بيوت الأزياء .. تقدم ساعات ظاهرها فخامة وباطنها دقة
لا شيء في عالم الموضة يبقى على حاله، فمن دون تغيير لا تكون هناك موضة أساسا. من هذا المنطلق، بدأت تتردد في أوساط الموضة منذ فترة أصداء بأن السوق ستتعافى من جنون حقائب اليد، وبأن على صناع الترف والأناقة البحث عن بديل آخر يبيض لهم ذهبا. وإذا كان هذا البديل من ذهب فهذا لن يضر، بالنظر إلى تعطش سوق المنتجات المترفة إلى كل ما هو متميز وغير متاح للجميع.
مع الوقت تبين لهم أنهم مهما أدخلوا من ماس ولؤلؤ وغيرها من الأحجار في تزيين بعض الإكسسوارات مثل النظارات الشمسية والهواتف المحمولة مثلا، إلا أن الأسواق النامية في آسيا وروسيا والشرق الأوسط باتت تريد إكسسوارا يمكن استعماله بشكل يومي، مثل الحقيبة، وفي الوقت ذاته يرمز إلى المكانة والأناقة ويمكن الحفاظ عليه للأبد، منطلقين من قناعة بأنه إذا كان بسعر عال فلا بد أن يتوفر على عنصر الاستثمار.
نقطة مهمة وأساسية فهمها صناع الموضة الذين لم يغلبوا في إيجاد بدائل تلبي الطلب، ومن هنا بدأوا في التسلل إلى عالم المجوهرات والساعات ونجحوا في محاولاتهم إلى حد كبير من خلال ساعات اليد.
فساعة يد تحمل توقيع بيت أزياء معروف وبتقنيات شركة سويسرية عريقة، يمكن أن يكون لها مفعول السحر بحيث تعوضهم على ما يمكن أن يخسروه في حال عزفت المرأة عن المنتجات الجلدية.
فالساعة، مثل الحقيبة، سهلة وعملية ويمكن أن ترافق المرأة، والرجل على حد سواء، في أي مكان بغض النظر عن المناسبة، كما أنها تتماشى مع الزي التقليدي والتراثي، كما مع الزي العصري. أي أنه يمكنهم أن يخاطبوا بها كل الأجناس والجنسيات، عدا أن قيمتها أكبر وتدخل في خانة الاستثمار.
فساعة من «لوي فيتون» أو «هيرميس» أو «شانيل» أو «فرساتشي» أو «ديور» مثلا قد تكون بسعر يتعدى آلاف الدولارات، لكنها تدوم أكثر من حقيبة من نفس الدار وبنفس السعر، باستثناء حقيبتي «هيرميس» الـ«بيركين» و«كيلي» بالطبع، فهما أغلى في بعض الحالات، ويعتبران استثمارا بحكم أن موضتهما لا تموت.
لهذا كان من البديهي أن تركب معظم بيوت الأزياء الموجة وتبدع ساعات أنيقة، بدأت أسعارها ترتفع سنة بعد سنة بوتيرة تطرح عدة تساؤلات، أجاب بعضهم عنها بالقول إنها لم تعد تأخذ الزينة وحدها بعين الاعتبار، أي التصميم والألوان والخامات، بل تحرص أن تتضمن تعقيدات وحركات وتقنيات عالية تدخلها عالم الساعات الفخمة من أوسع الأبواب.
لكن المشكلة هي أن الأسعار المرتفعة لبعضها، جعلت الأمور تختلط على البعض ممن يرى أن الخيط بين ما تطرحه هذه البيوت من ساعات أنيقة، وما يخرج من معامل شركات الساعات السويسرية العريقة بات رفيعا جدا، مما يثير الكثير من البلبلة والتشويش في ذهن المستهلك. فهل هي ساعات موضة يجب تغييرها بتغير المواسم، أم ساعات متخصصة لمدى العمر؟
فساعة من «شانيل» بوظيفة توربيون، مثلا، لا يمكن أن تقارن بساعة من محلات موضة شعبية مثل «غيس» قد تكون كبيرة الحجم وأنيقة لكن تعقيداتها ووظائفها بسيطة لا ترقى لمستوى تلك التي تطرحها باقي بيوت الأزياء سواء كانت «شانيل»، «هيرميس»، «لوي فيتون»، «ديور»، «دانهيل» أو «رالف لوران» وغيرها.
فبعض هذه البيوت أصبحت تنظر بفوقية إلى بعض الحركات، مثل الكوارتز التي ظهرت في ثمانينات القرن الماضي، وكادت أن تودي بصناعة الساعات السويسرية، لولا تدخل الراحل نيكولا حايك باستغلالها لصالحه، مما أعاد حركة المعامل السويسرية إلى الدوران.
ما قام به نيكولا حايك كان بمثابة المعجزة حيث استغل هذه الحركة غير المعقدة والآتية من اليابان، وأطلق ساعات «سواتش» يمكن أن يطلق عليها ساعات موضة، تخاطب شرائح أكبر من الناس بالنظر إلى أشكالها الأنيقة وألوانها المتنوعة وأسعارها الرخيصة.
