باريس.. عاصمة المأكولات العالمية
باريس عاصمة النور وهي كذلك عاصمة الطعام الانيق.
ويفتخر اهلها ان واحدا من طهاتها سبق أن رفع دعوى قضائية، وطالب برد شرف وتعويض ضد مطعم للوجبات السريعة اظهر في احد اعلاناته صورة للطاهي بجانب ساندوتش «بيغ ماك» تحته عبارة تؤكد ان الطاهي يفضل هذا النوع من الوجبات.
الطاهي في حيثيات دعوته اعتبر ان تلك اهانة وتشهير بذوقه الرفيع.
ولا يعني هذا عدم انتشار هذا النوع من المطاعم لكن باريس في الغالب تشذبهم وتضفي عليهم رونقها.
أما ان طلبت ساندوتشا للبيرغر في مطعم راق فتوقع ان يأتيك ذلك البيرغر متأنقا تتوسطه قطعة معتبرة من اللحم الناعم «غالبا نصف استواء» مع شريحة وافرة من الجبن الذائب. طبقة فوق الاخرى، بألوان متجانسة، فيما تفصح كل طبقة عن وجودها مع كمية كبيرة من البطاطس المحمرة معبأة في اناء منفرد.
كما تقدم بعض المطاعم تلك البطاطس ملفوفة في ورق خاص يشبه ورق الصحف لامتصاص الزائد من الزيت.
وحرصا على صحة ومقاييس اوزان الجميع، خاصة صغار السن والشباب، فإن السلطات الفرنسية تبحث فرض ضريبة اضافية على هذا النوع من الاطعمة في محاولة للحد منها، ودفع المواطنين لاختيار اطعمة افيد.
تبدع باريس ليس في تقديم الاطباق الفرنسية التقليدية فحسب، بل توفر للمستجدات من الاطباق الحديثة مجالات وافرة.
وهناك محاولات مستمرة للابتكار بدعم واضح من كبار الطهاة لصغارهم وحثهم لتقديم وصفات متفردة تعكس مقدراتهم كما يسندونهم للاستقلال بمطاعمهم.
هذا بالاضافة لترحاب حذر تستقبل به المدينة الجيد من المطاعم الاجنبية كجزء من ضريبة لا بد ان تدفعها باريس في معركتها نحو البقاء كمركز عالمي.
يساعد كل ذلك التنوع وفرة المكونات والرغبة في الابتكار. اذ هناك العشرات من الاسواق بالمدينة التي توفر الخضراوات واللحوم الطازجة.
التجوال في هذه الاسواق ممتع للوقوف على نعم الخالق المتعددة، خاصة في الصباح الباكر، حيث يقل الازدحام ما يسمح لكبار الطهاة بفرص التدقيق في اختيار ما تحتاجه مطابخهم طيلة اليوم.
هذا بالاضافة لمئات المتاجر التي تعرض كل ما يخطر على البال من مواد غذائية محلية ومستوردة.
ويلفت النظر بوجه خاص حرص البائعات حتى من يعملن في مجال بيع اللحوم والاسماك على الاهتمام بمظهرهن، اذ ترتدي كل منهن «مريلة» مزركشة تحمي ملابسها.
كما تبدو آثار تبرجهن واضحة حتى نهاية اليوم مع التركيز على تصميمات وتصفيف شعرهن، واكسسوارات منها الاقراط حتى كبير الحجم منها.
من جانب آخر نجد ان السمعة التي تشتهر بها باريس تخلق ضغطا هائلا يتطلب جهدا وعملا خارقا للمحافظة على النجاح وللاستمرار، خاصة امام المطاعم الاجنبية التي تحرص ان تكون لها افرع بالمدينة. ويؤكد كثيرون ان اشهى سوشي ياباني يتوفر بباريس.
حتى في المطاعم الصغيرة التي تنتشر بكثافة داخل احياء المدينة. وبالطبع يمكن ان تجد فيها بكميات وافرة كسكسا بمختلف المذاقات سواء مغربية او جزائرية وتونسية، بالاضافة لمطاعم تقدم اشهى الاطباق اللبنانية والايطالية وحتى المكسيكية.
في زيارة سريعة لعدد من المطاعم الاجنبية بالعاصمة الفرنسية بعضها فاخر جدا، وبعضها بسيط جدا كمطعم Le Petit Dakar أو داكار الصغيرة.
وداكار هي عاصمة السنغال المشهورة بتقديم اجود انواع الاطعمة المعروفة باقليم غرب افريقيا واكثرها سخونة.
هذا المطعم لا يزيد عدد طاولاته عن 8 أو 10 لكنه يعد وجبات شهية ومشبعة، سواء كانت اسماكا او لحوما مع انواع من الصوص تضاف اليها زبدة الفول المسحون التي تمنح الطبيخ قواما ناعما مع طعم مميز بعد خلطها مع الطماطم والبصل.
وعادة يستخدمون زيت النخيل البرتقالي اللون فيأتي الطعام بلون براق، ولراحة الذوق الاوروبي، فإن المطعم يهتم بعدم مزج الطعام بالانواع الحارة من البهار الا اذا طلب الزائر ذلك.
ومن اطعم ما يوفر من عصائر مشروب الكركدي. ويستخدمون الكركدي الاصفر، وليس الاحمر التقليدي المعروف، خاصة في مصر والسودان.
