الطبيعي وغير الطبيعي .. في إخراج فضلات الطعام
«المتعة واللذة في اللسان، والمعاناة والعذاب في كل مكان». ذلكم ما يُمكن به اختصار وصف اضطراب العلاقة فيما بين تناول الإنسان للطعام وبين نوعية التأثيرات على أجزاء جسمه، حينما يخرج «قطار» تغذيتنا عن الغايات الطبيعية لتناول الطعام ويسلك طرقاً أخرى ذات غايات غير طبيعية.
الأصل في الغاية، أن أحدنا يتناول حاجته من الغذاء كي يسد رمق جوعه وكي يُقدم لجسمه ما تحتاجه أعضاؤه لنموها وأداء أعمالها.
وإذا ما تلوثنا بغايات أخرى، ونسينا الأصل، أصبح إشباع رغبة اللسان بتذوق ما لذ وطاب هو الشُغل الشاغل، ويغدو حالنا أشبه بالقول «لذة لساني ومن بعدها الطوفان في كل جسدي».
السبب أن تبعات وجود حالات «ضلال» الأكل و«فوضوية» تناوله، تتمثل في ثلاث نتائج حتمية:
- الأولى: تدني قدرة الجهاز الهضمي على الاستقبال والاستيعاب والتعامل الصحيح والمريح مع كميات وأصناف تشكيلة الأطعمة المتناولة دفعة واحدة في كل وجبة أو في ما بين الوجبات الرئيسية.
وهي ما تبدو لنا كاضطرابات غير طبيعية في حالات تُخمة المعدة، والتلبك المعوي، وعسر الهضم، وترجيع أحماض المعدة إلى المريء والفم، وغيرها.
- الثانية: اضطرار الأمعاء لا محالة إلى امتصاص كميات كبيرة، وفائضة عن احتياج الجسم، من الدهون والسكريات والبروتينات.
وهو ما يرشح عنه الإصابة بأمراض نصنعها بأنفسنا و«لا داع» لها البتة. مثل السمنة، ومرض السكري، وارتفاع الكولسترول وترسباته في جدران الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وهلم جرا من سلسلة ما يُسمى بـ «أمراض العصر».
- الثالثة: حالات الاضطرابات والفوضوية في إخراج فضلات بطرق ونوعيات غير طبيعية.
حركة الطعام
يتم في الفم مضغ الطعام ودفعه للدخول إلى المريء، الذي يُوصله بدوره إلى المعدة. والمعدة، كعضو، تقوم بوظيفتين رئيسيتين.
الأولى كوعاء أو جراب، يتم فيه إبقاء الطعام واستيعاب كامل وجبة الطعام المُتناولة.
و«استيعاب المعدة للطعام» مهم جداً في العمل على تنظيم دخول الطعام إلى «الورشة» التي ستتم فيها عمليات الهضم والتفتيت الدقيقة وعمليات الامتصاص المُعقدة.
و«الورشة» المقصودة هي الأمعاء الدقيقة. ولذا يحصل أولاً مزج مكونات الطعام بعصارات المعدة، ثم دفع كميات قليلة منه وبالتتابع إلى الأمعاء.
وتقوم الأمعاء بهضم الكميات القليلة من الأطعمة الواصلة إليها، عبر مزجها أولاً بعصارات المرارة والبنكرياس والعصارات التي تُفرزها الأمعاء نفسها.
ثم، وعلى طول أنبوب الأمعاء الدقيقة، تجري عمليات التفتيت والهضم للطعام، كي يكون جاهزاً للدخول في عملية المرحلة الثانية، وهي امتصاص خلايا طبقة بطانة الأمعاء للعناصر الغذائية الموجودة في الطعام، والتي تشمل عادة بروتينات وسكريات الكربوهيدرات ودهون ومعادن وفيتامينات ومواد كيميائية أخرى كالأدوية وغيرها.
وبعد تلك الرحلة الطويلة للطعام في تجويف الأنبوب الطويل للأمعاء الدقيقة، تصل بقايا الطعام إلى الأمعاء الغليظة، أو القولون، وهي خالية تقريباً من كل شيء يُمكن للجسم امتصاصه والاستفادة منه.
عمل القولون
وهنا، أي في القولون، تتم العمليات النهائية للهضم وتهيئة فضلات الطعام لعملية إخراجها إلى خارج الجسم خلال عملية التبرز.
بمعنى أن القولون هو المكان الذي تتم فيه عملية تكوين البراز بهيئة جاهزة للإخراج، وهو العضو الذي يقوم بضبط قيام أحدنا بعملية التبرز.