فهي مصنوعة بخامات غير مكلفة، حتى وإن كانت حركتها الميكانيكية دقيقة ولا يمكن انتقادها أو التقليل منها بأي حال من الأحوال. وهكذا كتب الراحل نيكولا حايك فصلا جديدا من فصول صناعة الساعات في العصر الحديث وأدخل مصانع سويسرا عالم الموضة من باب الكوارتز.
وكانت هذه الساعات حينئذ بديلا للساعات الغالية التي كانت ولا تزال تستهوي هواة اقتناء الساعات الفاخرة والمعقدة، التي تصنع بحرفية يدوية عالية وتستغرق أياما وشهورا، إن لم نقل أعواما، لتنفيذ حركاتها وتعقيداتها بالإضافة إلى عمليات الترصيع والحفر التي تمر بها.
في البداية، التي يمكن القول إنها كانت في التسعينات وبداية الألفية، راقت الفكرة لبيوت الأزياء، فدخلت هذا المجال من نفس باب، وأطلق على ساعاتها مصطلح الموضة، وهو مصطلح لا يزال متداولا بالنسبة لبيوت أزياء مثل «بيربيري»، «نينا ريتشي»، «دولتشي أند غابانا»، «دونا كاران»، «غوتشي» وغيرها. والسبب أن صنعها تم بموجب ترخيص من أحد بيوت الموضة.
وكان لا بد أن يزعج هذا الأمر بيوتا أخرى أصبحت ساعاتها ترقى لمصاف الساعات المتخصصة والفريدة بتعقيداتها ووظائفها إلى جانب تصميمها.
فمن غير المنطقي وضع مجموعة توربيلون مرصعة بالماس وبتقنيات عالية في نفس الفئة التي تضم ساعة كل مؤهلاتها أنها تنتمي إلى بيت أزياء، مهما كانت أناقتها ورغم أنها من الساعات الجيدة وتفي بالمطلوب.
وحتى داخل هذه الصناعة، لا يزال وصف «ساعة موضة» يرتبط بساعة تحمل اسم مصمم أو بيت أزياء، رغم أن العارفين بدأوا يفرقون بين الاثنين.
فساعة تقدر قيمتها بـ300 دولار أو 1000 دولار يصعب مقارنتها بساعة «شانيل» التي تصل قيمتها إلى 130 ألف دولار، أو ساعات «دانهيل» Dunhill التي تتميز بحركة متفوقة ودقيقة تقدمها لها شركة جايغر - لوكولتر Jaeger - LeCoultre السويسرية المعروفة، وتتميز بأداة ضبط عالية الدقة والتخصص بمعدل عشر ثانية. كما أن تاريخها يعود لأكثر من قرن من الزمان، وتعاونت سابقا أيضا مع كل من شركات «زينيث»، «ميزون بانتر»، «كونسيبتو» أو «أورني وجيراردان».
وبالمثل، دار «هيرميس»، التي تصنع ساعاتها في سويسرا بواسطة واحدة من أشهر مصنعي الساعات في العالم، شركة «فوشير مانوفاكتشر فليوريه»، وساعات «ديور» و«لوي فيتون» وغيرهما.
ما يحسب لهذه الساعات أنها تجمع الأناقة والموضة بالدقة، ولا تحاول التنصل من تاريخها في مجال الموضة، بل العكس تفخر به وتوظفه بشكل جيد. في هذا الصدد، يعلق حمدي شطي، نائب رئيس قسم المجوهرات والساعات بدار «لوي فيتون» لـ«الشرق الأوسط»: نحن لا نخاصم الموضة، بل العكس، فساعاتنا تعانقها، لأنها تعبر عن عالم «لوي فيتون»، الذي يمثل السفر والترحال.
فهي تجمع المظهر الأنيق بالوظائف المتعددة والتقنيات العالية الدقة. ويتابع: «المهم بالنسبة لنا هو أن تتماشى مع روح (لوي فيتون) التي تتوخى الابتكار والجودة في الوقت ذاته، لهذا نستهدف الزبون العارف بتقنيات عصرية ومتطورة لكن بطريقة مرحة».
بدورها لم تنكر لورانس نيكولا، المسؤولة عن جانب الساعات في دار «ديور» بأن ساعات «ديور» كانت حتى عام 2003 تدخل ضمن الموضة، لكنها بعد ذلك التاريخ، غيرت جلدها وأصبحت أكثر تخصصا، والآن رجعت إلى جذورها في مجموعتها الجديدة «ديور VIII»، وهي جذور متأصلة في الـ«هوت كوتير» الأمر الذي انعكس على شكلها وخاماتها. تشرح لورانس قائلة: «مهم بالنسبة لنا أن يعرف الجميع بأن ساعاتنا مطبوعة بالدقة السويسرية.
