ماذا يريد المعلمون حقا من أولياء الأمور؟
خاص الجمال - إيناس مسعود
تحتل المشكلات الدائرة بين المعلمين وأولياء الأمور عناوين الصحف وبرامج التلفاز على مدار العام الدراسي وكأن رسالة التعليم قد تحولت من هدف سامٍ يهفو إليه كل من المعلم والتلميذ، إلى معارك جدلية غيرت من صورة التعليم والعلاقة بين الطرفين.
وبما أننا نستمع دائما إلى نداءات وشكاوى أولياء الأمور والطلاب التي لاتنتهي من المعلمين والعملية التعليمية ككل، حيث يكون العامل المشترك على طول الخط هو: الطلاب يريدون ويريدون بغض النظر عن المعلم ومدى معاناته وما يبذل من جهد.
لذلك حرصا على اتضاح الأمور وتحسين العلاقة بين ولي الأمر و المعلم نقدم لك هذا الموضوع بهدف منح المعلم فرصة للتعبير عن نفسه وتقديم قائمة بما يريده من ولي الأمر حتى تتحقق الصورة المتكاملة المثالية التي يتمناها الطرفان.
- إذن دعونا نتعرف على ما يمكن عمله لوقف هذا المد من المشكلات.
- ماذا يحتاج المعلم من أولياء الأمور فعليا أن يفهموه؟
يقول المعلمون أنهم حتى بالنسبة للمبتدئين من الطلاب أو التلاميذ يقومون بدور المعلم لا المربيات، كما لهم دور هام في حياة الأطفال لأنهم يعملون معهم كل يوم وكثيرا ما يرونهم في ضوء مختلف عما يراه الوالدان.
الاستماع لنصيحة المعلم والعمل بها:
يقع أولياء الأمور في خطأ كبير وشائع وهو رفضهم لأي نصيحة يقدمها المعلم لهم فلديهم يقين داخلي بأن طفلهم طفل مثالي وهذا يمنعهم من تقبل أي ملحوظة أو شكوى عن جانب سلبي يكتشفه المعلم في تصرفاته أو مستواه، وبدلا من التعامل مع هذا الجانب السلبي، فهم على العكس يقاومونه متهمين المعلم بأنه يضطهد طفلهم ويتجنى عليه.
ولتصحيح هذا الخطأ، على ولي الأمر تقبل أي نصيحة أو ملحوظة يقدمها المعلم له والعمل بها تماما كما يعمل بنصائح الطبيب المعالج أو المحامي فالمعلم لايقل أهمية وحرصا عليهم.
منحه الثقة:
أحيانا عندما يخبر المعلم ولي الأمر أن طفله يعاني من بعض المشكلات السلوكية تجده يقشعر وينظر للأمر بنوع من الاستهتار، ويبدأ في التشاجر مع المعلم والدفاع عن طفله مما يصيب المعلم بنوع من الإنهاك لعدم استجابة ولي الأمر له.
ومن أقسى اللحظات وأكثرها حرجا وإهانة للمعلم عندما يخبر أم الطفل أن طفلها يفعل شيئا خاطئا، فتلتفت وتنظر إلى المعلم نظرة ريبة وتوجه له السؤال التالي: "هل ما تقوله حقيقي؟، فيجيب المعلم بالطبع حقيقي، فأنا أخبرتك توا".
والأكثر إهانة إذا قام ولي الأمر بسؤال زميل لطفله أو معلم آخر قد حضر هذه المشكلة للتأكد مما قاله المعلم إذا كان حقيقة أم كذب، فهذا تصرف مسيء للغاية يحط من قدر المعلم أمام تلاميذه ويضعف علاقة المشاركة بينه وبين الوالدين.
التوقف عن منح الأعذار لأطفالكم:
على ولي الأمر إدراك الحقيقة بأن من يمنح أطفالهم درجات سهلة ومرتفعة معلم سيء لايهدف إلا إلى كسب رضا ولي الأمر ورغبة منه أن يتركه الجميع وشأنه، وإذا كنت عزيزي ولي الأمر حقا تهدف إلى مساعدة طفلك على النمو بنجاح توقف عن اختلاق الأعذار له.
حيث يواجه المعلم مرات كثيرة يتهرب خلالها التلميذ أو الطالب عن تأدية ما عليه من واجبات ويجلب ولي أمره ليختلق له الأعذار أمام المعلم حتى يفر من العقاب، مما يصيب المعلم بالإحباط والضيق ويعلم التلميذ الإهمال والاستهتار بمعلمه والتعود على التكاسل فلديه من سيدافع عنه في كل مرة.
