طاهي الرئيس الفرنسي: أطباق الرؤساء لا تختلف عن أطباقنا

رئيس الطهاة في قصر الإليزيه غيوم غوميز: هولاند أعاد الجبنة إلى القصر بعد أن ألغاها ساركوزي:
يصف مهنته كطبّاخ بأنها جزء لا يتجزأ من شخصيته. فالشيف غيوم غوميز الذي يشغل منصب رئيس الطباخين في قصر الإليزيه الفرنسي، كان يحلم منذ نعومة أظافره أن يصبح يوما ما طباخا، فحقق أول إنجازاته في هذا الإطار وهو في عمر الخامسة والعشرين عندما حصد عام 2004 لقب «meilleur ouvrier de france» أحد أهم الألقاب الفرنسية التي يتنافس عليها كل أربع سنوات عدد من أهل الاختصاص في مجالات عمل مختلفة. ولكن ماذا يعني له أن يكون طبّاخ الرئيس؟
 
«هي مسؤولية كبيرة تتطلّب مني إبراز صورة فرنسا الجميلة واستمراريتها، وشغفي بهذه المهنة هو الذي يحفزّني لأقدم الأفضل دائما». يقول غيوم غوميز الذي يعدّ نحو الـ 80000 طبق طعام سنويا لضيوف قصر الإليزيه.
 
الملكة إليزابيث الثانية هي واحدة من تلك الشخصيات الرفيعة المستوى التي أعددت لها ولمرافقيها الـ250 مائدة ملوكية تضمنت الـ«فوا غرا دي جير» ولحم الخروف الطري (سيسترون) مع الخضار والصلصة إلى جانبها كما يجب.
 
لا فرق في كيفية تحضير الطعام للرؤساء أو للأشخاص العاديين الذي يرتادون المطاعم يؤكّد غيوم غوميز في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، فهذه المهنة ترتكز على إرضاء الشخص الآخر أيا كان. ويقول معلقا: «عندما أحضّر طبقا لعائلتي أو لزبون ما في مطعم أو لرئيس جمهورية فأنا أقوم بالشيء نفسه متبعا ذات المراحل دون أي استثناءات». ويضيف: «مهنتنا قاسية ومتعبة صحيح أنها تعطينا الكثير ولكنها في المقابل تتطلّب منا كمية كبيرة من الحبّ وإلا فشلنا فيها». غياب الروتين وحده هو الذي يختلف عن غيره. «هنا الأمر ليس شبيها كما العمل في مطعم كلاسيكي، فالملل والتكرار غير موجودين بتاتا» يقول الشيف الفرنسي.
 
ويتوجّه الشيف الفرنسي لجيل الشباب الجديد الذي يرغب في امتهان الطبخ ويقول: «أود أن أقول: إن ما ينتظرهم في هذا المجال لن يقدّم لهم على طبق من فضّة، إذ عليهم أن يمروا بمراحل عدة فيعيشون بين برّادات اللحوم والأسماك وصناديق الخضار، هي ليست مهنة أرستقراطية بل ملزمة بأوقات دوام لا تفرّق بين عطلة أعياد وساعات الليل أو النهار، فإذا كانوا لا يملكون الشغف الكافي لممارستها فأنا أنصحهم بالتخلّي عنها».
 
وعما إذا هو راض عن مستوى الطعام الذي يقدّمه في قصر الإليزيه يردّ بحماس: «لا أستطيع أن أقول بأنني راض تماما، ولكن عندما أقدم أي طبق طعام أكون قد بذلت ما في وسعي ليكون على المستوى المطلوب».
 
كان عمره عشرين عاما عندما بدأ العمل في قصر الإليزيه يومها ردد أنه لن يمكث فيه أكثر من سنتين «لقد كان يحيط بي يومها طبّاخون عملوا في خدمة الرئيس شارل ديغول فهم يمثّلون التاريخ بحدّ ذاته»، إلا أن شغفه وحبّه لمهنته دفعاه للمثابرة سنة بعد سنة وهو اليوم يحتفل بعامه الـ17 في وجوده في القصر.
 
