أسبوع لندن لربيع وصيف 2012 .. ما له وما عليه

أسبوع لندن لربيع وصيف 2012 .. نجاح لا يخلو من جدل
أسبوع لندن لربيع وصيف 2012 .. نجاح لا يخلو من جدل

اختتم أسبوع لندن لربيع وصيف 2012 باحتفالية كبيرة في 10 دوانينغ ستريت يوم الثلاثاء الماضي، احتفالية تليق بنجاحه هذا الموسم، وتفوقه على عواصم عالمية أخرى على الرغم من كل المضايقات التي تعرض لها من نيويورك وميلانو بسبب التوقيت، وعلى الرغم من ضيق الحال، فقد شهد ما لا يقل عن 100 عرض واستقبل أكثر من 5000 مهتم بالموضة، ما بين مشترين ومحرري أزياء، وعدد لا يحصى من النجوم الأميركيين والبريطانيين، في مشهد يستحضر ما كانت عليه نيويورك منذ سنوات، حين كان بريق النجوم يتنافس مع بريق أحجار شواروفسكي واللاميه على الأزياء.


نعم، فلندن تغيرت كثيرا، وشتان بينها اليوم وبينها الأمس، على الرغم من أن مصمميها لا يزالون يفتقرون إلى إمكانيات عواصم أخرى مثل ميلانو وباريس ونيويورك، وعلى الرغم من توقيتها المحشور بين أسبوعين كبيرين، هما نيويورك وميلانو.

لكن عندما يتعلق الأمر بالإبداع والابتكار، فإن لندن تبقى أكبر ولادة، والولادات فيها تتم دائما بطريقة طبيعية ومن دون مخاض.

طوال الأسبوع، ارتدت العاصمة حلة جنون وفنون، وتحولت المناطق المحيطة بـ«سومرست هاوس» المركز الرسمي للأسبوع إلى أماكن عرض مفتوحة تبارى فيها الجريئون ومحبو لفت الأنظار، على استعراض صرعاتهم وتقليعاتهم من خلال الألوان المتضاربة أو تسريحات الشعر السريالية أو الأزياء الغريبة.

محلات الموضة المترامية أيضا احتفلت بالمناسبة بشكل أو بآخر، فتأثير الأسبوع لا بد أن يصل إليها وينعكس على مبيعاتها، خصوصا أن الموضة التي تطرحها هذه المحلات للعامة، هي التي تطبع الأسلوب البريطاني، وتجعله الأكثر تميزا في العالم.

فحتى أنا وينتور، عرابة صناعة الموضة ورئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية التي يضرب لها ألف حساب وكل كلمة تنطق بها يمكن أن تصنع أو تقتل مصمم، نطقت واعترفت على الملأ بأن الشارع البريطاني مؤثر على الموضة وأفضل بكثير مما هو عليه في نيويورك.

أما عن العروض نفسها، فإنه لا يمكن لأي متابع للموضة إلا أن يلاحظ أن الأسبوع، بعد أكثر من 26 عاما، نضج فعلا. فقد تعلم مصمموه أن الحياة ليست مجرد إحداث صدمات للآخر لاستعراض خيال خصب وقدرات فنية يجذبون بها وسائل الإعلام على أمل الحصول على تغطية مجانية لا تغني ولا تسمن من جوع لأنها لا تبيع.

تعلموا أيضا، وبطريقة قاسية، أن الموضة معادلة بين الفني والتجاري، تحتاج إلى سياسة استراتيجية ذكية. وهذا ما ساعدها أن تقف على أرجلها مرة أخرى بعد عدة مناسبات كادت تصاب فيها بالشلل.

الآن يتمتع الأسبوع ليس بمصممين دارسين للسوق ومستعدين لغزو العالم، بل أيضا بعارضات من مثيلات لورا بايلي وبوبي ديليفين وإيرين أوكونر يعملن كسفيرات للأسبوع إلى جانب سامنثا كاميرون، زوجة رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون.

مهمة هؤلاء العارضات استقطاب فتيات المجتمع المخملي لمعانقة الموضة البريطانية بالداخل والخارج، في حين تتمثل مهمة سامنثا كاميرون، بإعطاء صناعة الموضة دفعة قوية على المستوى العالمي، خصوصا أن المنافسة على أشدها بين العواصم الكبرى، وغيرها من العواصم التي دخلت المنافسة منذ عهد قريب.

الأسبوع انتهج هذه الاستراتيجية منذ نحو أربع سنوات ونجح إلى حد كبير، بدليل أن مصمميه الشباب ليسوا فقراء كما كان عليه الحال بالنسبة لأقرانهم منذ أكثر من عشرين عاما.

فهم الآن يتلقون دعما من منظمة الموضة كما من الحكومة من خلال جوائز تستهدف مساعدتهم على المزيد من الابتكار من جهة، والدفع بالعاصمة إلى الواجهة، من جهة ثانية.