لذلك على ولي الأمر تعليم طفله أن المهام المدرسية شيء مقدس مثلها مثل الصلاة ويجب تأديتها مهما كانت الظروف وليس هناك أي عذر يسمح بالتخلي عنها، وبهذا نحن نساعده على تحمل المسؤولية والتصرف مع أي ظروف دون الإخلال بما عليه من واجبات وتقديس أهمية العلم والمعلم.
الشعور بما يعانيه ويبذله المعلم:
اعلم عزيزي ولي الأمر أن المعلم أيضا إنسانا لديه معاناته ومشكلاته التي قد تفوق الحد، ورغم ذلك يبذل ما عليه من عمل وجهد منتظرا المقابل من الطالب من تأدية مهامه والاحترام الواجب كمعلم ومربي، وبدلا مما يقوم به بعض أولياء الأمور من خلق الأعذار لأبنائهم بغض النظر عن الموقف ويربون أطفالهم الذين سيصبحون بالغين يوما ما على تقديم الأعذار الواهية وإهمال العمل والمباديء الأخلاقية.
بالطبع أنت لاتريد أن ترى طفلك في نهاية المطاف وقد بلغ الخامسة والعشرين من عمره بدون عمل ولم يحقق أي نجاح في حياته وكل ما يفعله الجلوس على الأريكة يتناول التسالي أمام التلفاز، لذلك بدلا من تربيته على اختلاق الأعذار والتدليل المبالغ فيه عليك المساهمة مع المعلم لإيجاد الحلول المناسبة لمشكلاته.
وضع المعلم في منزلة شريك لكم في تعليم الطفل لا مُتَّهَم: تعلمون أن من الطبيعي وقوع الطفل في بعض الأخطاء من وقت لآخر، فالأخطاء تبني شخصيته وتعلمه بعض الدروس الحياتية، وكمعلمين نعاني من تجاهل أولياء الأمور أولئك الذين يقفون في طريق تلك الدروس، من خلال الوقوف حائلا دائما أمام الطفل ومنعه من أن يجرب فيخطيء ثم يتعلم من خطأه.
فإذا منح المعلم الطفل 79 درجة من مائة على مشروع قد كلفه به فاعلموا أن هذا هو مستواه وهذا مايستحقه، فلا تحاولوا اللقاء بالمعلم حتى يرفع له الدرجة، يتصرف ولي الأمرهكذا لرغبته الدائمة في حصول طفله على الدرجة النهائية لكن يمكن لهذا أن يحدث خطوة بخطوة من خلال إدراك ما وقع به الطفل من أخطاء والسعي إلى تصحيحها بالطريقة المثالية والعملية، فالتعليم الجيد لايقاس دائما بالدرجة التي يحصل عليها التلميذ.
والحقيقة أن هناك بعض المعلمين السيئين يقومون في أغلب الأحيان بمنح الطفل درجات مرتفعة لعلمهم أن هذا سيرضي أولياء الأمور ويكسبهم الجميع مما يبعد عنهم المشكلات والإزعاج، وحينها يقول ولي الأمر عن هذا المعلم "إنه شخص عظيم، لأن طفلي أخذ معه الدرجات النهائية".
استيقظ عزيزي ولي الأمر، أقولها لك بكل أمانة أحيانا أفضل المعلمين هم من يمنحون التلميذ أقل الدرجات، وهذا دليل على أمانتهم والتدقيق مع التلميذ على كل كبيرة وصغيرة أي يعطي كل ذي حق حقه، وبهذا يلفت انتباه التلميذ وولي الأمر بالحاجة إلى المزيد من الجهد، لكن للأسف يكون رد الفعل المباشر ذهاب ولي الأمر إلى مدير المدرسة أو الإدارة التعليمية ليقدم شكوى ضد هذا المعلم.
وبدلا من الاندفاع خذ خطوة للخلف والقي نظرة فاحصة على المشهد، قبل تحدي المعلم بسبب تلك الدرجات المنخفضة التي حصل طفلك عليها، عليك الإيمان بأنها النتيجة الحقيقية التي تعبر عن مستوى تحصيله، وأن ذلك المعلم الذي تقدمت لتشكو منه هو من يمد طفلك بأفضل تعليم، يجب أن تقوم بدور الشريك المتعاون مع هذا المعلم بدلا من أن تكون مدع عام عليه.
إعلموا أن المعلم أصبح كمن يمشي على قشر البيض:
أشعر بالأسف على حال المعلمين والمسؤولين هذه الأيام فقد أصبحوا مقيدين، لأننا نعيش على مبدأ الخوف مما سيحدث، حيث أصبح المعلم كمن يسير على قشر البيض في ظل منظومة تعليمية مشوهة يعجز بها المعلم عن التعبير بأمانة عما يعاني وما يجول بخاطره من أفكار.
