دار «Carven» .. ثغرة في السوق شجعت على إحياء العلامة من جديد
عندما أضاف موقع «نيت أبورتيه دوت كوم» Net - a Porter.com اسم «Carven» للائحة المصممين وبيوت الأزياء التي يتعامل معها، لم تكن الأزياء البسيطة والأنيقة وحدها هي التي شدت الانتباه، بل أيضا أسعارها المعقولة جدا بالمقارنة بباقي المصممين.
إضافة اعتبرتها الأنيقات نقلة تصب في صالحهن، لأنها تمنحهن أسلوبا باريسيا يحاكي الـ«هوت كوتير» من دون أن تؤثر على جيوبهن، حتى وإن كانت أغلبية الشابات اللواتي يتعاملن مع موقع «نيت أبورتيه دوت كوم» لم يسمعن بالاسم من قبل، باستثناء أمهاتهن اللواتي قد يربطنها بعطر «ماجريف» الشهير.
ما لا تعرفه العديدات أن «كارفن» كانت في الخمسينات من أهم بيوت الأزياء، وكانت تعرض ضمن البرنامج الرسمي للـ«هوت كوتير» قبل أن تصاب بالهرم وتتطلب تدخلا جذريا يعيد لها شبابها وحيويتها.
هذا التدخل جاء مؤخرا على يد مصمم شاب هو جيوم هنري، مما أثار تفاؤلا بأن الدار ستلتحق بلائحة بيوت الأزياء العريقة التي غاب مؤسسوها ولم تغب أسماؤهم، مثل داري «بالمان» و«بالنسياجا».
الأولى شهدت نهضتها في عام 2005، على يد الشاب كريستوف ديكارنين والثانية على يد نيكولا جيسكيير، والاثنان نجحا في إعادة البريق الذي كان في عهد كل من بيير بالمان وكريستوبال بالنسياجا.
وأثبتت النتائج أن مغامرة إحيائهما أتت بثمارها. هذا ما تحاول دار «كارفن» تحقيقه على يد جيوم، الذي سبق له العمل مع ريكاردو تيشي مصمم دار «جيفنشي» ومع دار «بول كا» قبل أن يلتحق بها.
ما شجعه على قبول المهمة، كما يقول، أنها تحد وفرصة على حد سواء، فجهل الأنيقات باسم «كارفن» ليس سلبيا بالنسبة له، بل يتيح له مساحة كبيرة من الإبداع، بفتح صفحة بيضاء يمكنه أن يضع عليها بصماته كيفما شاء.
ما تجدر الإشارة إليه أن «كارفن» كانت في يوم من الأيام من بيوت الأزياء المهمة، بدليل أن المغنية جاكلين فرانسوا جنت في عام 1949 أغنيتها الشهيرة «مادموزيل دو باري» التي يقول مقطع منها «الفساتين من كارفن».
كلمات قد يغيب معناها على فتيات اليوم، إلا أن كل أنيقة في ذلك الوقت كانت تفهمه وترقص عليه. فـ«كارفن» كانت جزءا لا يتجزأ من الأسلوب الباريسي الأنيق، بمرحه وشقاوته كما بكلاسيكيته السهلة الممتنعة.
كانت الأغنية بعد الحرب العالمية الثانية، في الوقت الذي بدأت فيه الـ«هوت كوتير» تستعيد أنفاسها وتعيش عصرها الذهبي من جديد على يد مجموعة من المصممين من أمثال كريستيان ديور وكريستوبال بالنسياجا وغيرهما، قبل أن تنضم إليهم كارمن دو تومازو، التي اشتهرت كمدام كارفن.
هذه الأخيرة انطلقت من فلسفة بسيطة هي إبداع أزياء أنيقة ومعقولة في الوقت ذاته تخاطب كل النساء، خصوصا ذوات القدود الصغيرة والناعمة. وإذا عرف السبب بطل العجب، فقد كانت بطول لا يتعدى الخمسة أقدام وإنش واحد.
والطريف أنها صرحت في إحدى المناسبات بأن: «الموضة كانت تخاطب ذوات القامة الطويلة، كما كان هناك إعجاب بنجمات هوليوود وتودد لهن، الأمر الذي ركب لدي عقدة نقص في الصغر.
وعندما بلغت الـ 25 من العمر، كانت فرنسا قد بدأت تتعلم الرقص بعد الحرب العالمية، لهذا كنت أريد أن أكون رشيقة خصوصا أني كنت مغناجة بطبعي.