فكل حركاتها مصنوعة في معامل سويسرية عريقة بـ(لاشو دو فون)، لكن نحرص أن تبقى ضمن الأسلوب الفني الذي تتميز به (ديور). فنحن بيت أزياء له تاريخ في مجال (الهوت كوتير) ولا يمكن أن ننسلخ عن عالم الموضة، لأن شهرتنا مبنية على الفنية والإبداع والابتكار، لهذا من المهم أن تعكس ساعاتنا هذا الأمر أيضا».
وتشير لورانس أيضا إلى أن تاريخ الدار في مجال الموضة، فضلا عن التقنيات والمهارة التي تنفذ بها كل ساعة، تجعلها لا تعترف بالزمن أو بصرعات الموضة المتغيرة.
فمثلا ساعة «ديور كريستال مستيريوز» لم تكن لترى النور لولا مهارة معاملها الخاصة و«ميزون كوينتينغ» الشركة الوحيدة التي كان بإمكانها ابتكار ساعة يد بالمواصفات التي طرحت بها.
أما الفرق بينها وبين ساعات الموضة الأخرى، بالإضافة إلى تنفيذ الحركات والتعقيدات وكل الوظائف في معامل سويسرا المتخصصة، فهي الخدمة التي تقدمها الدار على المقاس، تماما مثل «الهوت كوتير»، حيث توفر للزبون قطعة واحدة لا مثيل لها.
فـ«ديور» كريستال، مثلا، طرحت في 2010 بعدد محدود لا يتعدى الـ8 ساعات، و«لايدي دو ديور» بعدد لا يتعدى الخمس ساعات لأنها معقدة الوظائف وذات تقنيات عالية جدا. ومجموعتها الجديدة «ديور VIII» ربما هي أكثر ما يعانق الموضة ويعكس جمالياتها وفخامتها، الأمر الذي تقول لورانس نيكولا عنه: «نركز حاليا على روح (ديور) وإرثها المتجذر في الـ(هوت كوتير) أكثر من التركيز على الجانب التقني».
من جهتها أيضا، لا تمانع شركات الساعات السويسرية العريقة في دخول عالم الموضة، وظلت منذ زمن تغازل هذا العالم وتتقرب له، وإن لم تنس يوما أن شهرتها والثقة التي تتمتع بها يعودان إلى دقة تقنياتها وتطورها المستمر في هذا الجانب.
أما تعاون بعضها مع بيوت الأزياء، بتزويدها بحركاتها أو خبراتها، فلا يمسها بشيء، بالعكس، فإنها تنظر إلى الأمر كتطور طبيعي في ظل تزايد الطلب على كل ما هو متميز، ثم إن الاستفادة في النهاية تصب في صالح جميع الأطراف.
1) ساعة خاصة بالرياضات المائية، ومنها الخوص، صممت بشكل رياضي أنيق وبمواد صلبة مثل علبتها المصنوعة من الفولاذ، وسوارها المصنوع من المطاط. ولا تخفي الدار أنها أرادتها متطورة، لكن تعكس صورة «لوي فيتون» كدار أزياء مشهود لها بالأناقة
2) ساعة «كايب كود» من «هيرميس» تخاطب الموضة بلونها الأزرق الذي يحاكي ألوان الموج والسماء، تتميز بسوار من الجلد وميناء أبيض. تتميز أيضا بحركة كوارتز وعلبة من الصلب وبزجاج عاكس للضوء
3) ساعة V - Race من «فرساتشي» بنسخة كرونوغراف مع حركة ثوان ارتجاعية. تتميز الساعة بعلبة مطلية تبعا لتقنية الـ«آي بي» باللون الذهبي الوردي، وبإطار ميناء اسود، فيما تعبر الواجهات الرقمية الثلاث عن جودة الساعة ومظهرها الحيوي مع حركتها السويسرية من نوع ETA G15.261. ومن حيث الشكل فهي تتميز بسوار من جلد التمساح بلون أسود
4) ساعة «ديور VIII» مستوحاة من الـ«هوت كوتير»، بالأحرى من فساتين مفصلة على المقاس فخمة من الحرير أو التافتا أو الأورغنزا، كما تخاطب امرأة تميل إلى الأحجار الكريمة لتزيدها بريقا في المناسبات
5) ساعة «ديور كريستال) بحجم 38 ملم، بحركة كرونوغراف كوارتز، مصنوعة من الذهب الوردي وسوار بنفسجي من جلد الأفعى، مرصعة بالماس والسفير الأبيض. مواصفات تعكس قدراتها التقنية العالية واحترامها لتاريخها المتجذر في الموضة الراقية
6) ساعة من «دانهيل» بقرص من الماس الأسود الممزوج بالورنيش، بنظام حركة «جايغر لي كولتر» الأوتوماتيكية – التي تظهر من خلال ميزة الخط المزدوج على القرص والتاج – واللمسة الرجالية من سوار جلد التمساح الأسود الخالي من اللمعة