الدليل الكامل لأسباب وأعراض وعلاج مرض ارتفاع ضغط الشريان الرئوي
خاص الجمال - وائل نجيب
ارتفاع ضغط الشريان الرئوي (Pulmonary Hypertension) هو مرض ناتج عن الضيق المستمر في الأوعية الدموية (الشرايين) الرئوية وانسداد أجزاء كبيرة منها، وينتج عنه ارتفاع في ضغط تلك الشرايين، مما يؤدي إلى زيادة الجهد على البطين الأيمن للقلب ومن ثم فشله في أداء وظيفته.
في الحالات الطبيعية يقوم البطين الأيمن للقلب، بضخ الدم إلى الرئة عبر الشريان الرئوي المتميز بالضغط المنخفض، فالبطين الأيمن للقلب مصمم للعمل بفعالية فقط في تلك الظروف الخاصة. وعلى خلاف البطين الأيسر، فإن البطين الأيمن لا يستطيع العمل بفعالية في مواجهة ارتفاع ضغط الشريان الرئوي مما يؤدي إلى فشله.
وتختلف الدورة الدموية في الجزء الأيمن من القلب، كل الاختلاف، عنها في الدورة الدموية في الجزء الأيسر من القلب. ففي الجزء الأيمن يُضخ الدم غير المؤكسد عبر الشريان الرئوي لتتم أكسدته في الرئتين، ويكون قياس ضغط الدم الطبيعي في الشريان الرئوي ما بين 20 و25 ملم زئبق. ويتعرض ضغط الدم في الشريان الرئوي إلى الارتفاع، وتكون الأسباب معروفة في 95 في المائة من الحالات وغير معروفة في بقيتها.
أما عن الدم المؤكسد، فإنه يُضخ من الجزء الأيسر من القلب عبر الشريان الأبهر (الأورطى) إلى كافة أنحاء الجسم. وهنا يتم قياس ضغط الدم الطبيعي، حيث يتراوح في حالة انقباض القلب ما بين 120 و130 ملم زئبق، وفي حالة انبساط القلب يتراوح الضغط ما بين 70 و80 ملم زئبق. وهنا أيضا يتعرض ضغط الدم للارتفاع، إلا أن الأسباب تكون غير معروفة في 85 في المائة من الحالات وفي الباقي تكون معروفة.
وحتى وقت قريب كان يعد هذا المرض من الأمراض القاتلة، ففي الفترة السابقة لتوافر الأدوية الحديثة لعلاج المرض، كان المرضى المصابون به يتوفون في مدة زمنية تتراوح بين سنتين إلى ثلاث سنوات من بداية تشخيص المرض وظهور أعراضه السريرية.
وأول اكتشاف لهذا المرض كان بتاريخ 1891 ميلادي، حيث تم تشخيصه في مريض بعد وفاته وتشريحه، وقد تبين أن المريض كان يعاني من تغيرات مرضية وسماكة في جدران الأوعية والشرايين الرئوية، دون وجود أي أمراض أخرى واضحة في القلب أو في الرئة.
وبعد ذلك الاكتشاف بنحو 60 عاما (في عام 1951)، تم تشخيص 39 حالة أخرى بنفس المواصفات، وأطلق على المرض للمرة الأولى مرض «ارتفاع ضغط الشريان الرئوي الأولي».
ونسبة ظهور هذا المرض الخطير بين عامة الناس غير معروفة على وجه الدقة، وقد كانت التقديرات سابقا تقدر تلك النسبة بنحو 1 إلى 2 حالة في المليون، وإن كانت التقديرات اللاحقة قد أعطت نسبا أعلى بكثير من ذلك. ففي الولايات المتحدة الأميركية تشخص نحو 300 حالة جديدة سنويا.
وللأسف الشديد، لا توجد إحصاءات دقيقة عن المرض في المملكة العربية السعودية، ولذلك فإن المجموعة السعودية المتخصصة في أمراض ارتفاع ضغط الشريان الرئوي، والجمعية السعودية لأمراض الرئة في طور القيام بدراسة معدل ظهور وانتشار المرض في المملكة.
ومن الملاحظ أن أغلب المصابين بهذا المرض هن من النساء متوسطات العمر (20 إلى 40 عاما)، ولكن المرض يصيب أيضا الرجال والأطفال بأعمار متفاوتة.