هذه الرغبة في أن أكون جذابة هي التي ألهمتني وشجعتني على دخول هذا المجال، بعد أن لاحظت أنني لم أكن المرأة الصغيرة الحجم الوحيدة في محيطي، وبأن كبار المصممين لم يهتموا بهذا الحجم، أي إن هناك ثغرة في السوق، يمكنني ملؤها، لا سيما أنه كان لدي وعي بمعنى التوازن والأحجام، وكل ما كان عليّ القيام به هو أن أضع تصوري على القماش».
وهذا ما كان، حيث تميزت تصميماتها من أواخر الأربعينات إلى بداية الستينات، بزخرفات ناعمة، وتفاصيل مبتكرة تضفي على لابستها أناقة باريسية بدون أن تغطي على شخصيتها أو جسدها الصغير، بدءا من تلك التي كانت تضعها على الياقات أو حواشي الأكمام، أو تلك التي كانت تحيط بها الخصر على شكل تطريزات أو دانتيل فتمنحها طولا ورشاقة.
هذه الروح الإبداعية والتجارية هي التي ميزت مدام كارفن، وكان بإمكانها أن تصبح اسما عالميا مثل «شانيل» أو «ديور» لولا رفضها أن تعتمد استراتيجية إحداث الصدمة من خلال تصميمات غريبة أو جديدة، مفضلة الوفاء للأسلوب الذي تفهمه ويروق لزبوناتها، وبالتالي لم تخترق السوق الأميركية، التي كان متعطشة للجديد.
ورغم أنها لم تقتحم هذه السوق المهمة، فإنها كانت من الأوائل التي روجت لأزيائها في بلدان أخرى مثل البرازيل، المكسيك، مصر، تركيا وإيران، وكانت رحلاتها إلى هذه البلدان قد أثرت تأثيرا كبيرا على أسلوبها.
فبعد رحلة إلى مصر مثلا، قدمت تصميمات بتقنية الدرابية مشدودة عند الخصر تستوحي خطوطها من ملابس الفراعنة، وأخرى بكورسيهات ضيقة يغطيها جزء شفاف ومطرز بالأحجار المتدلية على الخصر تذكر بفساتين الراقصات الشرقيات.
مشكلتها أنها لم تتطور مع الزمن، وظلت تطرح أزياء تروق لها ولصديقاتها، متناسية أنها وصديقاتها تقدمن في العمر، وما يروق لهن لا يمكن أن يروق لبناتهن أو حفيداتهن.
وفي أواخر التسعينات، دقت الأجراس إيذانا بضرورة التغيير، وبعد تذبذبات كثيرة، تمت الاستعانة بالمصمم إدوارد عاشور، الذي نجح في إعادة البريق إليها كدار متخصصة في الترف والـ«هوت كوتير»، باستعماله أقمشة مثل الأورغانزا، وصوف الخرفان، والحرير في تشكيلته المبهرة، في عام 2000، التي كانت جريئة بالمقارنة مع الأسلوب القديم، الأمر الذي نجح في استقطاب شرائح جديدة وشابة لم تعرف بالدار من قبل.
ورغم أن مساهمة مدام كارفن توقفت منذ منتصف التسعينات، فإن احترام أسلوبها لا يزال واضحا ولو في روح التصميمات المحملة بالثقافة الباريسية.
وهذا ما يحاول الشاب غيوم هنري، المصمم الحالي، الحفاظ عليه والانطلاق منه لجعل اللغة الباريسية سهلة وعالمية حتى يمكن لكل امرأة أن تدندن أغنية «مادموزيل دو باري» وربما ترقص عليها في فستان من «كارفن».
دردشة مع جيوم هنري
«كارفن» بدأت كدار أزياء متخصصة في الـ«هوت كوتير» بينما التركيز حاليا على جانب الأزياء الجاهزة، كيف جاءت النقلة؟
- «الهوت كوتير» ستستمر بالنسبة لـ«ديور» و«جيفنشي» وغيرهما، لكن بالنسبة لـ«كارفن» تعرضت للرتابة أو بالأحرى أصبحت «دقة قديمة» سابقا، لهذا ارتأينا أن خط الأزياء الجاهزة هو نقطة الانطلاق لإحياء الاسم ومخاطبة شرائح كبيرة، مع العلم أن الـ«هوت كوتير» يمكن أن تتجلى في قطعة بسيطة مثل «تي-شيرت» تكون حواشيه مختلفة وتفاصيله دقيقة. المهم بالنسبة لنا، أن نقدم تصميمات أنيقة ومنعشة لكل الأيام والمناسبات وتخاطب شرائح أكبر من النساء، من الناحية الإبداعية ومن ناحية السعر.
