تطوير مسابر بروتينات فلوريسينتية تجعل صور الأعضاء الداخلية أكثر دقة ووضوحا
تشهد الأجهزة الطبية للتصوير بالأشعة استخداما ورواجا هائلا ومتزايدا، والتي من أهمها أجهزة الأشعة السينية (أشعة إكس)، والتصوير بجهاز الرنين المغناطيسي، والتصوير بواسطة الأشعة المقطعية.
إلا أنه من الأمور المثيرة للجدل بخصوص أجهزة التصوير هذه، الخطر المحتمل لتأثيرات الإشعاع الناتجة عن استخدامها، كما أن الصور الناجمة عنها قد تكون غير واضحة، وبخاصة صور التركيبات الداخلية للجسم وأنسجته الكثيفة، والتي قد تعوق التقاط الصور أو تضعفها، هذا بالإضافة إلى التكلفة المرتفعة لهذه الأجهزة.
لهذا يبحث العلماء حاليا عن وسائل وأساليب جديدة ومتطورة يمكن أن تتجاوز السلبيات المحتملة لأجهزة التصوير الحالية.
ومن بين هذه الأساليب الحديثة، ما قام به باحثون في كلية ألبرت أينشتاين للطب في جامعة يشيفا في الولايات المتحدة، من تطوير أول مسبار بروتين فلوريسينتي للتصوير، سوف يمكن العلماء من رؤية الأعضاء الداخلية، من دون الحاجة إلى مشارط جراحية أو تقنيات التصوير بالأشعة الحالية، والتي يمكن أن تكون لها آثار جانبية أو تتسبب في زيادة التعرض للإشعاع. وقد وصفت نتائج هذه الدراسة على الموقع الإلكتروني لمجلة «نيتشر بيوتكنولوجي» في 17 يوليو (تموز) الحالي.
ويمكن للمسبار الجديد أن يكون انفراجة في التصوير الكامل للجسم، حيث سيسمح للأطباء على سبيل المثال برصد نمو الأورام من أجل تقييم فعالية العلاجات المضادة للسرطان. وعلى النقيض من التقنيات الأخرى للمسح الضوئي للجسم، فإن التصوير بالبروتين الفلوريسينتي لا ينطوي على التعرض للإشعاع أو يتطلب استخدام عوامل التباين.
يذكر أن المسبار الفلوريسينتي (Fluorescent probe)، هو مسبار تميزه صبغة فلوريسينتية بحيث يمكن التقاط الإشارة المنبعثة منه بواسطة طرق للقياس الضوئي.
وعلى مدى السنوات الـ20 الماضية استخدم العلماء مجموعة متنوعة من البروتينات الفلوريسينتية الملونة والمستمدة من قناديل البحر والشعاب المرجانية في التجارب العلمية لتصوير الخلايا وعضياتها والجزيئات الخلوية ورصد التغيرات الحادثة، ولكن باستخدام مسابر البروتينات الفلوريسينتية سوف يمكن تدقيق النظر داخل الثدييات لرؤية أعضائها الداخلية بوضوح ودقة، والتي تشكل حاليا تحديات كبيرة.
ويعد المجهر (الميكروسكوب) الفلوريسينتي، حاليا، على الأرجح أكثر تقنية ميكروسكوبية استخداما، حيث يتيح رصد التركيب الجزيئي للهياكل الخلوية والكشف عن هويتها من خلال استخدام مسابر فلوريسينتية ذات علامات كيميائية عالية الدقة. وفي التطورات الحديثة، تم استخدام مسابر فلوريسينتية للدراسات البيولوجية، تستعمل فيها بروتينات فلوريسينتية طبيعية.
وتعد قناديل البحر مصدرا للبروتينات الفلوريسينتية، فنوع قنديل البحر المسمى (Aequorea)، ينتج بروتينا فلوريسينتيا طبيعيا يسمى «البروتين الفلوريسينتي الأخضر» ((Green Fluorescent Protein أو (GFP)، يستخدم في التجارب والدراسات العلمية البيولوجية مثل تصوير توزيع الخلايا والجزيئات، وقد تم استنساخ جين هذا البروتين ونقل تأثيره إلى الكائنات الحية الأخرى.
ولهذا فإن مسابر تصوير الخلايا والجزيئات، سوف تسهم في تشخيص ومتابعة الأمراض، إذ إنها بإمكانها إظهار الأجزاء المصابة بالمرض على المستوى الخلوي بدقة ووضوح، وتوفير صورة من شأنها تحديد نجاعة العلاج، فهذه المسابر تعمل مثل أجهزة تصوير، حيث تظهر الأماكن المصابة بالمرض أو توفر تقييما لأبعاد العلاج المقترح، ومن دون الحاجة إلى أخذ عينات نسيجية للفحص لتشخيص المرض.
