رغم تحذير الأطباء .. الحمل بعد الخمسين حق أم مخاطرة؟!
وضعت فرنسية تبلغ من العمر 59 عاما ثلاثة توائم في مستشفى في باريس بعدما تلقت علاجًا للخصوبة في فيتنام.
والام واطفالها الثلاثة جميعا بصحة جيدة، وتثار سلسلة من الأسئلة حول الحمل بعد الخمسين ومدى أمانه أو خطورته على الأم والجنين والجنس البشرى، واذا كانت انباء حمل المرأة الفرنسية قد أثارت انتقادات واسعة في وسائل الاعلام الفرنسية، حيث لا يجيز القانون في فرنسا تقديم علاج للخصوبة للنساء اللواتي تعدين المرحلة العمرية للانجاب الطبيعي.
فما رأي الأطباء والمتخصصين فى ذلك ؟
يبدو أن حالة المرأة المذكورة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة فقد تعددت حالات ولادة النساء في اواخر الخمسينات والستينات من العمر في عدة دول منذ عام 1994 حين اثار طبيب التخصيب الايطالى سيفرينو انتينوري ضجة دولية بمساعدته امرأة في عامها الثالث والستين على الانجاب.
وقد كشفت دراسة طبية حديثة أن وصول النساء إلى سن الخمسين لا يجب أن يكون سببا يمنعهم من تلقى العلاج الذي يساعدهن على الخصوبة.
لكن الدراسة أشارت إلى احتمال تعرض النساء الأكبر سنا إلى مضاعفات منها ارتفاع ضغط الدم والحاجة إلى الولادة بعملية قيصرية.
وتقول مارلين نولين التي تشارك في برنامج التخصيب الصناعي وعمرها 58 عاما " لدينا أحفاد لكننا لم نتمكن من إنجاب أطفال".
تخيل لو أنك سمعت ان المدام حامل بعد 30 سنة زواج، بعدما يكون أصغر أبنائك على مشارف الزواج وربما يكون تزوج بالفعل ويكون أكبرهم قد أنجب الحفيد الأول.
ترى هل هذا ممكن وهل ستكون لديك القدرة على تربية وتنشئة طفل من جديد بعد أن انتهيت من هذه المرحلة منذ فترة طويلة هل سيكون لديك القدرة العصبية والنفسية والجسمانية لتحمل وجود هذا الضيف الجديد.
مجازفة خطيرة
من الناحية الصحية للحمل فوق الخمسين تحدثنا د. زينب شاهين أخصائى أمراض النساء والولادة قائلة:إن الحمل فى هذه السن يعد مجازفة خطيرة تضطر إليه الأم أحياناً لعدة أسباب مثلاً فى الصعيد قد يكون عدم إنجابها ذكور بغض النظر عن سنها فتتأزم نفسياً وتقدم على هذه التجربة بدون ثقافة صحية أو وعى بإمكانياتها الصحية والنفسية وهنا تتعرض لبعض المشاكل مثل الضغط والسكر أو تسمم الحمل فى الفترة الأخيرة، وقد يؤدى ارتفاع ضغط الدم إلى حدوث انفجار رحمى، وقد يحدث نزيف قبل الولادة ينهى هذه التجربة بفقدان الأم جنينها.
وتضيف د. زينب: إن المرأة فوق سن الأربعين تعانى الشعور بضياع شبابها وتسرب أنوثتها من بين يديها فيؤدى ذلك إلى عصبيتها الشديدة لحدوث تغيرات فى الجهاز الدورى مما يؤدى إلى السهر والقلق وانخفاض عدد ساعات النوم، وقد تصاب أيضاً بزيادة الوزن وبعض الأمراض المزمنة مثل الضغط، السكر، مما يجعلها غير مؤهلة لخوض تجربة الحمل فى هذه السن، وإن نجحت بعض التجارب فهى مخاطرة كبيرة.
الأنوثة مرتبطة بالخصوبة
أما د. أحمد محمد عبدالله مدرس الطب النفسى فيرى أن المرأة الحامل فى هذه السن تشعر بأنها مازالت أنثى ولديها القدرة على الإنجاب خاصة وأن الأنوثة ترتبط بالخصوبة إلى حد ما، ولذا فهى تشعر بالسعادة لكونها أم فى هذه السن، ويسعد الزوج لأنه سيصبح أباً مرة أخرى، وإن كان البعض يشعر بمخاوف عبء التربية ومشكلاتها أو أنه لن يعيش طويلاً ليساعد ابنه فى الحياة، أما الأبناء فهم يشعرون بالأكيد بالحرج والدهشة.