الاستراتيجية أعطت نتاجها، بدليل أن المصممين لم يخيبوا الآمال المعقودة عليهم من الناحية التسويقية هذا الموسم، بغض النظر عن أصولهم وهوياتهم.

كل من بيتر بيلوتو، مثلا، وإيريدم، ماريا كاترانزو، ماريوس شواب، عثمان يوسف زادة، لين تود، وغيرهم هم من يجعل قلبها ينبض بقوة، وليس ببعيد أن يبتسم الحظ لأحدهم في يوم ما ليضخ دما جديدا وشابا في عاصمة أخرى على غرار ما أنجزته فيبي فيلو، لدار «سيلين» وجون غاليانو لدار «ديور» قبل أن يطرد منها مؤخرا، وستيلا ماكارتني في دار «كلوي» سابقا ودارها الخاصة حاليا ولأديداس، وغيرهم.

فما لا يخفى على أحد أن الكثير ممن يعملون في بيوت أزياء عالمية يحضرون الأسبوع، ونصب أعينهم اقتناص إحدى هذه المواهب الشابة.

وحتى إذا لم يتحقق لهم ذلك، فإن لندن تبقى النقطة التي تنطلق منها عدة أسماء إلى العالمية، مثل ماريا كاترانزو، اليونانية الأصل، أو عثمان يوسف زادة، الأفغاني، وروكساندا إلينشيك، اليونانية، ممن لم يكونوا معروفين قبل أن يعرضوا فيها.

إلينشيك، مثلا، أثارت الانتباه منذ ثلاث سنوات تقريبا، لكن ابتسم لها الحظ بعد أن ظهرت كل من ميشيل أوباما، سيدة البيت الأبيض وسامنثا كاميرون بقطع من تصميمها.

وإذا كانت ابنة بلدها، ماريا كاترانزو تتميز بعشقها للنقوشات المبتكرة والأشكال الغريبة التي تطوعها في فساتين وتنورات حداثية، فإن إلينشيك، تميل إلى الطيات والدرابيه، مما يجعلها المفضلة للمرأة الكلاسيكية التي تريد أن تخرج من المضمون الذي تعودت عليه لتعانق الموضة العصرية بالتدريج.

بيد أنه إلى تبني لندن للأجانب ما داموا يتمتعون بالموهبة، فإنها لا تفتقد إلى أبناء مشهود لهم بالأناقة مثل أماندا وايكلي التي قدمت مجموعة تمزج بين العصري والكلاسيكي في فساتين مفصلة وأخرى منسابة على شكل قفاطين لا بد أن تلمس وترا حساسا لدى المرأة المترفة التي تقضي عطلاتها بين الريفييرا الفرنسية وشواطئ إيبيزا الإسبانية وجزر الكاريبي، إلى جانب مخضرمون من أمثال فيفيان ويستوود، بول سميث، بول كوستيلو، كارولين تشارلز، نيكول فارحي وجايلز ديكون وهلم جرا.

في عرض هذا الأخير مثلا، ورغم أن نجمات من مثيلات داني بروك وداني مينوغ فضلا عن الكثير من فتيات المجتمع المخملي احتللن الصفوف الأمامية، إلا أن بريق الأزياء غطى عليهن تماما بمجرد أن بدأ العرض.

رقصة البجع كانت هي تيمة العرض الذي استعان فيه بمصمم القبعات، ستيفن جونز لإبداع قبعات على شكل طيور ضخمة حملت الحضور إلى عالم فانتازي وخلقت خلفية مثيرة لقطع الأزياء التي توالت بشكل يشد الانفاس.

صور البجع لم تقتصر على خلق تأثير درامي، بل طبعت الكثير من التصاميم من خلال نقشات مقصوصة باللايزر لتبدو وكأنها مخرمات تداخلت مع الدانتيل ليصبح من الصعب التفريق بينهما، إلى جانب رسمات على فساتين وكأنها «تي - شيرتات» تم تنسيقها مع تنورات مستقيمة وضيقة بألوان معدنية.

لا يختلف اثنان أن كل ما في العرض كان بمثابة عرض مسرحي، ضم في المشهد الأول قطعا مفصلة عبارة عن تايورات بالأبيض أو الفضي البراق، فيما غطت اقنعة من الريش وجوه العارضات وتربعت الطيور على رؤوسهن.

المشهد الثاني لم يقل إثارة ولعبت فيه الفساتين دور البطولة، بتصاميمها المتنوعة التي أججت الرغبة فيها، بما في ذلك الفضية التي بدت وكأنها مصنوعة من ورق الالمنيوم.

ضم المشهد أيضا تنورات وفساتين كوكتيل إلى الركبة بألوان متنوعة تباينت بين الاسود والأحمر والأبيض والفضي البراق. أما المشهد الأخير فتحولت فيه عارضة تلبس فستانا طويلا إلى بجعة ناعمة نفشت ريشها بخيلاء.