أحدث اتجاهات تشخيص وعلاج «العقم»
لقد حظيت فحوصات العقم وعلاجاته باهتمام بحثي مكثف في السنوات الأخيرة، أسفر عن تطورها بالقدر الذي كشف عن كثير من حالات الغموض، التي كانت تكتنف العقم لفترة طويلة.
هذا في وقت تحول فيه انخفاض الخصوبة إلى ظاهرة عالمية يعانيها ما بين 60 و80 مليون شخص حول العالم.
أسباب العقم متعددة، واحتمالاته كثيرة وتتطلب فحوصات دقيقة لتحديد طبيعته ومن ثم أساليب علاجه.
1- أنواع العقم
حول العقم وآفاق تشخيصه وعلاجه كان اللقاء مع البروفسور حسن صالح جمال، الأستاذ بكلية الطب والعلوم الطبية بجامعة الملك عبد العزيز رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لأمراض النساء والولادة:
بداية، نود أن نلقي الضوء على مفهوم العقم؟ وهل أصبح بمثابة الظاهرة؟
- لا يوجد إجماع على التعريف الطبي للعقم، ولكن معظم الآراء تتفق على أن العقم هو عدم حصول الحمل على الرغم من وجود علاقة زوجية طبيعية لمدة عام، ويقدر نسبة حدوثه بين 10 و15%.
وهناك نوعان للعقم، عقم أولي، وهو العقم الذي يصيب المرأة منذ بداية حياتها الجنسية أو زواجها، وعقم ثانوي، وهو العقم الذي يصيب المرأة بعد إنجاب طفل أو حدوث حمل انتهى بإجهاض أو حمل خارج الرحم.
وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد حالات انخفاض الخصوبة بنحو 60 إلى 80 مليون حالة حول العالم.
وقد تزيد النسبة في الأماكن التي تكون النواحي الصحية فيها متدنية أو المجتمعات التي لا تهتم بالصحة، فتكثر فيها السمنة أو تكيسات المبيض المتعددة، مثل ما هو موجود في منطقة الخليج والعالم العربي.
ولو نظرنا الآن إلى انتشار نسبة البدانة في العالم العربي، لاتضحت خطورة الظاهرة حيث تبلغ عند النساء: 83% في البحرين، و75% في لبنان، و74% في الإمارات، و60% في مصر، و51% في تونس والمغرب، وتتراوح بين 40 و50% بين النساء في السعودية.
2- أسباب العقم
عادة، يسأل المرء إن عرف أنه لم ينجب، السؤال الممل نفسه: ممن العيب؟ فماذا تقول الأبحاث، وما أسباب العقم؟
- عدم الإنجاب بعد عام من الزواج يعني أن هناك مشكلة ما، ويجب على الزوجين التوجه إلى الطبيب المختص، حيث يمكن للزوجة التأكد من انتظام عملية الإباضة وسلامة قناة فالوب وكمية الإفرازات الهرمونية الكافية لهذه العملية.
وفي الوقت نفسه، يجب أن تكون هناك أسباب محددة لدى الزوج، ويمكن أن تؤخذ عينة من حيواناته المنوية لفحصها والتأكد من نشاطها وكميتها.
وتتعدد أسباب الإصابة بالعقم، فينسب 35% منها إلى الرجل، و35% منها إلى الأنابيب والأعضاء الحوضية الأخرى عند المرأة، و15% منها يرجع إلى مبيضي المرأة.
وما زال 10% من أسباب العقم غير مفسر، وفيها يكون الزوجان سليمين. ويرجع نحو 5% من الحالات إلى أسباب غير مألوفة.
وقد أشارت بعض الدراسات إلى بعض الاحتمالات والتفسيرات، ومنها: وجود كمية معينة من الدهون تدعى (Fatty Acids) في الحيوان المنوي، أو وجود كريات دموية بيضاء (WBC) في عنق الرحم (Cervical Leucocytosis)، فضلا على العوامل الوراثية المتعلقة بالجينات، أو وجود عوامل مناعة في بطانة الرحم (Endometrial Immunity)، والبعض أرجعها إلى نقص الفيتامينات وخزين الحديد.