ضغط الشريان الرئوي
إن ارتفاع ضغط شريان الرئة حالة مرضية مهددة للحياة، حيث ينتج عنها عدد من التغيرات، فتتغير بطانة جدار الرئة مسببة إعادة تشكيل للأنسجة، وتتقلص الأوعية الدموية، ويحدث التجلط، وينتج عن ذلك انقباض الأوعية الدموية للرئة فتزيد صعوبة دفع القلب للدم داخل الرئة.
ويعتبر ارتفاع ضغط الدم في الشريان الرئوي لأكثر من 25 ملم زئبق حالة مرضية خطيرة، إن لم تكتشف وتعالج مبكرا، حيث يتعرض الجزء الأيمن من القلب للفشل القلبي، وقد ينتهي الأمر بالوفاة.
وعلى الرغم من أن ارتفاع ضغط الدم الرئوي يعتبر حالة نادرة، فإنه مرض ينتشر في جميع أنحاء العالم ويصيب جميع فئات الأعمار ابتداء من الأطفال وصولا إلى المسنين، وهناك عدة ملايين من البشر يعانون من هذا المرض الذي يصيب 50 شخصا من كل مليون بالغ حول العالم، ويكثر في الفئة المنتجة في الأعمار ما بين 40 و50 سنة، ويزيد في السيدات بمرة ونصف المرة عن الرجال، وقد شرحه علماء المسلمين الأوائل ومنهم ابن النفيس.
سماكة جدران الشرايين
في أغلب الحالات، يكون السبب الرئيسي لحصول المرض غير معروف أو غير ظاهر (ومن هنا سمي المرض ابتداء بارتفاع ضغط الشريان الرئوي الأولي). ويعتقد في مثل هذه الحالات تعرض الرئة وشرايينها إلى صدمة أو تضرر معين (Injury) غير معروفة الأسباب، تؤدي إلى بداية التغيرات في أنسجة جدران الأوعية الدموية وزيادة سماكتها.
تلك التغيرات تكون ناتجة عن عمليات غاية في التعقيد تؤدي إلى حصول اضطرابات في عمل خلايا الأوعية الدموية مما ينتج عنه خلل في توازن عمل تلك الخلايا، وبالتالي زيادة في إفراز بعض المواد المؤدية إلى السماكة المضطردة لجدران الأوعية الدموية وزيادة تصلبها.
أسباب معلومة
وعلى الرغم من أن سبب الصدمة الأولية يكون عادة مجهولا، فإنه وفي بعض الحالات تكون تلك الأسباب معلومة. ومن تلك الأسباب:
- بعض الأدوية المثبطة للشهية (Aminorex & Fenfluramine) التي سحبت من الأسواق، وينظر باهتمام للأدوية الحديثة الأخرى للتأكد من أنها لن تكون شبيهة بالأدوية السابقة.
- بعض الأمراض الوراثية والاستعداد الجيني (BMPR II).
- بعض أمراض الروماتيزم والمناعة (مثل الذئبة الحمراء).
- بعض الأمراض المعدية، كمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) ومرض البلهارسيا.
- الجلطات الدموية الرئوية وأمراض قصور عضلة القلب اليسرى.
- بعض أمراض الدم.
- بعض أمراض الرئتين وقصور التنفس المزمن.
أعراض المرض
أهم أسباب تأخر تشخيص المرض هو عدم وجود أعراض خاصة تثير الاشتباه في المراحل الأولى من المرض. وكذلك فإن ندرة المرض كميا وقلة الخبرات السريرية لكثير من الأطباء، هي أيضا من أسباب تأخر تشخيص كثير من الحالات، فالأعراض المرضية المصاحبة لارتفاع ضغط الشريان الرئوي تكون غير محددة، في معظم الحالات، وتتمثل في: الإرهاق، والشعور بالتعب، والدوخة، وضيق أو عسر في التنفس، وألم في الصدر، وتورم في الكاحلين والأرجل .. ولهذا قد يتأثر تشخيص مرض ارتفاع ضغط الشريان الرئوي لدى المصابين به وأيضا بسبب عدم التفكير فيه من قبل الممارسين الصحيين العامين، مما يكون سببا في أن جميع هذه الأعراض تزداد سوءا مع الإجهاد، وقد تحدث الإغماءة في بعض الأحيان.
