طرق تعليم الأطباء أصول التغذية والأنظمة الغذائية
بعد أيام قليلة من التحاقي بكلية الطب، بدأت في تلقي طلبات للحصول على المشورة الطبية. وأقرب أصدقائي، الذين يفترض أنهم يعلمون أكثر مني، بدأوا يطلبون مني النصيحة: «هل يجب عليّ تناول الفيتامينات؟»، «ما رأيك في هذا النظام الغذائي؟»، «هل الزبادي جيد بالنسبة لي أم لا؟».في كل مرة كان يُطرح علي سؤال، أدرك على الفور أمرا واحدا، وهو أن هناك مساحة فارغة كبيرة في عقلي! وقبل كل شيء، فإن مجرد قبولي بكلية الطب، لم يحولني إلى طبيب بعد، كما أني لا أعلم بالطب أكثر منهم.
لكنني أدركت أيضا وبسرعة أن الكثير من الأسئلة التي طرحت علي لا علاقة لها بالأدوية أو العمليات أو حتى الأمراض. ومع كل التقارير الصحافية والتلفزيونية التي تتحدث عن المواد المسرطنة المكتشفة حديثا وآخر الوجبات والمواد المغذية الفعالة، فإن ما كان يرغب أصدقائي ومعارفي حقا في معرفته هو فقط ما ينبغي أو لا ينبغي عليهم تناوله.
بين الطب والتغذية
بعد سنوات أصبحت طبيبا ودخلت العنابر لأرى المرضى الحقيقيين، ووجدت نفسي في الموقف نفسه، لا أزال أتلقى الكثير من الأسئلة حول الغذاء والحماية، وكنت لا أزال مترددا في الإجابة، ولم أكن متأكدا أنني أصبحت أعرف عن هذا الموضوع أكثر مما كنت أعرفه قبل التخرج في كلية الطب.
وفي يوم من الأيام ذكرت هذا الموقف غير المريح، لطبيب آخر من الشباب، فقال لي بعد أن استمع إلى اعترافي: «فقط قم باستشارة اختصاصي التغذية إذا واجهتك أي مشكلة. وهم سيجيبونك». وتوقف لحظة، ونظر بريبة إلى مبنى التمريض، ثم انحنى وهمس في أذني: «أنا أعرف أنه من المفترض أن يكون لدينا علم بالتغذية والحماية، لكن لا أحد منا لديه هذا العلم».
وكان محقا، وبعد مرور ما يقرب من 20 عاما، ربما لا يزال محقا.
وتشير البحوث بشكل متزايد إلى وجود صلات بين العادات الغذائية للأميركيين والأمراض المزمنة، التي يعانون منها. ومع زيادة عدد الأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي، وتزايد انتشار وباء السمنة، فإن أهم إجراء خاص بالصحة العامة لأي فرد منا هو أن يراقب ما يأكله.
لكن عددا قليلا من الأطباء على استعداد لقيادة، أو حتى المساعدة في الجهود الهادفة لتحقيق ذلك. وفي منتصف ثمانينات القرن الماضي، نشرت الأكاديمية الوطنية للعلوم تقريرا سلط الضوء على عدم وجود تعليم كاف بالأنظمة الغذائية في كليات الطب، وأوصى كُتاب التقرير بتقديم ما لا يقل عن 25 ساعة تعليمية للأطباء حول التغذية.
والآن، وفي دراسة نشرت شهر في سبتمبر (أيلول) الماضي، يبدو أنه بعد نحو عقدين ونصف العقد، فإن الغالبية العظمى من كليات الطب لا تقدم الحد الأدنى الموصى به، 25 ساعة.
مناهج التغذية
وقد طالب باحثون من جامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيل، مدرسين يعلمون التغذية في أكثر من 100 كلية طبية، بوصف منهج التغذية الذي يقدمونه لطلابهم. وقد وجد الباحثون أنه في حين أن جميع الكليات تتعرض لموضوع التغذية، فإن نحو 25 في المائة فقط منهم يقدم الـ25 ساعة تعليمية الموصى بها، وهو ما يمثل انخفاضا عما كان يقدم منذ ست سنوات، عندما كان ما يقرب من 40 في المائة من الكليات تلبي الحد الأدنى الموصى به. كما وجد الباحثون أن أربع كليات كانت تقدم التغذية كمادة اختيارية، وكلية واحدة لم تقدم أي شيء على الإطلاق عن هذا الموضوع.
وعلى الرغم من أن معظم كليات الطب تميل لتوزيع محاضرات التغذية على المواد الأساسية مثل الكيمياء الحيوية أو علم وظائف الأعضاء، لكن ربع عدد الكليات تقدم دورة خاصة لهذا الموضوع.
