ألمانيا تخطط لفرض ضريبة تحت أسم «ضريبة الشحم»

يعرف تاريخ البشرية الكثير من أنواع الضرائب التي حركت الانتفاضات والثورات هنا وهناك، بينها ضريبة الملح في بريطانيا، وضريبة اللحى في روسيا القيصرية، وضريبة الأرامل التي فرضها صدام حسين على أرامل الحرب العراقية - الإيرانية.
لكن ليست كل الضرائب غريبة، ومضحكة، وتثير الرغبة في البحث في بطون الكتب عن أخبارها وأسبابها؛ فهناك مبررات «مقنعة»، وخصوصا عند الطغاة، لفرض الضرائب المختلفة على المواطنين، وفي مختلف الأزمنة. وربما سينظر البشر بالسخرية نفسها إلى الضرائب التي تفرض اليوم - بهدف حماية البيئة - على علب المرطبات، والهواتف الجوالة والكومبيوترات.
«مجلس خبراء البيئة» الألماني، الذي يتقدم بمقترحاته وتوقعاته المستقبلية إلى الحكومة الألمانية بين فترة وأخرى، تقدم قبل أيام بجملة مقترحات بهدف توفير البيئة الصحية والعلمية السليمة للمواطنين، ومن منظور حماية البيئة. ومن أهم المقترحات التي تقدم بها المجلس هذه المرة؛ فرض ضريبة الشحم على المواطنين وعلى المنتجات، و«كهربة» الطرقات السريعة وتحديد السرعات عليها، وفرض ضريبة بيئية جديدة على المواد الخام التي تصنع الأجهزة منها، زيادة الضرائب على مواد البناء غير القابلة للتدوير، وفرض «ضمانة» استعادة على بيع الأجهزة الكهربائية وغيرها. 
أطلق المجلس على مقترحاته اسم «تحمل المسؤولية في عالم محدود»، وهي إشارة بليغة إلى دور البشر في تقليص مجالات الحياة على كوكب الأرض. ويرى العلماء الذين صاغوا المقترحات أن مثل هذه الإجراءات كفيلة بوضع حد لتعديات الإنسان على البيئة، كما أنها تحمل في طياتها تربية بيئية سليمة للمواطن. 
من ناحيته يعرف المواطن، وتعرف شركات الإنتاج أيضا، أن معظم مقترحات «مجلس خبراء البيئة» أخذت طريقها إلى حيز التطبيق بعد سنوات من إطلاقها. هكذا حصل مع رفع الضرائب على الكحول والدخان منذ عقود، ومع الضرائب على الوقود، وعلى علب الصفيح.. إلخ. وكمثال فإن المجلس اقترح قانون تدوير الورق والأجهزة في الثمانينات، وفرض المقترح نفسه على الحكومة في التسعينات. وهناك مثل آخر هو أن المواطن الألماني يدفع ضريبة على تصريف اللتر من مياه المجاري تزيد على سعر لتر الماء نفسه، والغرض واضح؛ هو خفض استهلاك مياه الشرب. 
ضريبة الشحم 
وضريبة الشحم عبارة عن ضريبة غير مباشرة على كيلوغرامات الشحم التي يحركها البعض مع أجسادهم أينما ذهبوا. ولكنها ضريبة مباشرة على الدهون وعلى المنتجات الغنية بالدهون، وهدفها تخليص الإنسان من الشحوم الزائدة، وتقليل نسبة الأمراض المتصاعدة مثل داء السكري وأمراض القلب والدورة الدموية والسكتات الدماغية. 
والمعلومات الأولية المتوفرة عن المقترح تشير إلى أن الضريبة ستشمل الدهون الحيوانية في الأساس، والدهون المشبعة، أو المواد الغنية بالأحماض الدهنية المشبعة. أي اللحوم الحمراء قبل غيرها، والمنتجات الحيوانية الأخرى المشبعة بالدسم مثل الحليب والأجبان والزبد. وهذا لا يشمل بالتأكيد السمك، لأن دهون السمك منصوح بها. 
