إنقاص مستويات الكوليسترول .. يقي من العدوى الفيروسية والسرطان
يعتقد الكثيرون أن ارتفاع الكولسترول يؤدي فقط إلى تصلب الشرايين وزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأزمات القلبية والسكتة الدماغية، إلا أن الدراسات الحديثة أكدت وجود علاقة بين ارتفاع الكولسترول وزيادة مخاطر الإصابة بالسرطان ونمو خلاياه وانتشارها، كما أكدت أن إنقاص الكولسترول يساعد على تنشيط الجهاز المناعي بالجسم لمقاومة العدوى الفيروسية.
ونتيجة للاهتمام المتزايد بفوائد الكولسترول العالي الكثافة HDL (الحميد)، اتجهت الأبحاث إلى قياس وظيفة الكولسترول الحميد مقارنة بقياس مستوياته بالدم، كما تضافرت جهود العلماء للبحث عن مستهدفات علاجية أكثر أمانا من العقاقير المتاحة حاليا لعلاج ارتفاع الكولسترول بالدم.
الكولسترول ومقاومة الفيروسات
وقد أشارت دراسة نشرت في شهر مارس (آذار) 2011 في مجلة PloS - Biology إلى العلاقة المباشرة بين مستويات الكولسترول بالدم وكفاءة الجهاز المناعي بالجسم.
واكتشف الباحثون أن تعرض الجسم للعدوى الفيروسية وبعض أنواع البكتريا من شأنه استثارة الجهاز المناعي لإفراز هرمونات مناعية مسؤولة عن إرسال إشارات إلى خلايا الدم للإقلال من مستويات الكولسترول، الأمر الذي يؤدي إلى حرمان الجراثيم من فرصة النمو والتكاثر وإحداث العدوى.
ويأمل الباحثون في إجراء المزيد من الدراسات للتوصل إلى آليات تستهدف الجهاز المناعي والتمثيل الغذائي للكولسترول، وإمكانية الاستفادة من استخدام العقاقير المخفضة للكولسترول في تنشيط الجهاز المناعي ومقاومة العدوى الجرثومية للتغلب على مشكلة مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية التقليدية التي تستهدف الجراثيم مباشرة.
الكولسترول الحميد ضد السرطان
بالإضافة إلى أهميته في نقل الكولسترول من الدم إلى الكبد والإقلال من خطورة الإصابة بأمراض القلب والشرايين، أشارت الكثير من الدراسات إلى الدور المهم للكولسترول الحميد HDL في الإقلال من مخاطر الإصابة بالسرطان، ومنها دراسة نشرت خلال شهر مارس 2011 في مجلة American journal of pathology، وأشارت إلى وجود علاقة عكسية بين ارتفاع الكولسترول الحميد HDL ومخاطر الإصابة بسرطان الأمعاء Bowel cancer.
واعتمدت الدراسة على قاعدة بيانات لبرنامج بحثي، اشتمل على أكثر من نصف مليون شخص في نحو 10 دول أوروبية، لدراسة العلاقة المزدوجة بين السرطان والغذاء، حيث قام الباحثون بمقارنة القياسات المختبرية والبيانات الخاصة بأكثر من 1200 مصاب بسرطان الأمعاء والمستقيم، وعدد مماثل من الأصحاء في نفس المراحل العمرية والنوع.
وأكدت النتائج أن ارتفاع مستوى الكولسترول الحميد HDL وأحد مكونات الكولسترول الحميد المعروف علميا باسم Apo - A، تتناسب عكسيا مع مخاطر الإصابة بسرطان الأمعاء، لكنها لا تتناسب مع مخاطر الإصابة بسرطان المستقيم.
فقد أكدت الأرقام الإحصائية أن خطورة الإصابة بسرطان الأمعاء تنخفض بمقدار 22 في المائة لكل ارتفاع في قياس الكولسترول الحميد HDL بمقدار 16 ملغم لكل ديسيلتر من الدم، وتنخفض خطورة الإصابة بمقدار 18 في المائة لكل ارتفاع في قياس Apo - A بمقدار 32 ملغم لكل ديسيلتر من الدم.
وأكد الباحثون أن انخفاض الكولسترول الحميد يرتبط بارتفاع نسبة بروتينات تتسبب في إحداث سلسلة من التفاعلات الالتهابية ينتج عنها تغيرات سرطانية بالخلايا، وفي المقابل يؤدي ارتفاع الكولسترول الحميد إلى زيادة إفراز أنواع أخرى من البروتينات مسؤولة عن مقاومة الالتهابات المسببة لحدوث السرطان.
وفي تقرير نشر خلال شهر يونيو (حزيران) 2010 في مجلة الجمعية الأميركية لأمراض القلب، اشتمل على تحليل نتائج 24 دراسة تناولت العلاقة بين ارتفاع الكولسترول الحميد HDL والوقاية من أمراض القلب والسرطان، أكد الباحثون وجود علاقة عكسية بين ارتفاع الكولسترول الحميد ومخاطر الإصابة بالسرطان.
وقد أكدت نتائج الدراسات أن خطورة الإصابة بالسرطان تنخفض بنسبة 34 في المائة لكل ارتفاع في مستوى الكولسترول الحميد HDL بمقدار 10 ملليغرامات لكل ديسيلتر من الدم، وذلك بعد استبعاد عوامل السن والجنس ومقياس كتلة الجسم والتدخين ومستوى الكولسترول المنخفض الكثافة (الضار) LDL وغيرها من عوامل الخطورة المسببة لحدوث السرطان.
