عدم تطبيق المرضى للنصائح الطبية .. لغز لا يزال يحير الأطباء
هناك بعض المعضلات الطبية التي يعجز الأطباء بالفعل عن إيجاد حلول لها، وقد يطلبون من الناس، بصدق، العمل معهم على إيجاد تلك الحلول المنشودة. واحدة من تلك المعضلات «تطبيق المرضى للنصائح الطبية» في سبيل حماية أرواحهم وتقليل معاناتهم المرضية.
وليس الطبيب في حقيقة الأمر إلا إنسانا تعلم ومارس كيفية علاج أمراض الناس، ويحاول بكل قدرته وطاقته وفرصته أن يقدم لهم المشورة والنصائح حول ما فيه الخير لصحة أبدانهم ونفسيتهم.
لذا فإن المنطق يقول: إن المريض هو من أحس وعانى المشكلة الصحية، وإذا زال العارض الصحي عنه، فسيكون أول وأكثر من يهتم بصحته ويحرص على الابتعاد عن أي شيء قد يتسبب بانتكاسة حالته الصحية أو عودة الإصابة بالمرض الذي نجا منه للتو.
وأول مظاهر الاهتمام سؤال الأطباء عن الأسباب التي أدت به للإصابة بالمرض، وسبل الوقاية منه، وكيفية الحفاظ على الصحة. ولو كان المرض الذي أصاب الشخص هو «نوبة الجلطة القلبية» heart attack، التي تهدد بشكل مباشر سلامة حياة الإنسان وتطال بالضرر المباشر أهم عضو في الجسم، فإن من المنطقي أن نتوقع اتباع ذاك الشخص لنصائح أطباء القلب حول الوقاية من تكرار الإصابة بالجلطة القلبية، خاصة أن الأطباء يذكرون هؤلاء المرضى بحقيقة مفادها أن الجلطة القلبية قابلة للتكرار، وبالذات في السنوات القليلة التالية للنجاة من الإصابة الأولى.
ومما أصبح يعلمه القاصي والداني، والكبير والصغير، بوضوح، أن الأطعمة الدسمة والعامرة بالملح، التي من أوضح أمثلتها ما يسمى «المأكولات السريعة» fast food، أحد عوامل تدهور الحالة الصحية للقلب وارتفاع الكولسترول وصعوبات معالجة ارتفاع ضغط الدم، خصوصا لدى من هم مرضى بالقلب.
وعليه يتوقع المرء أن يتحاشى المرضى الذين نجوا من نوبة الجلطة القلبية، وخرجوا إلى منازلهم وعادوا إلى حياتهم الطبيعية، الإقبال على تناول الأطعمة السيئة تلك، والحرص على تناول الأطعمة الصحية الغنية بالخضار والفواكه وقليلة المحتوى بالدهون والملح. وسيضبطون كمية السعرات الحرارية كي تنضبط أوزانهم ويتخلصوا من زيادة الوزن.
لكن السؤال هو: هل تجري الأمور كذلك لدى هؤلاء «الناجين» و«المحظوظين»؟ وهل هم يلتزمون بالفعل بالحرص على تناول الأطعمة الصحية، ويبتعدون عن تلك «المأكولات السريعة» كشطائر الهمبورغر والبطاطا المقلية «الفرنش فرايس»، وغيرهما؟ وإن كانت الإجابة أنهم غالبا يعودون «كما عادت ريمة لعادتها القديمة» ويقبلون على تناول «المأكولات السريعة»، فإن الأطباء حقيقة يسألون سؤالا محددا: ما الحل؟
ولمن يريد أن يتعجب، فعليه مطالعة إحدى الدراسات الطبية الحديثة التي طرحتها مجلة «أميركان جورنال أوف كارديولوجي»، أي المجلة الأميركية لطب القلب، في النسخة الإلكترونية الصادرة في 9 فبراير (شباط) الماضي.
والدراسة قام بها الباحثون من جامعة ميسوري في كانسس سيتي، وتتبعوا فيها نمط التغذية لدى نحو 2500 شخص من مرضى نوبة الجلطة القلبية من مختلف مناطق الولايات المتحدة، في الفترة التالية للإصابة بها.
وتبين للباحثين أن ثلث المرضى كانوا بالأصل كثيرا ما يتناولون «المأكولات السريعة» وبشكل متكرر. وبعد 6 أشهر، وجد الباحثون أن نصف هؤلاء المتعودين على المأكولات السريعة قد عادوا بالفعل إلى الإكثار من تناولها وبشكل متكرر! وغالبية هؤلاء كانوا من الذكور، والبيض، والموظفين.
وعلى العكس، كان المرضى كبار السن الذين أجريت لهم عملية التخطي لترقيع شرايين القلب CABG، أكثر حرصا على تجنب تناول «المأكولات السريعة».
وأعاد الباحثون التذكير بأن رابطة القلب الأميركية تحث الناس على تناول اللحوم الحمراء خالية من الشحوم، وعلى تناول الخضار والفواكه، وعلى تجنب تناول الأطعمة التي تحتوي على كميات عالية من الشحوم الحيوانية المشبعة أو التي تحتوي على «الدهون المتحولة» كما في الزيوت النباتية المهدرجة والمستخدمة عادة في القلي، وكذلك تقليل تناول عنصر الصوديوم. وهي، كما قال الباحثون، العلامات الرئيسية لـ«المأكولات السريعة» مثل البورغر بالجبن، والمقليات.
والمشكلة حقيقة ليست في هذا كله، بل هي فيما تبين للباحثين من سؤال هؤلاء الـ2500 شخص: هل تلقيتم إرشادات تغذية واضحة قبل خروجكم من المستشفى؟ أي هل أتيحت لكم الفرصة لجلسة «استشارة غذائية» dietary counseling؟
والإجابة كانت «نعم» لدى أكثر من 90% منهم! لكن على الرغم من توضيح الأمور الغذائية لهم، وعلى الرغم من تذكيرهم بأن هذه الأطعمة السريعة ليست صحية ولا تناسب حالتهم، وقد تتسبب بتدهور صحة قلوبهم التي لا أعز على صحة الإنسان منها، عاد الكثير منهم إليها!
وليس السؤال: لماذا عادوا إليها؟ إذ ليس مهما أي مغريات في طعمها ولا في سهولة الحصول عليها، بل السؤال: لماذا لا يهتم هؤلاء المرضى بصحة قلوبهم ولا يعملون بشكل فاعل على حماية قلوبهم والحفاظ عليها ووقايتها من تكرار عودة الإصابة بنوبة الجلطة القلبية؟
الأطباء بلا شك سيستمرون في إعادة تذكير المرضى بما فيه الخير لصحة قلوبهم، لكن هل تكرار التذكير هو الحل أم ثمة هناك حل أفضل؟