ما زالت تحفر في مخيّلة غيوم غوميز تلك الصورة الفوتوغرافية التي ما زال يحتفظ بها عندما كان في الرابعة من عمره، يومها دعي إلى حفلة تنكرية مع أصدقاء له فاختار التنكّر بزيّ طبّاخ. ويعلّق مبتسما: «هي صورة لا تفارق خيالي وتذكرني بشغفي لهذه المهنة التي كنت أحلم بها ولطالما تمنيت أن أعمل في إطارها».
 
وعندما تسأل غيوم غوميز عن الأطباق المفضلة لدى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند المعروف بتذوّقه الطعام اللذيذ يرد بسرعة: «لا أستطيع أن أتكلم في هذا الأمر وإذا كنت ما زلت هنا منذ 17 عاما حتى اليوم فلأنني لا أقول شيئا في هذا الخصوص». ولكن ما أمكننا معرفته هو أن الرئيس الفرنسي أعاد إدخال أطباق الجبنة إلى لائحة الطعام في القصر، بعد أن كان قد ألغاها الرئيس السابق ساركوزي.
 
كثيرة هي المناصب التي يشغلها غيوم غوميز والذي يصفه أصدقاؤه بأنه قادر على التكيّف مع كل الناس. فهو إضافة إلى مشاركته في إدارة «اورو توك» التجمع الذي يعنى في الحفاظ على مكوّنات الطعام الطبيعية، فهو محرّك أساسي لشبكة الطهاة في الجمهورية الفرنسية والتابعة لها السفارات والوزارات والمحافظات، كما يشغل منصب نائب رئيس أكاديمية الطبخ في فرنسا والمشرف على أكاديمية اوغوست اسكوفييه للطهاة، وكذلك المسؤول المنفّذ لتجمّع الطهاة في فرنسا.
 
وأشار الشيف الشاب بأنه دائما ما يأخذ في عين الاعتبار شخصية زائر الإليزيه وتقاليده الاجتماعية، ولذلك فإن ما يحضّره لرئيس جمهورية شرق أوسطي يختلف تماما عن الأطباق التي يعدّها لرئيس دولة الصين مثلا.
 
وعن رأيه في المطبخ اللبناني وإذا ما هو مطّلع جيد على أطباقه أجاب: «لقد زرت لبنان عدة مرات بمناسبة إقامة مهرجان هوريكا للضيافة وإعداد الطعام أو في مناسبات أخرى. هذا الأمر ساهم في أن أتعرف جيدا على الطعام اللبناني، وما زلت حتى اليوم أكتشف الجديد في كل زيارة أقوم بها إلى بيروت، وأكثر ما يلفتني هو المتبلات وطعم زيت الزيتون ذي الجودة العالية».
 
ولا يخفي غيوم غوميز إعجابه بطهاة لبنانيين تعرّف إليهم عن كثب، ولمس موهبتهم العالية في مجال الطهي أمثال الشيف جو برزا والشيف مارون شديد والشيف شارل عازار. ويقول: «أنتم شعب رائع ومضياف كما أن هؤلاء الطهاة الذين ذكرتهم وصلوا العالمية لتميّزهم في عملهم».
 
وعن موقع المطبخ الفرنسي اليوم في ظلّ ازدحام الساحة العالمية بمطابخ مغايرة أجاب: «قد يكون هناك أطباق معروفة تغزو العالم من مطابخ مختلفة، ولكنها في الحقيقة لا يتجاوز عددها الـ20 طبقا من كلّ بلد. أما في المطبخ الفرنسي فهناك المئات من الأطباق المعروفة، وما زال أهمّ الطباخين في العالم عليهم أن يمروا بالمطبخ الفرنسي في بداياتهم، للتزود بالخبرة اللازمة ومستوى الطهي المطلوب فلذلك أقول: إن المطبخ الفرنسي ما زال في الطليعة».
 
ينتهي الحديث مع غيوم غوميز قسرا فالأسئلة التي تراودك لطرحها عليه لا تنتهي، إلا أن انشغالاته وارتباطاته الكثيرة تحتّم عليك ذلك. فهو صاحب شخصية لطيفة وما زال يتمتع بصفات الشاب الطموح رغم كل ما وصل إليه، ولذلك فهو لم يتوان عن القول لي عندما انتهيت من محاورته: «إذن انتهينا، لقد مرّ الوقت بسرعة وشكرا لاهتمام صحيفتكم بي».