الهدف من ضريبة الشحوم أيضا هو تقليص ضرر إنتاج هذه المواد على البيئة، لأن إنتاج اللحوم والأعلاف الحيوانية تعتبر من أكبر أسباب انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو. كما تعتبر الأبقار من أكثر ملوثات البيئة بالميثان، وسبق لدراسة هولندية - نمساوية مشتركة أن أشارت إلى أن ضرر إنتاج كيلوغرام واحد من لحم البقر الـ«ستيك» على البيئة يعادل مسيرة 1600 كيلومتر بالسيارة. ضريبة الشحوم تدعو أيضا إلى إلغاء دعم الدولة للمنتجات الحيوانية الغنية بالشحوم، وهو ما جاري حتى الآن، وتحويل الدعم إلى المنتجات النباتية والمنتجات الحيوانية القليلة الدهون. 
وهذا يشمل آخر صيحات التقنية في عالم إنتاج الأغذية، التي تميل نحو إنتاج المواد الغنية بالفيتامينات والخافضة للكولسترول ولضغط الدم ولتسوس الأسنان. في ألمانيا حسب تقديرات وزارة الصحة نسبة 25 من مفرطي السمنة. ويعتبر شديد السمنة مثل رجل بطول قامة 170 سنتيمترا ووزن جسم 120 كيلوغراما. وتكشف الدراسات الأميركية الأخيرة أن نسبة البدانة بين الأطفال تضاعفت خلال السنين الـ20 الماضية. ويبدو أن ألمانيا تلحق بركاب الولايات المتحدة من ناحية السمنة، كما تصيب السمنة النساء أكثر من الرجال. 
وسبق لدراسة هولندية من روتردام، شملت 3457 امرأة ورجلا من ثقيلي الوزن، أن أثبتت أن البدانة، وما يرافقها من أمراض مثل السكري وضغط الدم وأمراض القلب، تقود السمين إلى حتفه قبل النحيف. ويعيش البدين، منذ العقد الرابع من عمره، 4 سنوات أقل من غيره. أما شديد السمنة فإنه يمد قدميه في القبر قبل النحيف بمعدل 6 - 7 سنوات. 
ضمانة إرجاع على الأجهزة الإلكترونية 
وهي ضمانة نقدية شبيهة بضمانة استرجاع علب المرطبات الصفيحية التي فرضتها حكومة جيرهارد شرودر في مطلع القرن الـ21. والهدف من الضمانة (25 سنتا على العلبة) هو تشجيع المواطن على إعادة العلب الصفيح الفارغة إلى المخازن بهدف تمكين المصانع من إعادة تدويرها. 
إقرار مثل هذه الضريبة سيعني تشجيع المواطن ماليا على إعادة الأجهزة الإلكترونية إلى مصنعيها، ومن ثم تمكين الأخيرين من الاستفادة من المعادن الثمينة فيها، والتخلص من المواد الضارة فيها، ومن ثم إعادة تدويرها. عدا عن ذلك فإن معظم المواد التي تدخل في صناعة الهواتف الجوالة، ثمينة أو غير ثمينة، هي من المواد التي يضر تحضيرها بالبيئة. 
وكان حزب الخضر الألماني قد تقدم مباشرة إلى البرلمان الألماني بمقترح فرض ضمانة قدرها 10 يورو على كل هاتف جوال جديد، يستعيدها المواطن عند إعادته الجهاز إلى الشركة المصنعة، بعد انتهاء حاجته إليه. 
ومعروف أن الجوال الصغير يحتوي على الكثير من المعادن الثمينة الممتدة بين الذهب والتيتان والفضة، لكنه يحتوي في ذات الوقت، وخصوصا في البطارية، على الكثير من المواد المضرة بالبيئة، التي تصنفها دائرة البيئة كنفايات إلكترونية «خاصة» ينبغي عدم رميها في النفايات. وسبق لمفوضة البيئة في البرلمان الألماني أن نوهت، في اجتماع للبرلمان، بأن الطن الواحد من أجهزة الجوال تحتوي من الذهب ما يزيد على ما يحتويه طن من عروق الذهب في المنجم. 
وحسب حزب الخضر حينها أن فرض مثل هذه الضمانة على أجهزة الهاتف الجوال يمكن أن يرفع نسبة تدوير الهواتف الجوالة من 2 في المائة إلى 80 في المائة خلال سنوات. واستشهد الحزب بدراسة سابقة لشركة «بيتكوم» جاء فيها أن مجموع الهواتف الجوالة المستعملة في ألمانيا يرتفع إلى 100 مليون جوال، لكن عدد الهواتف الجوالة الفائضة عن الحاجة يرتفع إلى 80 مليون جهاز. 