وعن الثقافة الاجتماعية يقول د. أحمد: سنجد المجتمعات التقليدية كالريف والبدو مثلاً أكبر ترحاباً بالأم فوق الخمسين أما المجتمعات الحضرية فهى أكثر رفضاً واستنكاراً لهذا الأمر لأنها مجتمعات نمطية ترفض خروج المرأة عن الشكل النمطى المفروض لها وإلا ستسبب مشاكل.
شعور شديد بالحرج
أصحاب التجارب يتحدثون حيث تقول ( نهى صالح) : شعرت بالحرج الشديد من حملى فى هذه السن المتأخرة ولم أخبر أحد سوى والدتى وزوجى الذى رحب جداً بقدوم فرد جديد للأسرة أما أبنائى فلم يعلموا سوى فى الشهر الخامس من الحمل، وقد استنكر الأمر فى البداية وطلب ابنى منى ألا أذهب معه للمدرسة وأنا بهذا الشكل، كما كانت ابنتى والتى تبلغ 17 عاما تشعر بالحرج من مصاحبتى فى الشارع، ولكن زوجى كان حكيماً واستطاع أن يستوعب الموقف مع أبنائى ليتقبلوا الوضع الجديد حتى أنهم بدأوا فى مساعدتى فى فترة الحمل، وبعد الولادة وحصل زوجى على إجازة لرعايتى!
"هناء عبدالمنعم" وصفت شعور والدتها عندما حملت فى أخيها الصغير وابنتها تبلغ 22 عاما، قالت : امى أصيبت بحرج شديد فى مواجهة الأقارب والجيران فهى لديها بنات متزوجات وأخريات فى الجامعة، ولكنها تحملت هذا الوضع على مضض ثم تغير شعورها تجاه وليدها وارتبطت به بشدة حيث أعاد الحيوية للأسرة كلها.
وتضيف "هناء" أن المشكلة كانت تكمن فى وجود فجوة بين الأم والأخ الصغير بسبب فارق السن الكبير جداً، واختلاف الأجيال فهى تقارنه دائماً بإخوته الكبار بدون إدراك تغير الظروف والحياة المعاصرة.
نعمة كبرى
وتروى "وفاء محمد" قصتها فتقول: فى البداية اكتئبت بشدة عند سماع نبأ حملى ولكن بمساعدة زوجى رضيت بقضاء الله وأدركت أنها نعمة منه وعطاء، وأن هذا الطفل سيكون الونس لنا وامتداد مسئوليتنا فى الحياة، ولكن مازلت أشعر بقدرة من التقصير تجاه ابنتى الصغرى، حيث أنى جسمانياً ونفسياً لا أستطيع الصبر عليها ومجاراتها ومع ذلك فمعظم صديقاتى فى سنى الآن يشعرن بالوحدة بعد هذه السنوات الطويلة.
وجه آخر
وترى "سوزان عباس" والتى لم تخض مثل هذه التجربة:
أن حياتها بدأت تستقر وتهدأ بعد أن كبر أبنائها وخفت عنها قليلاً أعبائهم ومسئولياتهم، فلا نتصور أن تعود لعبء تربية طفل من البداية خاصة وأن هذا الجيل أصبحت تربيته أصعب لوجود من يربى غير الأم فى المجتمع.
وتضيف أعتقد أن إنجابى لطفل فى هذا السن سيكون ظلم له، فلم يعد لدى أعصاب وطاقة لتحمل أخطاؤه مثلاً أو حتى ملاعبته وإعطاؤه حقه على مثل إخوته للكبار.
ورغم ذلك تؤكد مدام سوزان وجود بعض المميزات لتلك التجربة: فوجود طفل فى حياة المرأة فى هذه السن قد يشعرها بالسعادة وأنه مازال لديها دور فى الحياة عليها أن تؤديه خاصة وأن فى هذه الفترة مثلاً تخرج الموظفة على المعاش (المبكر) ويكبر الأولاد وينشغلوا فى جامعاتهم أو عملهم، وتظل هى وحيدة.
ترفض ليلى الشيمى 57 عاما خوض مثل هذه التجربة، قائلة:
فى هذه السن أحتاج لمن يرعانى صحياً ونفسياً، فكيف لى أن أتحمل مسئولية طفل يحتاج لجهد ورعاية، كما إننى ـ والأعمار بيد الله ـ لن أعيش من العمر قدر ما فات، فمتى سأراعيه وأوجهه فى حياته؟ فكأننى هنا حكمت عليه باليتم والوحدة بقية عمره!