3- مسؤولية الرجل
متى يصبح الزوج مسؤولا عن حالة العقم؟
- تتمثل الأسباب المتعلقة بالزوج، إما في غياب الحيوانات المنوية أو ضعفها، وقد تكون الحيوانات غائبة بسبب انسداد في الوعاء الناقل للحيوانات من الخصية إلى الخارج نتيجة التهابات، أو قد تكون الحيوانات غائبة بسبب فشل أولي أو ثانوي في الخصية.
وأحيانا، يرجع السبب في العقم لدى الزوج إلى عدم القدرة على الجماع نتيجة إصابة بالحبل الشوكي أو لأسباب نفسية.
أما بالنسبة إلى الزوجة فأكثر الأسباب شيوعا في المملكة هو غياب التبييض، ويحدث ذلك في العادة نتيجة لتكيس المبايض، وهو ما يمثل ربع الحالات.
وثمة سبب آخر يتمثل في انسداد قنوات فالوب ويحدث ذلك بنسبة 15%. وتتراوح الأسباب المتعلقة بعنق الرحم بين 5 و6%، وتتمثل في وجود أجسام مضادة.
أضف إلى ذلك أسبابا أخرى متفرقة، مثل بطانة الرحم الهاجر أو وجود ألياف. أما بالنسبة إلى الثلث الآخ، فليس للعقم فيه تفسير واضح عند الزوجين، وما زال العلم يبحث في هذا المجال لمعرفة المزيد.
4- مبررات الفحص المتعدد
بالتأكيد، هناك سيدات تشكو كثرة الفحوصات التي تجرى لهن ويدعي بعضهن أنها ليست مبررة، فما الهدف من تعدد الفحوصات؟
- تستهدف فحوص العقم، التي يجب إجراؤها للمرأة، الكشف عن أي موجودات مرضية سواء بالفحص السريري، وأخذ التاريخ المرضي ومن ثمة إجراء الفحوص التي تقيِّم وظائف كل من المبيضين والأنابيب والرحم وعنق الرحم إلخ.
ويتم تقييم وظائف المبيضين مباشرة من خلال فحص الهرمونات بالدم. وأحيانا، يتم ذلك بشكل غير مباشر بفحص نتائج تأثير الهرمونات المعنية في الأعضاء التناسلية مثل قياس درجة حرارة الجسم، وأخذ عينة من باطن الرحم، وعمل مسحة خلوية من المهبل، ومتابعة حجم ونمو البويضة في المبيضين بالأشعة فوق الصوتية، ورؤية مكان خروج البويضة من المبيض بعد التبويض (corpus lutum) بالمنظار البطني، وتنظير تجويف البطن ورؤية الأعضاء التناسلية الأنثوية الداخلية.
ويتم تقييم «البوفينة» أو الأنابيب والرحم من خلال حقن مادة ملونة في الرحم والأنابيب من الداخل تحت الأشعة السينية، وحقن مادة ملونة في الرحم والأنابيب تحت التنظير لتجويف البطن، وتنظير البوقين، وتنظير الرحم، بحيث يمكن رؤية تجويف الرحم والأنابيب من الداخل ومسار الأنابيب ومدى نفاذيتهما ومدى خلوهما من التشوهات والالتصاقات والانسداد أو وجود أمراض أخرى.
كما يتم تقييم عنق الرحم بفحص المخاط العنقي، وعنق الرحم في منتصف الدورة، ودراسته تحت المجهر، وأخذ عينة من المخاط العنقي بعد ساعات قليلة من الجماع، لدراسة حيوية ونشاط النطف في إفرازات عنق الرحم تحت المجهر. ويمكن فحص مضادات الأجسام عند الذكر والأنثى.
5- تحاليل مخصصة للرجال
ماذا عن فحوصات الرجل، يقال إنها محدودة مقارنة بفحوصات المرأة؟
- تتعدد أيضا الفحوص الخاصة بالعقم لدى الرجال، وتشمل الفحص السريري الكامل، علاوة على فحص الأعضاء الجنسية لبيان وجود دوالٍ مثلا أو أورام أو وجود الحبل المنوي على الناحيتين.
فضلا على فحص أعراض نقص هرمون الذكورة. وتجرى للرجل مجموعة من الاختبارات والتحاليل، أولها وأهمها تحليل السائل المنوي.
ولا يتم اتخاذ قرار بأن هناك مشكلة إلا بعد تحليل السائل المنوي ثلاث مرات متعاقبة، بين المرة والأخرى أسبوعان على الأقل، ولا تختلف عن بعضها في حدود 20%.