ففي معمل الدكتور فلاديسلاف فيركوشا، المؤلف المشارك في الدراسة المنشورة بمجلة «نيتشر بيوتكنولوجي»، والأستاذ المشارك بقسم علم التشريح والبيولوجيا التركيبية في كلية أينشتاين للطب، بجامعة يشيفا، قام الباحثون بهندسة بروتين فلوريسينتي من فيتوكروم بكتيري (أصباغ من أنواع بكتيرية تستخدم للكشف عن الضوء) يقوم بامتصاص الضوء وانبعاثه. وقد استهدف الباحثون استخدام البروتين الفلوريسينتي الجديد في كبد الفئران، وهو عضو من الصعوبة بمكان تصويره بسبب محتواه العالي من الدم.
يقول الدكتور غريغوري فيلونوف، المؤلف المشارك أيضا في هذه الدراسة، إن «الدراسة توصلت إلى أن التصوير بالبروتينات الفلوريسينتية الجديدة كان أعلى دقة ووضوحا بكثير من البروتينات الفلوريسينتية الأخرى، في رؤية أكباد الحيوانات الحية». وأضاف أن «البروتينات الفلوريسينتية الجديدة، لا تنتج فقط صورة أكثر وضوحا بكثير، وتباين أعلى من البروتينات الفلوريسينتية الأخرى، ولكن أيضا كانت مستقرة جدا مع مرور الوقت، ونعتقد أنها سوف توسع بشكل كبير من الاستخدامات المحتملة لتصوير الجسم كاملا».
وقد بينت التجارب الإضافية التي أجراها الباحثون، أن البروتينات الفلوريسينتية المستخدمة كانت غير سامة. وأشار الدكتور فيلونوف إلى أن التصوير بالبروتين الفلوريسينتي لا ينطوي على أي خطر إشعاعي، والذي يمكن أن يحدث مع الأشعة السينية القياسية (أشعة إكس) والتصوير بالأشعة المقطعية (ct-computed tomography).
وفي مقال منشور عام 2009 ضمن «رسائل هارفارد الصحية»، التي تصدرها جامعة هارفارد الأميركية، ورد أنه في التصوير بالأشعة المقطعية (CT)، يتطلب إرسال إشعاع عبر الجسم لالتقاط صور لتركيباته الداخلية، وتقوم الأنسجة الكثيفة فيه مثل العظام بمنع الأشعة أو إضعافها، ولذلك فإنها تبدو بيضاء في صور المسح، كما هو الحال عند تصويرها بالأشعة السينية (أشعة إكس)، إلا أن جهاز الأشعة المقطعية، وبدلا من التقاطه لصورة واحدة من الفيلم في أثناء توجيه جرعة واحدة من الإشعاع، فإنه يخلق العديد من صور المقاطع في وقت واحد.
ويواصل كل من الدكتور آرون سوديكسون ورامين خراساني في مستشفى بريغهام والنساء التابع لجامعة هارفارد، عملهما ضمن برنامج طموح لتأمين السلامة من الإشعاع الذي يمكن أن ينتج عن أجهزة التصوير بالأشعة، حيث يقومان بالتعاون مع باحثين آخرين في مركز المستشفى للتصوير المستند إلى الأدلة، على وضع قاعدة بيانات حول الإشعاع المتراكم لدى المرضى الذين يخضعون للمسح بالأشعة داخل المستشفى.
وسوف يستخدم هؤلاء الباحثون هذه البيانات لتطوير «أداة لدعم القرار» (decision support tool)، تحذر الأطباء عبر الكومبيوتر على سبيل المثال، من خلال ظهور نافذة صغيرة على الشاشة، عندما يطلبون إجراء تصوير جديد بالأشعة المقطعية لمريض تراكمت لديه جرعات عالية من الإشعاع بعد تعرضه سابقا لعمليات التصوير.
وفي عام 2008، أعلن الدكتور سوديكسون وزملاؤه نتائج دراسة شملت كل فرد خضع لتصوير بالأشعة المقطعية في مستشفى بريغهام عام 2007، وبلغ عددهم الإجمالي نحو 31 ألف فرد. وعندما دقق الفريق البحثي في تاريخ خضوعهم للتصوير، ظهر أن 1500 منهم (5 في المائة) خضعوا لـ23 تصويرا أو أكثر بالأشعة المقطعية خلال السنوات الـ22 الأخيرة، و300 آخرين خضعوا لأكثر من 38 تصويرا.
وعندما أخذ الباحثون بنظر الاعتبار عوامل السن والجنس وأجزاء الجسم والتعرض للإشعاع، توصلوا إلى تقديرات بأن نحو 2300 فرد (7 في المائة) قد تعرضوا لجرعات من الإشعاع بالأشعة المقطعية تكفي لزيادة خطر السرطان لديهم بنسبة 1 في المائة، أكثر من «مستوى الخطر الأساسي» (baseline cancer rate)، وهو 42 في المائة في الولايات المتحدة.
و«مستوى الخطر الأساسي» هو النسبة المئوية من تعداد السكان الذين من المتوقع أن يظهر لديهم السرطان في أي فترة من حياتهم. لهذا يعد تقليل التعرض للإشعاع حيثما كان ممكنا خطوة مهمة وذكية. وقد أخذ بعض اخصائيي الأشعة في العمل على إيجاد توازن بين نوعية الصور ومقدار التعرض للإشعاع.