ولتفادي حدوث ذلك يُنصح بأن يتم تحويل المرضى إلى المتخصصين في مجال القلب أو الرئة بمجرد التفكير في المرض، حيث يتم التأكد من التشخيص من قبلهم بواسطة استخدام الموجات الصوتية، ورسم القلب، واختبار الجهد، ودلالات الدم، أما التشخيص الدقيق فيتم بإدخال قسطرة خاصة لقياس الضغط داخل الجانب الأيمن من القلب.
وفي المراحل الأولى قد يشتكي المريض من أعراض عامة كالخمول والتعب وآلام الصدر وصعوبة التنفس أثناء الحركة أو بذل المجهود، تزداد مع الوقت، فيعاني المريض في المراحل اللاحقة من صعوبة التنفس في حال القيام بأدنى جهد عضلي أو بدني، حتى أثناء الجلوس.
وقد يشتكي المريض من فقدان الوعي المؤقت عند بذل بعض الجهد، وهذا العرض خاصة يمثل إنذارا خطيرا من أن حالة المريض قد أصبحت متقدمة جدا، وأن أداء عضلة القلب قد فشل فعليا نتيجة عملها ضد مستويات مرتفعة جدا من ضغط الشريان الرئوي (كما ذكر سابقا).
ومن الضروري أن يتمكن الأطباء من تشخيص المرض في مرحلة مبكرة، وخاصة لدى المرضى الذين يعانون من بعض الأمراض المسببة أو المصاحبة لمرض ارتفاع ضغط الشريان الرئوي، كبعض أمراض الدم وأمراض الروماتيزم والمناعة.
التشخيص
يقسم ارتفاع الضغط في الشريان الرئوي إلى 5 أنواع حسب المسببات وهي: ارتفاع ضغط الشريان الرئوي، وارتفاع ضغط الدم الرئوي الناتج عن أمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم الرئوي الناتج عن أمراض الرئة و/ أو نقص الأكسجين مثل ارتفاع ضغط الدم الرئوي الناتج عن الانسداد الرئوي المزمن (COPD)، أو ارتفاع ضغط الدم الرئوي الناتج عن أمراض أنسجة الرئة، وارتفاع ضغط الدم الرئوي المزمن الناتج عن جلطات صمامية، وارتفاع ضغط الدم الرئوي الناتج عن أسباب متعددة غير واضحة.
ووفقا للأعراض المصاحبة يتم تشخيص المرض - بعد الفحص والدراسة الإكلينيكية - يتم على 3 مراحل تسبق العلاج:
- المرحلة الأولى: قياس ضغط الشريان الرئوي.
- المرحلة الثانية: دراسة أسباب ارتفاع ضغط الشريان الرئوي.
- المرحلة الثالثة: دراسة مدى تدهور الحالة وبالتالي اختيار العلاج المناسب.
وفي المرحلة الأولى، تكون الدراسة الأولية لقراءة ضغط الشريان الرئوي عن طريق الأشعة الصوتية للقلب (Echocardiography). فإضافة إلى القراءة الأولية لضغط الشريان الرئوي، فإن تلك الدراسة تعطي انطباعا جيدا عن حالة القلب، ومدى الجهد الواقع على البطين الأيمن بالنظر إلى بعض المؤثرات الأخرى، كسماكة جدار البطين الأيمن، وحجمه ومدى تمدده، وتجمع السوائل حول القلب، وكذلك انحراف الجدار الفاصل بين البطينين.
ومن الأهمية بمكان معرفة أن الأشعة الصوتية للقلب - على الرغم من أهميتها - تعطي فقط انطباعا أوليا، ويستلزم - دائما - القيام بدراسة كاملة للقلب وللرئة عن طريق عملية قسطرة للجهة اليمنى - وأحيانا اليسرى - للقلب، حيث يتم في أثناء تلك الدراسة التشخيص النهائي والأكيد للحالة من جهة، والحصول على بعض القراءات الضرورية المفيدة للطبيب المعالج لمعرفة تقدم الحالة من جهة أخرى.
كما يتم أثناء عملية القسطرة دراسة عمل بعض الأدوية وتأثيرها على وظيفة القلب ومدى استجابة ضغط الشريان الرئوي لها، حيث لا يمكن إعطاء أي أدوية مستقبلا إلا بعد إجراء تلك الدراسات، فبعض الأدوية المستعملة قد يكون لها آثار سلبية شديدة في بعض الحالات إذا أسيء استعمالها.
