الزيتون اللبناني .. لذيذ كيفما كان ويعد بأشكال مختلفة
يكاد لا يخلو منزل في لبنان من الزيتون على أنواعه، حتى أن اللبنانيين، يطلقون لقب «شيخ السفرة» على هذه الثمرة المتوافرة في دول حوض البحر المتوسط بكثرة.
فالصحن الصغير الذي يحضن حباته لا يفارق المائدة، في الساحل والداخل، في المدن والقرى، في الولائم والوجبات السريعة.
وإذا كان قسم كبير من اللبنانيين لا يزالون يتمسكون بإعداد «المونة» للشتاء، أو حتى الموسم المقبل، فإن كل العائلات اللبنانية إما تحرص على إعداد "مونتها" من الزيتون، وإما تواظب على شرائه بالكيلوغرام من السوبرماركت أو المحال التجارية المتخصصة ببيع الزيت والزيتون.
وفيما يحرص كثيرون على تناول بضع حبات منه بعد وجبة الطعام باعتباره أفضل علاج طبيعي لتسهيل عملية الهضم، يميل آخرون الى تناوله بمفرده مع الحشائش والنباتات البرية و«الجوية» مثل الفجل والهندباء، والرشاد، والبقلة، لكن المصابين بارتفاع في ضغط الدم، وحدهم، يحرمون من الإكثار منه لأنه شديد الملوحة، ومعلوم أن الملح هو أحد السمّين الأبيضين (مع السكر) بالنسبة إلى المصابين بارتفاع ضغط الدم.
والعلاقة الوثيقة التي تجمع اللبناني بالزيتون، تنعكس في إعداده بأشكال وتحضيرات مختلفة ومتنوعة، وكلها تلقى القبول الحسن وتفتح الشهية، حتى قال أحدهم يوماً: «إذا أكلت خروفاً محشياً ولم آكل حبات زيتون، فكأني لا أكلت ولا شربت».
والزيتون يعده اللبناني «مونة» حتى الموسم المقبل على الأقل، ومنهم من يعده «مونة» لسنتين، على أساس أن شجرة الزيتون «تحمل» سنة و«ترتاح» أخرى. ويتوافر منه في لبنان ثلاثة أنواع على الأقل: الأخضر، الموشح المائل إلى السواد، والأسود البالغ النضج.
ويتم جمع الأخضر في أواخر سبتمبر (أيلول) أو أوائل أكتوبر (تشرين الأول) من كل سنة، والنوع الثاني يجمع في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، والنوع الثالث يقطف في ديسمبر (كانون الأول) بعدما يكون قد اسودّ و«نخنخ» - كما يقول المزارعون - أي أصبح ناضجاً جداً.
ويفضل أن يقطف زيتون المونة باليد حتى يبقى شكله سليماً ومرغوباً للشراء، وفي أثناء قطافه يختار العاملون في القطاف بعض حبات «الجرجير» (وهي التسمية التي يطلقها المزارعون على بعض الحبات البنية اللون والناضجة والتي يمكن تناولها في الحال) لتذوقها بشغف.
وفيما يسلك الزيتون المجموع بالهز أو المفرط (إما قصبة يابسة أو قضيب خشبي يابس) طريقه إلى المعصرة لاستخراج الزيت منه، يسلك زيتون المونة دربه إلى التجار. ومنهم إلى المنازل لإعداده بأشكاله الآخذة في الاتساع.
ولكي لا تنتظر العائلة طويلاً حتى تتناول الزيتون المحضر بصيغه المختلفة، يلجأ أهل البيت إلى «رص» كمية قليلة منه، وتمليحه من دون ماء أو أي شيء آخر، كي يتم تناوله سريعاً مع ترداد العبارة اللبنانية المعروفة: «خير السنة ورزق جديد، واللي طعمنا عمره يزيد».
ومع تذوق باكورة الموسم، تنصرف العائلة إلى التحضيرات المختلفة. فبالنسبة إلى الزيتون الأخضر كانت تجتمع العائلة في القديم لرصه إما بواسطة مدقة خشبية، أو بواسطة حجر بحري مسطح، مع الوقاية من رذاذ الزيت المتطاير منه.
أما اليوم فبات يرص في آلات كهربائية تختصر الكثير من الوقت، وتتيح الرصة المطلوبة أو المرغوبة.