والسؤال الذي يخطر على البال، عند ذكر عبارات حول أهمية دور القولون في عملية الهضم، هو: ما الذي بالضبط ذلك الشيء، أو الأشياء، المطلوب من القولون القيام بها ؟
أو بعبارة أخرى لصياغة السؤال، لماذا يكون عمل القولون بشكل طبيعي، أمرا مهما ومفيدا؟ وما الذي سيحصل لو حصلت اضطرابات في عمله ؟
والإجابة ببساطة وبعبارة مُختصرة، هي: القولون هو العضو أو المكان الذي يتم فيه تكوين كتلة من البراز الطبيعي الجاهز للإخراج، والذي فيه يتم البدء بالعمل على إخراج البراز بطريقة طبيعية.
وعمل القولون بالأساس هو امتصاص كميات الماء وكميات محاليل الشوارد electrolytes من المعادن والأملاح، الموجودة بوفرة في كتلة بقايا الطعام chyme التي تصل إلى القولون بعد الخروج من «دوخة» ومتطلبات «ورشة» عملية هضم المعدة والأمعاء للطعام الذي نتناوله. وبالنتيجة تتكون كتلة المادة البَرازية الواجب إخراجها.
ويبلغ طول أنبوب القولون حوالي متر وعشرين سنتيمترا، ويبدأ من العضلة العاصرة فيما بين الأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة ileocecal sphincter، وينتهي عند العضلة العاصرة الشرجية anal sphincter الموجودة في فتحة الشرج الخارجية بمنطقة العجّان perineum في أسفل الحوض.
ويتكون أنبوب القولون من سبعة أجزاء متصلة، وهي: المصران الأعور cecum والقولون الصاعد ascending colon والقولون المُستعرض transverse colon والقولون النازل descending colon والقولون السيني sigmoid colon والمستقيم rectum وفتحة الشرج anus.
وبشكل عام فإن وظيفة الأجزاء الأولى من القولون هي الامتصاص، ووظيفة الأجزاء الأخيرة هي تخزين الفضلات.
ويتكون جدار أنبوب القولون من عدة طبقات، بدءا من الداخل إلى الخارج، وهي:
- طبقة خلايا البطانة الداخلية، تليها طبقة من الأنسجة التي تحتوي الأعصاب والأوردة والشرايين وأنسجة ليفية وغيرها.
وتُغلف ذلك كله الطبقة العضلية. وهنا لدينا طبقة عضلية داخلية مكونة من عضلات دائرية حلقية circular تلتف حول أنبوب القولون.
- ثم هناك طبقة من العضلات الطولية longitudinal التي تمتد بطول أنبوب القولون.
ونوعية العضلات هنا هي من نوع العضلات الناعمة smooth muscle ، أي غير نوعية العضلات الموجودة في عضلات الجسم التي نستخدمها في تحريك أجزاء الهيكل العظمي، وغير نوعية العضلات الموجودة في القلب، بل عضلات القولون هي من نفس فصيلة العضلات الموجودة في الرحم والشرايين والحالبين والمثانة والمرارة وأجزاء شتى من أحشاء الصدر والبطن والحوض.
وهناك عدة شبكات معقدة من الأعصاب المحلية التي تُغذي الأجزاء المختلفة في تراكيب القولون ومكونات طبقاته، أي العضلات والأوعية الدموية وقدرات الامتصاص والإفراز والحركة وغيرها.
وأهمية وجود شبكات عصبية سليمة ومتصلة بشكل جيد مع بقية أجزاء الجهاز الهضمي ومتفاعلة بصفة عالية الكفاءة مع المراكز العصبية اللا إرادية والمراكز الدماغية، هو تمكين القولون من أداء مهامه بتناغم مع أجزاء الجهاز الهضمي، وبطريقة تستجيب لما هو صادر إليه من رسائل عصبية دماغية أو لا إرادية.
وبمحصلة العمل الجيد والمتناغم للشبكات العصبية ولعضلات القولون، يُوجد نوعان من الحركات في القولون.
الأولى: الحركات الدافعة propulsive ، أو ما تُسمى بالحركات الدودية peristalsis . وهذه النوعية من حركة القولون تحصل استجابة وتفاعلاً عند وجود اتساع distension في أجزاء من القولون.
ولذا حينما يتسع جزء من القولون نتيجة وجود فضلات طعام أو هواء، فإن العضلات الحلقية في ذلك الجزء تنقبض في حركة عاصرة كي تُبعد تلك الكتلة التي دخلت إليه.
ومن الممكن أن تتجه الكتلة تلك إلى الأمام أو إلى الخلف، لأن القوة العاصرة عمياء كما هو معلوم، ولكن نظراً لوجود العضلات الطولية، فوق العضلات الحلقية، فإنها تضبط الاندفاع إلى الأمام، أي إلى ما يُقربها إلى فتحة الشرج.
الثانية: الحركات المازجة mixing movements.
ونتيجة لحصول انقباض الحركة الدافعة، فإن حركة من نوعية أخرى تحصل معها، وهي الحركة المازجة.
والتي تقوم بعملين، الأول هو مزج مكونات فضلات الطعام وتهيئة تشكيل كتلة لها عند الخروج خلال عملية التبرز.
والثاني هو تعريض كتلة فضلات الطعام لأسطح بطانة القولون كي يتم امتصاص أكبر ما يُمكن من المياه فيها.