ولا شك في أن عملية القسطرة التشخيصية للقلب وشرايين الرئة، تعد من الدراسات الآمنة بشكل كبير إذا أجريت في أماكن متخصصة بإشراف الطبيب الصاحب الكفاءة والخبرة المطلوبة.
تحاليل واختبارات
وفي المرحلة الثانية، تتم دراسة الأسباب المعروفة التي قد تسبب المرض (كما ذكر سابقا). حيث يلزم إجراء التحاليل والأشعات اللازمة للتأكد من عدم وجود أمراض مسببة كأمراض الروماتيزم، البلهارسيا، أمراض الدم، مرض الإيدز، الجلطات الرئوية المزمنة، أو غيرها. وفي حالة عدم وجود أي من تلك الأمراض، فإن المرض يسمى - في هذه الحالة - مرض ارتفاع ضغط الشريان الرئوي غير معروف السبب (كان يعرف سابقا بارتفاع ضغط الشريان الرئوي الأولي).
وتهدف المرحلة الثالثة لدراسة مدى تقدم المرض. وتعد هذه المرحلة من المراحل الأساسية لتقييم المريض بعناية، حيث إن استعمال العلاجات الحديثة بأنواعها المختلفة، تعتمد اعتمادا رئيسيا على مرحلة تقدم المرض.
تقييم الحالة وفي هذه الحالة، فإن الطبيب المعالج يعتمد على بعض المعطيات والمعلومات المهمة قبل البدء بصرف أي نوع من أنواع العلاجات.
وتلك المعطيات تعتمد بصورة أساسية على التالي:
1- تلك المعلومات المقدمة من عملية القسطرة الآنفة الذكر، وبالذات الخاصة بعمل وتأثير الأدوية على الشريان الرئوي ووظائف القلب (Vasoreactivity test). فنتيجة تلك الاختبارات تحدد إلى مدى كبير احتياج المريض إلى الأدوية الحديثة المتقدمة (Target therapy)، أم أن حالته يمكن علاجها باستخدام الأدوية التقليدية الموسعة للشرايين الرؤية (Calcium Channel Blockers).
2 - تلك المعلومات المستقاة من أعراض المرض وقدرة المريض على التحرك وبذل الجهد، وتقسم كالتالي بناء على تقسيم منظمة الصحة العالمية:
- المرتبة الأولى: قدرة المريض على القيام بالنشاط الجسدي العادي، الذي لا يؤدي إلى أي زيادة في أعراض المرض (صعوبة التنفس، آلام الصدر، أو فقدان الوعي) وهو التصنيف الوظيفي لجمعية نيويورك للقلب «وفيه لا توجد أعراض مرضية».
- المرتبة الثانية: تظهر فيه أعراض مرضية خلال الأنشطة البدنية الاعتيادية، لكن هذا النشاط يكون مصاحبا لزيادة خفيفة في الأعراض، وتختفي هذه الأعراض تماما عند الراحة.
- المرتبة الثالثة: ظهور بعض الأعراض المرضية خلال الأنشطة البدنية مع وزيادة تراجع في النشاط البدني، بمعني خلو المريض من أي أعراض عند الراحة التامة، إلا أن بذل جهد عضلي بسيط، يكون مصاحبا لزيادة واضحة وحادة في أعراض المرض.
- المرتبة الرابعة: ظهور أعراض مرضية من دون القيام بنشاط بدني؛ أي في وقت الراحة أو حتى في وضع السكون والراحة التامة. وهؤلاء المرضى يغلب عليهم وجود مؤشرات سريرية لفشل القلب (البطين الأيمن) مثل تورم الأقدام.
3 - تلك المعلومات الناتجة عن دراسة حالة الجهد عند المرضى ومدى تأثير الجهد على وضع القلب والرئة خصوصا، وعلى حالة المريض بشكل عام. وعلى الرغم من وجود بعض الأجهزة المتقدمة لإعطاء معلومات دقيقة في هذا المجال، فإن القيام باختبار جهد بسيط (وهو المسافة التي يمكن للمريض أن يقطعها في 6 دقائق) يكون كافيا لإعطاء صورة جيدة عن حالة الجهد عند المرضى المصابين بهذا المرض.