ثم يغمس في الماء ويضاف إليه الملح الخشن (بما يوازي طفو البيضة)، ويوضع في أوعية زجاجية أو فخارية، وكانت الكميات الكبيرة منها توضع في خوابي فخارية، وقد استبدلت اليوم في المحال التجارية بالبراميل الخشبية.
ويضاف إلى زيتون المونة بعض قطع الحمضيات، أو الصعتر البري، أو نبتة الشومار، أو الفلفل الأخضر.
والزيتون الأخضر لا يقتصر على «المرصوص» منه، بل هناك من يتمون منه مجرحاً (لكي يدوم فترة أطول) وبالمواد السابقة نفسها. وهناك المحشو بالجوز واللوز أو الفلفل المسحوق والمكبوس بالزيت، ويفترض في زيتون المونة، أياً كان نوعه، ألا يأتي من حقل مروي بالماء، وألا يضاف إليه الملح الناعم، لأنه يعجل في تدهور طعمه.
أما النوعان الآخران من زيتون المونة (الموشح المائل الى السواد، والأسود البالغ النضج) فلا يحتاجان لتجريح، ولا لرص، بل يحضران فور الحصول عليهما، بعد غسلهما بالطبع، وبالطريقة نفسها المتبعة في تحضير الزيتون الأخضر.
وفي القديم كان اللبناني يحتفظ بالزيتون لما بعد وجبات الطعام، أو لوجبة كاملة، أو مع اللبنة والخضار الطازجة، أما اليوم فباتت هذه الحبة التي باركتها الكتب المقدسة، وأسهبت كتب العلم في إبراز منافعها، جزءاً ملازماً للكثير من الوجبات والتحضيرات، بحيث باتت تقطع مع «السَلَطات»، أو تقدم مهروسة في المطاعم، أو توزع في فطائر البيتزا أو «الكرواسون»، أو يضاف إلى بعض الأطعمة الأجنبية التي يسارع اللبناني إلى التعرف إليها في منزله والمطعم.
وتحتل شجرة الزيتون 17% من مساحة لبنان الزراعية، ولكن هذه النسبة ترتفع إلى 44% في منطقة الجنوب، حيث تبلغ المساحة الزراعية 9 هكتارات. ويقدر إنتاج الزيتون في الجنوب بـ 10 آلاف طن سنوياً من أصل 76500 طن ينتجها لبنان كل سنة.
وفي محاولة لتحسين نوعية زيت الزيتون المنتج في الجنوب، والذي يتميز بارتفاع نسبة حموضته، وبهدف دعم سكان المنطقة، وضعت السفارة الفرنسية في لبنان برنامجاً بالتنسيق مع الوكالة الفرنسية للتنمية والوحدة الفرنسية العاملة ضمن قوات «اليونيفيل».
وبلغت كلفة هذا المشروع الذي أطلق عليه اسم «ضمان الزيتون» نحو مليون دولار تمول الجزء الأكبر منه الوكالة الفرنسية للتنمية (863 ألف دولار)، والباقي تتحمله التعاونيات المحلية.
ويتضمن المشروع تزويد المزارعين بمعاصر حديثة للزيتون، وصلت منها اثنتان حتى الآن، على ان تصل الاثنتان الأخريان في الأسابيع المقبلة.
وبإمكان المعصرة أو المكبس الجديد أن يعصر 700 كيلوغرام من الزيتون في ساعة واحدة، في حين أن المعصرة التقليدية لا تعصر أكثر من 200 كيلوغرام.
بالإضافة إلى أن المعصرة الحديثة لا تبقى سوى 2% من نفايات الزيتون (الجفت الذي يستعمل للتدفئة في الجبال، والبالغ الإساءة إذا ألقي في السواقي والأنهار) في حين أن المعصرة التقليدية تبقي 10% منه.
ومن خلال هذا البرنامج، تعمد مؤسسة التعاون الجامعي - وهي منظمة إيطالية غير حكومية إلى تعليم مزارعي الزيتون تقنيات الإنتاج والمحافظة على زيت الزيتون وسائر الزيوت.
إذا فشلت معالجة حموضة الزيت اللبناني في نهاية هذا البرنامج، فسيصبح من الضروري على مزارعي الجنوب استبدال أغراسهم من الزيتون البالغة نحو 20 ألف غرسة متفاوتة الأعمار.