وبالنتيجة فإن حركة فضلات الطعام خلال المصران الأعور والجزء الصاعد والجزء المستعرض من القولون، والتي تتم بُمحصلة نوعي الحركة المتقدمين، تستغرق ما بين 8 إلى 15 ساعة. وبالتالي تصل كتلة الفضلات إلى القولون النازل وهي في هيئة شبه صلبة، بعد أن كانت قبل ذلك في هيئة شبه سائلة. وفي هذه الأجزاء يتم تحريك كتلة الفضلات بطريقة الدفع.
دفع الفضلات إلى المستقيم
المنطقة التي يبدأ منها دفع فضلات الطعام شبه الصلبة هي نهايات القولون المُستعرض. والطبيعي أن تتم نوبات الحركة الدافعة لكتلة الفضلات mass movements ، ما بين مرة إلى ثلاث مرات في اليوم، وخاصة بعد تناول أحد وجبات الطعام. ويحصل فيها تسهيل هذه الحركة الإخراجية بفعل رد فعل انعكاسي عصبي reflex فيما بين المعدة والقولون gastrocolic وبين الإثنا عشر والقولون duodenocolic.
ومن خلال هذا يتم إعطاء منطقة بطول عشرين سنتيمترا من هذا الجزء للقولون فرصة دفع كتلة الفضلات إلى الأمام، دون إرباك هذه الخطوة بنوع الحركة المازجة والمُعيقة لاستمرار الدفع قُدماً لكتلة الفضلات.
وردة الفعل العصبية تبدأ خلال الساعة الأولى بعد تناول وجبة الإفطار مثلاً، وتستمر شدة قوة تأثيرها المُحرك للإخراج حوالي خمس عشرة دقيقة، ثم يخمد نشاطها حينما لا يستغل المرء تلك الفرصة للذهاب إلى الحمام والقيام بعملية التبرز.
وقد يعود النشاط الدافع هذا لدى البعض بعد كل وجبة تناول طعام، أو كل اثنا عشر ساعة، أو مرة في كل يوم، أو حتى مرة كل ثلاثة أيام. ونتيجة لدفع كتلة الفضلات من القولون النازل ومن القولون السيني الشكل، وصولاً إلى المُستقيم، تحصل إثارة عصبية في المستقيم المملوء بالفضلات كي يسهل على المرء القيام بعملية الإفراغ وإخراج الفضلات.
إثارة الرغبة في الإخراج
الإخراج الطبيعي، بفعل عملية التبرز، يتطلب تناغماً بين الوظائف اللا إرادية التلقائية autonomic وبين الوظائف الطوعية الإرادية voluntary.
ويبدأ الأمر بموجة دفع الفضلات إلى المستقيم، كما تقدم، بفعل العمل اللا إرادي. وهو ما يُثير ردة فعل انعكاسية عصبية للتبرز defecation reflex.
ومنشأ ردة الفعل العصبية هذه هي أعصاب الإحساس sensory receptors بالاتساع الموجودة على جدران المستقيم rectal wall وعلى أجزاء عضلات طبقة أرضية الحوض pelvic floor muscles.
وهنا تصل تلك الرسائل العصبية الصادرة من أعصاب الإحساس في المستقيم، إلى الدماغ، وبالتالي يولد شعورا بوجود امتلاء بفضلات الطعام في منطقة المستقيم.
كما أن ذلك الإحساس بالتوسع في المستقيم، يُثير ارتخاء في ذلك الانقباض الطبيعي والدائم لحلقة العضلة العاصرة الداخلية internal anal sphincter والمُغلقة لفتحة الشرج.
وبالتالي ينخفض الضغط في مجرى قناة الشرج anal canal pressure.
ومع هذا كله لا يُخرج الإنسان فضلات الطعام تلقائياً بمجرد امتلاء المستقيم. لأن عضلة العانة - الشرج puborectalis muscle والعضلة العاصرة الخارجية لفتحة الشرج external anal sphincter تظل منقبضة آنذاك عند ارتخاء العضلة العاصرة الداخلية.
وهما عضلتان إراديتان لا ترتخيان إلا حينما يُريد الشخص ذلك، وتظلان منقبضتين أثناء النوم وأثناء بقية اليوم لكي تحولا دون حصول حالة سلس البراز stool incontinence، أي إخراج البراز لا إرادياً ودون الشعور بذلك.
ولا يحصل ارتخاؤهما في الحالات الطبيعية إلا بتأثير مناطق عليا في الدماغ حين الرغبة بالتبرز.
وهذا التحكم الإرادي هو ما يتم تعويد الأطفال عليه في مراحل مبكرة من العمر.
وعند ارتخاء هذه العضلات، مع ارتفاع الضغط في البطن بفعل حبس النفس، تنشأ ظروف في وضعية المستقيم وفتحة الشرح، تُسهل خروج فضلات الطعام وإفراغ المستقيم.