العلاج
بعد القيام بكل ما ذكر آنفا من التشخيص الدقيق للمرض والتأكد من وجود (أو عدم وجود) أي أمراض أو حالات مسببة للمرض، واستخلاص المعلومات اللازمة عن مرحلة تقدم المرض، يقوم الطبيب المعالج بوضع خطة مناسبة للعلاج تقوم على محورين رئيسيين:
1- المحور الأول: يقوم على التأكيد على أن العلاج يشتمل على القسم المختص بالنصائح العامة، التي تعتمد على التالي:
- إرشاد المريض إلى القيام ببعض التمارين الرياضية المتناسبة مع وضعه الصحي العام، دون إفراط، حيث إن القيام بالتمارين العضلية الخفيفة له أثر هام في تأهيل العضلات، وتجنب ضعفها.
- التأكد من أن نسبة الأكسجين في الدم مقبولة قبل القيام بأي مجهود عضلي، حيث إن المرضى المتقدمين في المرض قد يضطرون إلى استخدام الأكسجين بتركيز مختلف للحفاظ على نسبة آمنة لتشبع الدم بالأكسجين خاصة لدى المجهود، أو عند السفر بالطائرة أو الانتقال إلى أماكن ذات ارتفاعات عالية عن سطح البحر تكون عادة مصاحبة لانخفاض نسبة الأكسجين في الدم.
- الحمل والولادة: تنصح النساء المصابات بهذا المرض بعدم الحمل، فالحمل يصاحبه زيادة في حجم الدم وتغيرات في الضغط، قد لا يستطيع القلب المصاب احتماله. ومن هنا فإن المرضى من النساء ينصحن بأخذ الموانع اللازمة للحمل.
- المحافظة على الغذاء الصحي اللازم، والتأكد من حصول المريض على العناصر الغذائية الأساسية اللازمة مثل الحديد لتجنب حصول نقص في نسبة الحديد (أنيميا)، الذي له أثر سلبي على نقص كمية حمل الأكسجين في الدم وبالتالي تفاقم الوضع بشكل سلبي على صحة المريض.
- العناية النفسية: حيث إن أغلب المرضى من الصغار ومتوسطي العمر، وهذا المرض بتأثيره السلبي على نشاط المريض اليومي وفاعليته الحركية قد يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب. ومن هنا، فإن التشجيع المتكرر، وتحويل المرضى - عند اللزوم - إلى الطبيب النفسي للعلاج، هو أحد الأمور التي يجب الاهتمام بها عند علاج هذا المرض.
2- المحور الثاني: وينقسم إلى فرعين رئيسيين:
- الفرع الأول: ويشمل توفير الأكسجين لبعض المرضى الذين يعانون من حالات متقدمة مصاحبة لانخفاض نسبة تشبع الدم بالأكسجين، وكذلك استخدام مسيلات الدم المانعة لتخثر الدم. ويعد استخدام الأدوية الموسعة للشرايين (Calcium Channel Blockers) مناسبا فقط لعلاج نسبة قليلة فقط من المرضى لا تتعدى 10% من الحالات، الذين ثبت باختبار قسطرة القلب استجابتهم الإيجابية لهذا النوع من العلاج.
- والفرع الثاني: فيشمل استخدام العلاج المباشر والمتصل باستخدام الأدوية الحديثة، ويطلق عليها: الأدوية الهادفة (Target Therapy) التي أثبتت فعاليتها الجيدة في علاج هذا المرض. ويلزم أن يتم علاج المرضى باستخدام الأدوية الحديثة في مراكز صحية متخصصة، وتحت إشراف أطباء متخصصين وأصحاب خبرات عالية في علاج المرض، والتعامل مع ذلك النوع من العلاجات.
علاجات حديثة
إن العلاج الفعال والمصرح به حاليا هو ذلك الذي يؤخذ عن طريق الاستنشاق وهو «مستنشق أيلوبروست (Iloprost) المعروف بطول تأثيره الموسع على الأوعية الدموية باعتباره أحد مشتقات الهرمون الطبيعي بروستاسيكلين (Prostacycline)»، ويعمل على زيادة إفراز أكسيد النتريك المرخي لجدار الأوعية الدموية بهدف خفض ضغط الدم داخل الشريان الرئوي. لقد سبق أن حصل على هذا العقار على اعتماد هيئة الدواء الأوروبية عام 2003 لعلاج ضغط الشريان الرئوي مجهول السبب أو العائلي من الفئة الثالثة بحسب تقسيم جمعية نيويورك للقلب وللفئة الثالثة والرابعة للقلب في أميركا حيث اعتمد عام 2004 ومن ثم توالى اعتماده في دول العالم.