وأرجح الباحثون الدور الوقائي للكولسترول الحميد كونه عاملا مضادا للتأكسد يحمي الخلايا من التدمير الناتج عن الجهد التأكسدي Oxidative stress المتسبب في حدوث تغيرات سرطانية بالخلايا، بالإضافة إلى تنشيط جهاز المناعة بالجسم للوقاية من السرطان.
الكولسترول وسرطان البروستاتا
كما نشرت خلال شهر فبراير (شباط) 2009 في مجلة American journal of pathology، دراسة أشارت إلى أهمية إنقاص الكولسترول للوقاية من مخاطر الإصابة وانتشار سرطان البروستاتا.
وأكدت الدراسة أن ارتفاع الكولسترول بالدم يتناسب طرديا مع زيادة نمو وانتشار الخلايا السرطانية بالبروستاتا، وأن تناول عقار Ezteimibe (Zetia) الذي يمنع امتصاص الكولسترول من الأمعاء يؤدي إلى تراجع عملية نمو الأوعية الدموية المغذية للأورام Angiogenesis، مما يؤدي إلى تراجع نمو وانتشار أورام البروستاتا.
والجدير بالذكر أن الكثير من الدراسات السابقة أشارت إلى العلاقة بين زيادة مخاطر الإصابة بأورام البروستاتا والإكثار من تناول الدهون المشبعة في النظام الغذائي الغربي، كما أكدت دراسات تحليل الأنسجة تراكم كميات كبيرة من الكولسترول في أنسجة أورام البروستاتا.
لذلك أكد الباحثون أن إنقاص الكولسترول من خلال النظام الغذائي أو ممارسة الرياضة والحركة أو تناول عقاقير آمنة لخفض الكولسترول بالدم يحمل المزيد من الفوائد، ومنها الإقلال من مخاطر الإصابة بسرطان البروستاتا بالإضافة إلى الحد من نمو وانتشار الورم السرطاني في حالة حدوثه.
قياس الكولسترول الحميد
اقتناص الكولسترول من داخل خلايا كرات الدم البيضاء، المعروفة باسم خلايا (Macrophages)، يعد إحدى الوظائف المهمة للكولسترول الحميد التي تلعب دورا هاما في الوقاية من تراكم النتوءات الدهنية على جدران الأوعية الدموية والإصابة بتصلب الشرايين.
وأشارت دراسة نشرت خلال شهر يناير (كانون الثاني) 2011 في مجلة الجمعية البريطانية NJM، إلى تمكن الباحثين من استحداث اختبار جديد أطلقوا عليه Cholesterol efflux capacity لقياس وظيفة الكولسترول الحميد وقدرته على اقتناص الكولسترول من داخل خلايا كرات الدم البيضاء.
وأجريت الدراسة على عدد من المتطوعين ومصابين بأمراض الشرايين التاجية، حيث قام الباحثون بقياس سمك جدار الشريان السباتي Carotid artery بالرقبة لتحديد درجة الإصابة بتصلب الشرايين، بالإضافة إلى قياسات مختبرية لمستوى الكولسترول، والكولسترول الحميد والاختبار الجديد لقياس القدرة الاقتناصية للكولسترول بالدم.
وأكدت النتائج وجود علاقة عكسية بين سمك جدار الشريان السباتي بالرقبة والقدرة الاقتناصية للكولسترول الحميد بالدم، كما أوضحت أيضا أن الرجال المدخنين يعانون من ضعف الوظيفة الاقتناصية للكولسترول الحميد.
ويؤكد الباحثون أنه على الرغم من أن كمية الكولسترول التي يتم استخلاصها من كرات الدم البيضاء تمثل كمية ضئيلة من الكولسترول في مجرى الدم، فإنها تمثل عاملا مهما للوقاية من أمراض القلب وتصلب الشرايين.. واعتبر الباحثون قياس الوظيفة الاقتناصية للكولسترول الحميد أهم من قياس مستوى الكولسترول الحميد ذاته.
عقاقير حديثة
أكدت دراسة نشرت خلال شهر مارس 2011 في مجلة Cell metabolism توصل الباحثين إلى الكشف عن استهداف إنزيم سكوالين مونو اوكسيجينيز SM لإنتاج عقاقير حديثة تستخدم لإنقاص الكولسترول، تماثل في كفاءتها مجموعة ستاتين Statins المستخدمة حاليا، مع الإقلال من الآثار الجانبية بقدر كبير.
وإنزيم سكوالين مونو اوكسيجينيز SM هو أحد الإنزيمات العشرين التي تدخل في إطار عمليات تجميع وإنتاج الكولسترول بالجسم، والذي كان يعتقد سابقا أنه بمثابة نقطة تفتيش وتحكم للمراحل الأخيرة من إنتاج الكولسترول بالجسم.
والجدير بالذكر أن مجموعة عقاقير ستاتين المتاحة حاليا لمعالجة ارتفاع الكولسترول تستهدف تثبيط إنزيم واحد يسمى HMG - COA، الذي يلعب دورا مبكرا في عمليات إنتاج تجميع الكولسترول بالكبد.. وبالتالي فإن تثبيط الإنزيم بواسطة العقاقير يؤدي إلى تثبيط كافة الخطوات التالية لإنتاج الكولسترول، والتي ينتج عنها مواد لها فائدة. وبالتالي يعاني الأشخاص من التأثيرات الجانبية لاستخدام هذه العقاقير، مثل ألم العضلات وارتفاع إنزيمات الكبد وغيرها من الآثار الجانبية.
ويرى الباحثون أن العقاقير الحديثة التي تستهدف إنزيم SM تستطيع التغلب على هذه الآثار الجانبية، وفي نفس الوقت تعمل بكفاءة عالية للإقلال من ارتفاع الكولسترول بالدم.