وقالت كيلي م. آدمز، المؤلفة الرئيسية للتقرير واختصاصية التغذية الباحثة المشاركة في قسم التغذية بالجامعة: «إن التغذية عنصر أساسي في الممارسة الطبية الحديثة. وقد يكون هناك بعض إخصائيي علم الأمراض والأطباء الآخرين الذين لا يواجهون هذا الموضوع، ولكن الكثير منهم سيتعرض له وهم لا يحصلون على ما يكفي من التعليم أثناء وجودهم في كليات الطب».
وعلى مدى السنوات الـ15 الماضية، وبهدف مساعدة الكليات في تقديم التعليم الخاص بالتغذية، قدمت جامعة كارولينا الشمالية سلسلة من مناهج التعليم المجاني، في البداية قدمتها على أقراص مدمجة، والآن توفرها على الإنترنت. والبرنامج، الذي يسمى التغذية في الطب، هو عبارة عن سلسلة من الدورات تستخدم فيها الوسائط المتعددة التفاعلية لتغطية المواضيع، مثل الآلية الجزيئية لتغذية السرطان والسمنة لدى الأطفال والمكملات الغذائية والتغذية عند كبار السن.
وقالت آدمز: «إن الأطباء لديهم ما يكفي من الموانع التي تمنعهم من محاولة تقديم المشورة الغذائية لمرضاهم. وليست هناك حاجة لأن يصبح عدم الحصول على التوعية الغذائية الكافية واحدا من هذه الموانع».
وترى آدمز وزملاؤها أن المنهج المطور بالكامل على الإنترنت يساعد على معالجة أمرين منتشرين: الندرة النسبية لأعضاء هيئة التدريس في كليات الطب الذين لديهم خبرات كافية في هذا الموضوع، وعدم وجود مساحة ووقت بالبرنامج الدراسي له.
تدريس التغذية
وساعدت مرونة البرنامج على شبكة الإنترنت بالفعل الطلاب في كلية «تكساس تيك» للطب في لوبوك. ولدى المحاضرين في كلية «تكساس تيك» واحد من أفضل برامج تعليم التغذية في البلاد. وقد وجدوا أن هناك صعوبة في الحفاظ على كثافة ونوعية تعليم طلاب الطب من جديد بعد أن بدأوا العمل في المستشفيات المنتشرة، في أنحاء فروع الكلية.
والطلاب في المستشفى الذي يوجد به عضو مدرب في هيئة التدريس، على سبيل المثال، سوف يكون لديهم فرصة للمشاركة في ورشة عمل عن مرض السكري الذي ينطوي على تدريب الطالب «لأن يصبح مريض سكري» لمدة أسبوع، حيث يقوم بانتظام بمراجعة قراءات السكر في الدم والتحكم في نسبة «الأنسولين»، وذلك من خلال إبرة وحقنة، في حين أن الطلاب في مستشفيات أخرى لا يتلقون أي تعليم على الإطلاق.
وسمحت المواد المنشورة على الإنترنت عن التغذية والبرامج الدراسية في كليات الطب لجميع الطلاب، بمواصلة التعلم عن الأنظمة الغذائية وتقديم المشورة للمرضى، على الرغم من وجودهم في أمكان مختلفة والموارد المختلفة التي لدى كل منهم.
وقالت كاثرين تشونسي، اختصاصي تغذية وأستاذة طب الأسرة في كلية «تكساس تيك»: «لم يكن يتعين علينا إعادة اختراع الأمر من جديد في الجامعات الأخرى، فقد أصبحت لدينا بالفعل هذه الدورات المنشورة على الإنترنت والمعدة إعدادا جيدا جدا».
تعليم الأطباء
وفي الآونة الأخيرة، بدأت آدمز وزملاؤها في العمل على برامج للتوعية الغذائية على الإنترنت والموجهة نحو الأطباء الممارسين. وفي هذا السياق، تقول آدمز: «الكثير منهم يدركون أنهم لم يتلقوا تدريبا كافيا يجعلهم يشعرون بالراحة عند تقديم المشورة لمرضهم. وهذه البرامج الدراسية قصيرة ومركزة وسهلة، وتهدف إلى المساعدة في ملء تلك الفجوات المعرفية عند الأطباء كبار السن.
وفي النهاية، فإن الأطباء الممارسين للمهنة قد يكونون قادرين على الحصول على تعليم طبي بشكل مستمر، وهو أمر أصبح شرطا لدى الكثير من المستشفيات. وتقول آدمز: «من الصعب للغاية جعل الناس تغيير أنظمتهم وعاداتهم الغذائية. أي شيء يزيد من ثقة الطبيب ومهاراته سوف يسهم بشكل كبير في مساعدة المرضى».
وأضاف الدكتور تشونسي: «لا يمكنك فقط الاستمرار في الكتابة، وصفة طبية بعد وصفة طبية بعد وصفة طبية، معتمدا على الأدوية الجديدة في وقت أصبح فيه النظام الغذائي لا يقل أهمية عن الأدوية، وأي علاج آخر قد يستخدمه المريض».