وطبقا لتعليمات منظمة الصحة العالمية، فإن هناك اختبارات أساسية تجرى على السائل المنوي لبيان الخصوبة. وهي:
- المظهر، أي شكل السائل المنوي، والحجم (والطبيعي أن يتاح نحو 3 مليلترات من مجال يتراوح بين 2 و6 مليلترات)، والسيولة، والتجلط، واللزوجة.
- كيميائية العينة، بمعنى أن يتم تحديد ما إذا كان السائل المنوي قلويا أو حمضيا ودرجته. كما يتم خلال الاختبار قياس الحركية، والطبيعي أن يبقى 50% من الحيوانات المنوية نشيطا ومتحركا بعد ساعتين.
إضافة إلى عدد كرات الدم البيضاء أو الخلايا الصديدية، وعدد الحيوانات المنوية في المليلتر والعينة. والطبيعي أن يصل العدد إلى 20 مليون حيوان منوي في المليلتر أو أكثر.
كما يتم تشخيص الجانب المورفولوجي وهو المتعلق بشكل وحجم الحيوانات المنوية، حيث يجب أن تبدو 60% من الحيوانات المنوية في العينة على الأقل طبيعية غير مشوهة أو ميتة، أيضا يبحث في وجود أضداد.
6- فحوصات دقيقة
ما أحدث الفحوصات المتاحة للرجال؟
- ثمة فحص بالموجات فوق الصوتية يتم إجراؤه على كيس الصفن لتوضح حالة الخصيتين والبربخ والحبل المنوي، وهل توجد دوالٍ أم لا؟ كما يمكن إجراء فحص بموجات فوق صوتية من خلال الشرج عندما يكون هناك نقص شديد في الحيوانات المنوية أو في حال غيابها لتشخيص وجود أي مشكلات في الحبل المنوي والبروستاتا والحويصلات المنوية وما إذا كان هناك انسداد في الفتحات المنوية وفى هذه الحال، يتم فتح الانسداد بالمنظار.
ومن الفحوصات المهمة أيضا، تحليل الهرمونات، حيث ثبت أن أقل من 3% من أسباب العقم لدى الرجل يحدث بسبب خلل في الهرمونات. وهذه الهرمونات هي (FSHوH)، و(PROLACTIN )، و(TESTESTERONE) وتأثيرها في إنتاج الحيوانات المنوية.
وأحيانا تجرى أشعة بالصبغة على الحبل المنوي، لبيان وجود أي انسداد في الحبل المنوي من الداخل، وتستخدم هذه الوسيلة في حالات عدم وجود حيوانات منوية في العينة بينما تبدو الخصية جيدة.
وعندما لا توجد حيوانات منوية في العينة ويبدو حجم الخصية طبيعيا وتكون الهرمونات طبيعية مع توقع انسداد في الحبل المنوي أو غيابه في الجانبين، يتم أخذ عينة من الخصية، جراحيا أو بإبرة خاصة.
7- فحص ما بعد الجماع
هل يساعد فحص ما بعد الجماع في تفسير بعض حالات العقم؟
- بالتأكيد، وفيه تؤخذ عينة من مخاط رحم الزوجة بعد الجماع ويتم تحليلها. فإذا وجد من 10 إلى 20 حيوانا منويا، فإن ذلك يعني أن اختراق الحيوانات المنوية للمخاط جيد.
أما إن وجد عدد قليل أو لم توجد حيوانات منوية في عينة مخاط الزوجة بعد الجماع، فمعنى ذلك أن هناك مشكلة في هذا الخصوص وربما احتاج الأمر إلى إخصاب خارج الرحم.
8- أحدث اتجاهات العلاج
هنا نأتي إلى الجزء الأهم في هذا الموضوع وهو العلاج.. نود أن نلقي بعض الضوء على أساليبه، ودور كل نمط من أنماطه.
متى يلجأ الطبيب إلى وسائل التلقيح الصناعية؟
- إذا فشلت الطرق السابقة، فإن الطبيب قد يلجأ إلى وسائل الإخصاب المساعدة. وتجرى عملية التلقيح الصناعي في حالات العقم غير المفسرة، أو عند الشك في وجود أجسام مناعية، كما يمكن اللجوء إلى تقنية أطفال الأنابيب بأنواعها المختلفة.