فإذا وقع في خطأ بسيط يحوله أولياء الأمور والمجتمع إلى كارثة، ولدينا كم هائل من الأمثلة التي تؤكد ذلك، و يكون نتيجة الهفوة وابل من الاتهامات التي قد تنتهي بضياع مستقبل المعلم أو سجنه.
وهذا ما وضع المعلم في موقع سلبي، غير قادر على معاقبة التلميذ على أي خطأ يرتكبه لأن وزارة التعليم أصبحت تعامل التلميذ كما يعامل صاحب المحل المشتري على مبدأ :"الزبون دائما على حق" ويتمثل ذلك في:
- إذا أخطأ التلميذ يلقون على المعلم ثمن ذلك قائلين أنت من تعلمه فكيف يخطيء؟
- يحرم على المعلم توجيه الإيذاء البدني، أي الضرب ممنوع.
- يحرم على المعلم الإيذاء اللفظي، أي السب ممنوع.
- يحرم على المعلم الإيذاء النفسي، أي العقاب النفسي ممنوع.
فإذا وقع التلميذ في خطأ لايكون أمام المعلم معاقبته بأي وسيلة لأن كل السبل مغلقة أمامه، وإذا حاول العقاب بالإنذار أو غير ذلك يجد مدير المدرسة يقف في وجهه ليمنعه حتى من هذا الحق البسيط وكأنه أضعف الإيمان مرفوض كذلك.
وفي النهاية يُطلب من المعلم إنتاج تلميذ متفوق ذي أخلاق حسنة.
مثال من الدول الغربية:
الغريب أن الدول الغربية تعاني أيضا من هذه المشكلات فذات مرة قام طفل وهو في الفصل بالكتابة على وجهه بقلم ألوان أحمر يثبت لونه، فحاول المعلم إزالة اللون من على وجه الطفل مستخدما قطعة قماش مما ترك أثرا أحمر على جانب وجهه.
قام الوالدان بالاتصال بوسائل الإعلام وفقد المعلم وظيفته نتيجة لذلك، بسبب أُمٍّ لم تصدق المعلم واعتقدت أنه ضرب طفلها، فبسبب شيء تافه فقد إنسان عمله مما جعل المعلمين يقعون بين نارين، إما سبيل الصدق والأمانة الذي قد يودي بهم إلى الشارع، أو سبيل الكذب والنفاق مما يفقدهم احترامهم لذاتهم واحترام الغير لهم.
لماذا يقحم الجميع أنفسهم في مهنة المعلم؟
إذا استمر شعور المعلمين بالخوف والتهديد فسوف تسلب من مدارسنا أفضل قيمها وما نبذل من جهد وتُكَبَّل الإبداعية التعليمية وسوف يواجه المجتمع صعوبة في إيجاد معلمين حقيقيين في المستقبل القريب والبعيد.
التعامل مع الحالات السلبية بطريقة مهنية:
إذا قال طفلك لك أن هناك شيئا حدث داخل حجرة الفصل وهذا الشيء يهمك كولي أمر، فاطلب مقابلة المعلم الذي كان موجودا حينها حتى تعلم حقيقة الموقف وأخبر المعلم بما قاله طفلك لك كأن تقول:"أريد أن أعلمك شيء قال طفلي أنه وقع في الفصل، لأنني أعلم أن الأطفال قد يبالغون ولأن لكل قصة دائما ركنين، آملا أنك ستوضح الأمور لي".
وبعد ذلك إذا لم تعجبك النتيجة النهائية عزيزي ولي الأمر يمكنك بعدها اللجوء للمدير العام، لكن رغم أي شيء لاتتحدث عن أي معلم بطريقة سلبية أو مسيئة أمام طفلك، لأنك إذا لم تحترم المعلم أمامه فسيفعل مثلك وسيترتب على هذا التصرف مشكلات جديدة أنت في غنى عنها.
كما تحب أطفالك المعلم أيضا يحبهم ويتوجب عليك اتباع الآتي:
- الوثوق به.
- تدعيمه.
- العمل معه.
- الوقوف في ظهره مساندا.
- منحه الاحترام الذي يستحقه.
وسيتحد معك ويبذل قصارى جهده لتقديم أفضل تعليم لطفلك وهذا وعد وعهد يأخذه المعلم على نفسه وسيفي به، فقط امنحه الفرصة لتحقيقه.