التبولة .. من الريف اللبناني الى موائد العالم
سفيرة المطبخ اللبناني الى مختلف أنحاء العالم، لا تغيب عن المائدة اللبنانية لا بل تتصدر قائمة مأكولاتها، طعمها لذيذٌ جداً ولها فوائد غذائية متنوعة. يُقال إنها «شيخ الطاولة» وهي حاضرة في كل المواسم والمناسبات، رغم أن البعض يفضل تناولها في الصيف لما تحويه من خضار طازج وصحي.
انها «التبولة» التي اشتهرت منذ القدم في لبنان وعدد من الدول العربية مثل سورية والأردن، حتى أصبحت رمزاً من رموز التراث اللبناني العريق. ونظراً الى أهمية هذا الطبق في ثقافتنا اللبنانية والعربية، شاركت التبولة في مسابقات عالمية عن أكبر طبق تبولة في العالم، وقد سُجّلت في موسوعة «غينس» للأرقام القياسية.
كذلك دخلت التبولة في مسابقات تلفزيونية عديدة، أشهرها مسابقة أسرع طبق تبولة ضمن برنامج الأول على «إل. بي. سي» الذي قدمه الاعلامي اللبناني الراحل رياض شرارة. وتبدأ قصة التبولة من قلب الريف اللبناني الذي اشتهر أهله بتحضير أطيب طبق تبولة على الاطلاق. وذلك بسبب تعلقهم بالأرض واهتمامهم بالزراعة، اذ نادراً ما كنا نجد حديقة منزلٍ ريفي، صغيرةً كانت او كبيرة، خالية من الخضار والفاكهة. فكانت التبولة آنذاك عبارة عن طبق منزلي شبه يومي يسهل تحضيره في أي وقت، باعتباره طبقاً رئيسياً على مائدة الطعام، لا يقلّ أهميّة عن طبق «الملوخية» مثلاً.
وتروي احدى الريفيات أنها كانت تستعين بسلطة التبولة كأسرع طبق للتحضير، عندما كانت تفاجأ بزيارة أحد الأقارب أو الأصدقاء، وتقول «كل ما تحتاجه التبولة من خضار كان متوفراً في حديقة منزلي في الجبل. وكنت في كل مرّة أقطف منها الكمية المطلوبة لتحضير طبق التبولة الذي يختلف حجمه باختلاف عدد الأشخاص حول المائدة».
ويختلف مذاق التبولة الريفية الأصيلة عن تلك المصنوعة من الخضار غير الطازجة التي تباع في الأسواق التجارية، بحيث تفقد الخضار المصنعة طعمها الشهي وشكلها الجميل، كما تخسر من قيمتها الغذائية المتنوعة. واللافت اليوم توجه غالبية سكان المدن وقسم من سكان الريف الى شراء الخضار بدلاً من زراعتها.
ومن الروايات المتداولة أيضاً حول التبولة أنها كانت بمثابة اختبار للعروس يجريه أهل العريس، فإذا أحسنت صناعتها وتمكنت من تقطيع الخضار بسرعة وبالشكل المناسب، نالت استحسانهم، أما إذا فشلت في المهمة فهي لا تصلح لأن تكون «ست بيت».
وتعتبر التبولة زينة المائدة اللبنانية، نظراً الى شكلها الجميل وحضورها المميز في وسط الطاولة، بالاضافة الى ألوانها التي ترمز الى طبيعة لبنان الخضراء. انها عبارة عن سلطة خضار مكوّنة من البقدونس والنعناع والبندورة والبصل والبرغل وعصير الليمون الحامض وزيت الزيتون والملح والبهار الحلو.
ويمكن اضافة مواد أخرى اليها، ففي الأردن مثلاً يضيفون اليها الخس وقطعا صغيرة من الليمون والفليفلة الحمراء. وتُعرف التبولة أيضاً في البرازيل باسمtipili ، وذلك بسبب انتشار المهاجرين العرب هناك وفي عدد من الدول الغربية. وفي الماضي كان يستبدل أحياناً البرغل بالعدس المسلوق الا أنّ للبرغل نكهة أطيب.
ومن المعروف أن التبولة طبق شعبي يحبه الكبار والصغار، وطبق رئيسي على طاولة الأغنياء والفقراء، اذ انها وجبة سهلة التحضير ومحتوياتها متوفرة في كل منزل لبناني وعربي. أما سرّ نجاح أي سلطة تبولة فيعتمد بالدرجة الأولى على استعمال الخضار الجيد والطازج، ثم على تكامل كل عناصرها وتبعاً للمقادير المحددة، باستثناء عصير الحامض والملح اللذين يضافان حسب الرغبة. ويبقى لكل تبولة طعمها الخاص الذي تستمده من «ست البيت»، فيقال مثلاً هذه تبولة «ام عبدو» وتلك تبولة «ام سمير»...
وللتبولة فوائد غذائية كثيرة، فهي غنية بالفيتامينات التي تساعد الجسم على مقاومة أمراض لها علاقة بالشيخوخة والأمراض السرطانية وداء السكري، كما تسهل عملية الهضم من دون ان تتسبب بزيادة في الوزن.
وتعتبر التبولة طبقا صحيا بامتياز، ينصح به اختصاصيو التغذية وبخاصة خلال فترة الحمية. فالبقدونس هو من المواد الغذائية الفعالة في فتح الشهية وتسهيل عمل الجهاز الهضمي، على ان تكون أغصانه خضراء وطازجة لتحتفظ بما تحويه من فيتامين «أ. و. ج». أما البصل فيساعد على تنقية الدم ويعتبر مضادا للغازات. والخس يحتوي أيضاً على أملاح معدنية وفيتامينات، وهو فعال في تنشيط عملية الهضم، كما أنه مهدئ للأعصاب وفاتح للشهية.
ولا ننسى طبعاً فوائد زيت الزيتون الطبيعية، اذ أظهرت الدراسات والبحوث الأكاديمية في جامعات اميركية وفرنسية أنه يقاوم الأعراض الفيزيولوجية للشيخوخة، ويساعد الجهاز الهضمي على أداء وظائفه بكفاءة عالية، كما يحتوي على عدد من الفيتامينات الضرورية للجسم.
مقادير التبولة العادية:
ـ 3 باقات من البقدونس. ـ نصف باقة من النعناع.
ـ 3 أو 4 حبات من البندورة (الطماطم) .
ربع كوب من البرغل الناعم. ـ حبة أو حبتان من البصل. ـ عصير الحامض، زيت الزيتون، ملح وبهار حسب الرغبة.
طريقة التحضير:
ـ يغسل البرغل وينقع ويترك جانباً.
ـ ينقّى البقدونس ويغسل ويصفى جيدا ثم يفرم فرما ناعما، يضاف إليه النعناع المغسول والمفروم بالطريقة نفسها. ـ يقشر البصل ويفرم ناعماً.
ـ تقطع البندورة إلى قطع صغيرة جداً.
ـ توضع جميع المكونات على البرغل في إناء عميق ويضاف إليه عصير الحامض والزيت والملح والبهار وتخلط المكونات بهدوء.
ـ وأخيرا تقدم التبولة باردة، بعد تزيين طبق التقديم بشرائح الخس أو الملفوف.