جدير بالذكر أن دراسة «بيتكوم» المذكورة أشارت إلى أن 47 في المائة من المواطنين الألمان يحتفظون بهاتفين جوالين عاملين، وإلى أن 7 في المائة يحتفظون بـ3 أجهزة، مع نسبة 8 في المائة يحتفظون بـ4. 
ضريبة على مواد البناء غير القابلة للتدوير 
* ليست هناك سوى طرق بسيطة، وغير مكتملة التقنية بعد لتدوير الإسمنت، الذي يعتبر مادة البناء الرئيسية اليوم. وفضلا عن الإسمنت هناك الكثير من مواد البناء، القديمة والجديدة، التي يتسبب إنتاجها في انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون. ومعظم هذه المواد غير قابل للتدوير، وهو ما يشجع مجلس خبراء البيئة على فرض الضرائب عليها بهدف فرض التحول، على قطاع البناء، إلى المواد القابلة للتدوير. 
هذا قد يعني، في ما قد يعنيه، أن أسعار مواد البناء سترتفع قليلا، لكن الضريبة على المواد القابلة للتدوير ستنخفض، وهو ما يعادل الأمور. وربما تشجع هذه الضريبة شركات إنتاج مواد البناء على البحث عن بديل بيئي للأسفلت والإسمنت والبلاستيك في البناء، علما بأن إنتاج الإسمنت على المستوى العالمي مسؤول عن انبعاث من 5 إلى 7 في المائة من غاز ثاني أكسيد الكربون وانطلاقه إلى أجواء الأرض، وذلك حسب إحصائيات الأمم المتحدة. 
وربما أن مادة «سيلتمنت»، الشبيهة بالإسمنت من ناحية الخواص، ومن إنتاج معهد الأبحاث العلمية في كارلسروهه (جنوب)، يمكن أن يكون البديل المناسب للإسمنت التقليدي. ويمكن لهذا الـ«سيلتمنت» أن يقلص انبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة 50 في المائة، وهذا يعني 200 طن من الغاز أقل لكل 1000 متر مكعب من الـ«سيلتمنت». 
«كهربة» الطرقات السريعة 
تتألف معظم الطرقات السريعة في ألمانيا من 3 خطوط لمختلف السرعات التي تسير بها السيارات، لكن مقترح المجلس الاستشاري في القضايا البيئية هو زيادة خط رابع، وإن مؤقتا، للسيارات الكهربائية. هذا قد يكلف كثيرا من المال في المراحل الأولى، لكن يمكن توفير الكثير من التكلفة من خلال رفع الضريبة على الوقود بمقدار سنت واحد لكل لتر. المهم هو تشجيع التحول التدريجي من السيارات العاملة بالوقود التقليدي إلى السيارات العاملة بمحركات هجينة، ووصولا إلى شوارع لا تسير عليها غير السيارات البيئية (الكهربائية). 
ويتطلب هذا التحول طبعا تزويد الخط الرابع في الطريق السريع (الأوتوبان) بمحطات خاصة للتزود بالكهرباء، وورش خاصة بتصليحها، وبالتالي مرفقات كاملة «بيئية» لا تعزز انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وذرات السخام في الجو. المقترح الآخر الخاص بالطرقات هو تحديد السرعة داخل المدن بـ30 كيلومترا/ ساعة بغية حماية المواطن والبيئة من التلوث ومن ضجيج المحركات. 
وكان حزب الخضر يقف دائما إلى جانب مقترح تحديد السرعات على الطرقات السريعة أيضا بـ120 كيلومترا/ ساعة، إلا أن نفوذ شركات السيارات الكبيرة والسريعة، مثل «مرسيدس» و«بي إم دبليو» و«بورشه»، كان يحبط مثل هذه المحاولات. وربما أن لسان حال هذه الشركات يسأل: من سيشتري سياراتنا إذا تم تحديد السرعة على الطرقات السريعة هكذا؟ 
المهم أن وزير البيئة الاتحادي، بيتر التماير، مقتنع بالمقترحات ويجد أنها قابلة للتنفيذ على المديين القصير والبعيد. وقال الوزير، من الحزب الديمقراطي المسيحي (المحافظين) أن النمو الاقتصادي بأي ثمن، وعلى حساب البيئة، ما عاد مقبولا اجتماعيا.