحها أيضا. فقد كانت قدما يوما شديدتي القبح في المشهد.

ويجتذب المعرض زواره من خلال نحو 400 زوج من الأحذية المختلفة والمثبت عليها ورقة بمعلومات حول الحذاء وتصنيعه وتاريخه.

وتتنوع الأحذية بين السيور الجلدية البدائية في عصر العبيد، والحذاء الرياضي للمدرب السابق لمنتخب ألمانيا يورجن كلينسمان، إلى أحذية كبار نجوم العالم مثل مادونا ومارلين مونرو، بالإضافة إلى الصنادل والأحذية المنزلية.

ويؤرخ المعرض اكتشاف الحذاء من قبل الإنسان القديم قبل نحو 40 ألف سنة، ووجدت مثل هذه النماذج في المناطق الباردة من الصين قبل غيرها. وكان إنسان النياندرتال، الذي عاش في مناطق أوروبا الباردة، يلف فراء الحيوانات حول قدمه وساقه لحمايتها من البرد والصخور المتجلدة.

ويبدو أن الفضل يعود إلى الإنسان القديم في أفريقيا و«أوراسيا» في اكتشاف الصندل لأنه كان يلف أوراق النباتات والأغصان الناعمة حول قدمه لحمايتها من الحرارة والطبيعة.

وكان الأحرى بالإنجليز أن يهتموا بالمعرض قبل الألمان لأن «الأناقة الإنجليزية لا تكتمل من دون حذاء لماع»، كما يقال. وإذا كان هذا الحال ينطبق على الرجال فإنه ينطبق على النساء أيضا، وفي كل العالم.

ولا ننسى هنا أنه إذا كان الإنسان القديم الذكر قد اخترع الحذاء كي يحمي قدمه أثناء العمل والصيد، فإن المرأة الكهفية ابتكرت أول موديلاته، وهذا تاريخ لا ينكر.

ويعود الفضل للمرأة أيضا، في معرض ابتكاراتها لتجميل نفسها، اختراع الألوان الطبيعية ومستحضرات التجميل البدائية التي عثر عليها العلماء في الكهوف.

تمتلك نجمة البوب الأميركية ماريا كاري حجرة كاملة مخصصة للأحذية، كما أن سيدة الفلبين الأولى السابقة إميلدا ماركوس تركت ما يزيد على ألف حذاء في قصر الرئاسة عندما فرت منه مع زوجها عام 1986.

ولا يقتصر حب الأحذية على النساء فقط، بل يقال إن الشاعر الألماني الشهير غوته كان مولعا بالأحذية الراقية وخاصة تلك التي ترتديها حبيبته.

يحمل المعرض عنوانا فرعيا في إحدى قاعاته يقول «الحذاء هوس» ويرمز إلى هوس النساء، كما هي الحال مع ماريا كاري والسيدة أكينو، في اقتناء الأحذية.

لكن مراسلة مجلة «بليتز» التي يبثها تلفزيون «سات1»، التي كانت تغطي المعرض في الافتتاح الأول للصحافيين يوم الجمعة الماضي، احتجت بالقول إنها لا تعاني من هوس الأحذية. واعترفت بيتينا كرامر أنها تمتلك 60 زوجا من الأحذية، لكنها رفضت اعتبار ذلك «هوسا».

تشير إحصائية اتحاد شركات صناعة الأحذية الألمانية إلى أن كل فرد ألماني يمزق 70 حذاء كمعدل من ولادته حتى وفاته، لكن ذلك لا ينطبق على الجميع.

فبعض المهووسين يمزق 200 حذاء في فترة عمره بين 25 - 40 سنة، وترتفع هذه النسبة إلى 400 عند بعض حالات النساء الخاصة.

ويرى خبير علم النفس شتيفان ليرمر أن الأحذية لها تأثيرات نفسية على المرأة ويقول: «السيدات يملن غالبا للمظهر الجيد وشراء الحذاء يتم بسهولة إذا لا يحتاج لغرفة تغيير ملابس وعندما تذهب المرأة لأحد المحلات الراقية فإن البائع ينحني أمامها وهي تجرب الحذاء الأمر الذي يجعلها تشعر بأنها كالأميرة».