هذا الاصفر ينقع محلولا اشبه بلون عصير التفاح مع طعم حاذق يحلونه بالسكر ثم يزيدونه روعة باضافة اوراق من النعناع واحيانا يخلطون معه بعض ثمار الاناناس.
كذلك يقدمون شراب الجنزبيل بخلط شرائح منه في مياه غازية تحلى وتضاف اليها قطرات من الليمون، وبعض حبات القرنفل مع اهتمام بالغ بتقديمه باردا.
وجبة دسمة مع ارز مفلفل «حبة حبة» يمكن الا يزيد ثمنها عن 20 يورو فقط أما عنوان المطعم فهو: 6rue Elzevir paris 3eme وفي زيارة لمطعم اجنبي آخر وقع الاختيار على مطعم بودا بار Buddha Bar 8 rue Boissy d"Angles 75008 على بعد خطوات من القصر الرئاسي في منطقة من اغلى مناطق باريس، حيث المتاجر ذات الاسماء الشهيرة، والعلامات الرنانة .
المطعم له أفرع في أكثر من مدينة منها فيينا العاصمة النمساوية، لكنه في باريس مختلف ولا شك، خاصة ديكوره وتصميمه الداخلي، حيث يتوفر له مبنى واسع في واجهته عند المدخل تماما متجر صغير يبيع تذكارات منه وكتيبات عنه وقمصانا تحمل رسمه تماما كالتي يرتديها عاملوه.
وهي قمصان سوداء تزين ظهرها صورة لبوذا باللون الاصفر او الذهبي (لا ادري تماما) فالمطعم يحرص على عدم الاكثار من الاضاءة. وهذه الظاهرة من اكثر ما يميزه.
فالمكان شبه مظلم للاكتفاء بلمض تبث القليل من الضوء مع شموع صغيرة الحجم. واحدة في كل منضدة من المناضد المنتشرة باحجام مختلفة في طابق تحتي يصله المرء بعد النزول على سلم نثرت علي درجاته بعض الانوار مع مرشد او مرشدة تقود كل زائر لموقعه ليبدأ الضيف رحلته في تأمل معالم ذات ذوق رفيع ثم قليلا قليلا يتعود المرء على تلك العتمة، وتلك الاجواء، لا سيما عندما يبدأ تقديم الطعام.
فيما يقبع في جزء من المكان تمثال ضخم جدا لبوذا يتحول عادة لمصدر جاذب للاطفال ممن يحضرون مع زويهم ويشغلهم تماما التفكير في كيف تم ادخال هذا التمثال الضخم لهذا المكان.
تحمل قوائم الطعام ما لذ وطاب. ولتسهيل الاختيار هناك قائمة جاهزة تتضمن المراحل الخمس التقليدية بدءا من الشوربة والمقبلات للسلطة والطبق الرئيسي ثم الحلو بسعر محدد هو 85 يورو .
أما ان شاء المرء الاختيار، فالمجال واسع وكل بثمنه. بقي ان نذكر ان المعجبين بهذا المطعم ممن يؤكدون على ضرورة الحاقه بالمواقع التي تستحق الزيارة في باريس يضيفون ان الموسيقى التي يسمعها الزوار هي الحان خاصة به لا تتوفر في غيره.
مطعم اجنبي آخر يحمل سمات آسيوية لكنه يختلف اختلافا تاما عن «استايل» بودا بار هو مطعم كونق 1rue du Pont Neuf .. كونق يمتاز بانه مبنى زجاجي يدخله الضوء من كل ناحية، مشمس، يقوم على ظهر الارض، بل على ارتفاع اكثر من طابق فوق مبنى المتجر الياباني الشهير «كينزو» وحتى مقاعده بالطابق الاعلى.
وهو الجزء المخصص لتناول الاطعمة، تجدها مصنوعة من نوع البلاستيك المضغوط الشفاف وتزين ظهر كل مقعد صورة لوجه فتاة من فتيات الجيشا او «وجه ياباني» يبدو وكأنه صورة مطبوعة على ظهر قميص الجالس على المقعد من زوار المطعم.
اشتهر كونق مع موجة انفتاح طوكيو على الغرب، ومحاولات اليابان للخروج من عزلتها بتقديم اوجه حضارة بعضها تقليدي بحت، والآخر خلطة ما بين مزيج غربي ياباني.
اضف الى ذلك ما ناله اخيرا من حظ وافر من الدعاية بعد ظهوره في لقطة ضمن مسلسل «سيكس اند ذو سيتي» عندما انتقلت سارة جيسكا باركر بطلة المسلسل الشهير، من نيويورك الى باريس، خاصة وقد اشتهرت الصديقات الاربع في المسلسل بحسن اختيارهن للمطاعم، واستمتاعهن بالطعام، رغم اهتمامهن البالغ بأناقتهن وجمال قوامهن.
من داخل كونق يمكن للمرء مشاهدة نهر السين واجزاء من فضاء ومعالم باريس. أما الطعام فهو خليط من أطباق يابانية الى عالمية ترضية لجميع الاذواق في عاصمة يقصدها زوار يتمتعون باذواق مختلفة.
لن تخذلهم باريس مهما تعددت مشاربهم واذواقهم واهتماماتهم وتصوراتهم لها. فقط يبقى على بلدية باريس ان تلاحق اكثر فأكثر سبل نظافة المدينة.