كل ذلك تم بعد دراسة طويلة الأجل استمرت نحو سنتين وأجريت على 63 مريضا معظمهم يعاني من ارتفاع ضغط الشريان الرئوي وكان معدل البقاء على قيد الحياة 78 في المائة لجميع المرضى، و87 في المائة لمرضى ارتفاع ضغط الشريان الرئوي غير معروف السبب، في حين أن معدل البقاء على قيد الحياة المتوقع من دون علاج حسب قياس المعاهد الوطنية الأميركية للصحة (NIH) كان 63 في المائة.
وفي دراسة أخرى أجريت على عدد 76 مريضا من مرضى ارتفاع ضغط الشريان الرئوي تم علاجهم باستنشاق أيلوبروست، استمرت الدراسة لمدة 5 سنوات كان معدل البقاء على قيد الحياة في مجموعة الدراسة أعلى من المتوقع عن المجموعة الأخرى التي كانت من دون علاج بإجمالي معدل البقاء على قيد الحياة بنسبة 79 في المائة و51 في المائة بعد مرور سنة، و3 سنوات من العلاج على التوالي.
وتجري حاليا، أبحاث لدراسة محفزات أنزيم جوانيلات السيكلاز المذابة التي تؤخذ عن طريق الفم مباشرة دون الاعتماد على أكسيد النتريك.
وتنقسم العلاجات الحديثة إلى 3 فئات رئيسية:
- الفئة الأولى:
عقار البروستاسايكلين (Prostacyclin)، ويعطى إما عن طريق الوريد بضخ الدواء بالدم على مدار اليوم بواسطة أجهزة خاصة، أو إعطاء العلاج عن طريق الاستنشاق بجرعات متكررة يوميا. فبينما يستخدم العلاج الوريدي لعلاج الحالات المتقدمة (المرتبة الرابعة من القدرة الحركية حسب تقسيم منظمة الصحة العالمية)، فإن الحالات المتوسطة (المرتبة الثانية والثالثة من القدرة الحركية) يمكن علاجها عن طريق الاستنشاق.
- الفئة الثانية:
الأدوية المثبطة للاندوثيلين (Endothelin Receptors Antagonists).
ويناسب هذا النوع من العلاج الحالات المتوسطة من المرض (المرحلة الثانية والثالثة من القدرة الحركية). وبجانب الفاعلية الجيدة للعلاج، فإنه يمتاز بأنه يعطى عن طريق الفم. ويستلزم استخدام هذا النوع من العلاج فحص وظائف الكبد بشكل منتظم للتأكد من عدم تأثير هذا العقار على وظائف الكبد بشكل سلبي.
- الفئة الثالثة:
الأدوية المثبطة لإنزيم الفوسفو داي ستريز (Phosphodiesterase - 5 inhibitors)، ومن أشهر أنواع هذه الفئة هو عقار السيلدانيفيل – فياغرا (Sildenafil – Viagra)، ويستخدم لعلاج ضعف الانتصاب عند الرجال، لكنه أيضا أثبت فعالية جيدة جدا في علاج الحالات الخفيفة والمتوسطة من حالات مرض ارتفاع ضغط الشريان الرئوي.
وتنشط الأبحاث الطبية بشكل متسارع جدا لإيجاد العلاجات الفعالة للتعامل مع هذا المرض، ويتوقع أن يظهر خلال السنوات القليلة المقبلة عدد من العقارات الحديثة، التي أثبتت الاختبارات الأولية لها فعالية قد تفوق الأدوية المتاحة حاليا.
ومن المناسب القول في الوقت الحالي، ومع وجود الأدوية الحديثة الهادفة، بأن مرض ارتفاع ضغط الشريان الرئوي قد تحول من مرض قاتل لا يمكن التعامل معه، إلى مرض يمكن التحكم فيه والسيطرة عليه، ويؤمل أن يتم الوصول إلى مرحلة الشفاء في المستقبل المنظور.