وهذا إحساس يشبه شعور المرأة التي تصفف تسريحة جديدة، فهناك دراسة استطلاعية تثبت أن 80% منهن يشعرن بأنهن بدأن حياة جديدة مع كل تسريحة جديدة.

ويحصل الزائر على معلومات كثيرة عن تاريخ الأحذية إذ يعرف على سبيل المثال أنه لم يكن يسمح في القرن الـ17 سوى للنبلاء في فرنسا بارتداء الأحذية ذات الكعب الأحمر.

وينم امتلاك الكثير من الأحذية عن «الثراء والتنوع» كما يرمز الكعب العالي إلى الإغراء. وكان الكعب العالي يستخدم في الماضي للرجال فقط، وخاصة الفرسان.

وحتى يومنا هذا يشعر الرجل بالتميز عندما يرتدي أحذية رعاة البقر التي تتميز بكعبها المرتفع.

وسبق للمثل المعروف روبرت ميشتوم أن كشف في مقابلة تلفزيونية أن ملك أفلام رعاة البقر جون واين كان لا يرضى أن يظهر أحدهم أطول منه في الفيلم، وكان يكافح كي يتحرك بشكل طبيعي وهو يلبس الكعب العالي الذي يؤهله للظهور كأطول ممثل في الفيلم، ويجيز له تهديد لصوص الخيل من علو.

صانع الأحذية الياباني الشهير نوريتاكا تاتيهانا عبر عن أسفه لعدم استطاعته المساهمة في المعرض، هذا لأن اليابانيين، عدا عن أحذيتهم المعدنية المشهورة التي تبقي أقدام البنات صغيرة ناعمة، يصنعون الأحذية من علب الصفيح الفارغة (الفقراء منهم طبعا).

لكنه اعترف بأنه صنع حتى الآن مثل هذه الأحذية للمغنية الصاعدة «ليدي جاجا»، التي تفضلها لأنها خفيفة وقوية، تتيح الحركات السريعة، وتمنحها طولا مناسبا مع الراقصين معها في الأغاني. وتكلف أحذية تاتيهانا بين 2500 - 4 آلاف يورو، لكن أحدها لم يمنع التواء الليدي جاجا مرة في مطار هيثرو.

ويمكن لزوار المعرض تجربة الأحذية التي ترمز إلى حقب تاريخية مختلفة لتجربة الشعور بالحذاء واختبار قدرتهم على السير به. الميزة في هذا المعرض أن المعاملة واحدة للنساء والرجال حيث تتوافر مقاسات كبيرة حتى من الأحذية الحمراء ذات الكعب المرتفع. أما من لا يرغب في إرهاق قدميه فيمكنه الذهاب لقسم الموسيقى بالمعرض والاستماع لنحو 40 أغنية تتطرق كلها إلى الأحذية والصنادل.

الاستنتاج الأكيد الذي يخرج به زائر معرض الأحذية هو أن الحذاء يكشف الكثير من تاريخه وشخصيته وعيوب جسده. فهذا يخفي عرجه بكعوب مختلفة الارتفاع، الثاني يعاني من تقوس في الظهر بسبب حذائه وهو لا يدري، والثالث ينظر لأحذية البشر قبل أن يطالع وجوههم لأنه صباغ أحذية فقير يأمل دائما بمن يستدعيه لصبغ حذائه.

وعلى أي حال يصعب على الإنسان الافتراق عن حذائه، وخصوصا حينما يكون بخيلا، كما صعب ذلك على الشخصية الطريفة الشهيرة «أبو القاسم الطنبوري»، التاجر البغدادي البخيل الذي نسجت عنه آلاف الطرائف، والذي يعيد الناس حذاءه إليه مهما حاول التخلص منه، وأينما حاول إخفاءه.