ما هي مساحة الإبداع التي تمنحها لك هذه الدار، خصوصا أن تعريف الجيل الجديد بها قد يحتاج إلى بعض الإقناع؟
- «كارفن» ليست اسما معروفا مثل «بالنسياجا» أو «بالمان»، فرغم فرنسيتها فإن أغلبية الفرنسيات لا يعرفن أنها كانت في يوم من الأيام من أهم بيوت الأزياء في برنامج موسم «الهوت كوتير»، بينما يعرف الباقي الاسم من خلال عطرها الشهير «ماجريف» بعلبته المطبوعة بالأخضر والأبيض.
لا أعتبر الأمر سلبيا، بل العكس، فهو يتيح لي فرصة بدء صفحة جديدة بدون مخاوف أو ضغوط نتيجة التوقعات الكبيرة. فأسلوبها مميز لكنه ليس قويا إلى حد أنه لا يجب الحياد عنه.
بالنسبة لي يتمثل إرثها في روحها الباريسية أكثر من أي شيء آخر، وهذا ما استشففته من ألبوم صورها.
فعندما كانت في منتصف الثلاثينات من عمرها كانت في قمة أناقتها وجمالها، حيث التقطت لها صور خاصة على البحر، حيث تظهر شخصيتها الـ«سبور» والمنطلقة والواثقة. لهذا فإن «كارفن» تعني لي المرأة نفسها وليس ما خلفته.
ما الذي شد اهتمامك فيما يخص هذه الشخصية؟
- أنها لم تكن مبدعة فحسب، بل ذكية، وتكمن قوتها في قدرتها على التسويق وفهمها لمتطلبات بنات جيلها.
فقد كانت أول مصممة في فرنسا تقدم أزياءها للنجمات لكي يظهرن بها في حفلات الافتتاح، وفي فترات الاستراحة كانت تنظم عروض أزياء، وهذا يدل على أنها كانت سابقة لعصرها.
إلى جانب مدام كارفن، من أين تستقي أفكارك؟
- نحن نعمل من باريس، لهذا فهي القلب النابض الذي يحركنا، ومنها نستوحي الكثير من الأفكار، لكن مع ذلك فإن الفتاة التي نتوجه إليها هي فتاة عالمية قد تعمل في منطقة مونمارتر نهارا وفي المساء تتوجه إلى منطقة سان جيرمان للاستمتاع بحياتها وهي ترتدي نفس الفستان، كما يمكن أن تعيش في لندن أو نيويورك، وفي هذه الحالة كل ما عليها هو تغيير حذائها الرياضي المريح بآخر.
ماذا تطمح إلى تحقيقه في الدار؟
- الفكرة ليست إحداث ضجة من خلال أزياء جريئة، بقدر ما هي التركيز على السحر الهادئ، الذي أصبح غائبا وتفتقده صناعة الموضة. هذه هي الثغرة التي شعرنا بأننا يمكن أن نملأها، حتى وإن كانت الفكرة نفسها ليست «على الموضة» وضد التيار الحالي.
بعد أن تم شراء الدار مؤخرا، جلست مع صاحبيها نفكر في طريقة واقعية وجديدة لإحيائها، وفي تجربة ناجحة يمكن أن نقتدي بها، واتفقنا جميعنا على أن السوق مصاب بتخمة من المنتجات المترفة والغالية الثمن، وهذا لا يعني أنه ليس لنا مكان بينها، لكن فكرة أزياء تحاكي الهوت كوتير وفي متناول الجميع كانت أكثر إثارة بالنسبة لنا.
تحدثنا كثيرا عن الفكرة وناقشناها من كل الجوانب قبل أن نطلق عليها «الواقع التجاري الجديد».
التحقت بدار «كارفن» منذ بضعة مواسم فقط ومع ذلك أصبح لك معجبات شهيرات من مثيلات فانيسا بارادي، شارلوت رامبلينغ وشارلوت غاينسبورغ، هل مغازلة النجوم مهمة؟
- أنطلق من قناعة بأن الزبون هو الذي يختارك وليس أنت من تختاره، وعموما أرى أن امرأة «كارفن» فتاة بسيطة وعادية لكن متميزة.
أما ما يسعدني فهو القدرة التي تمنحها هذه الأزياء لأي زبونة، أي إنها تعطيها مساحة لكي تتعامل معها بأسلوبها الخاص، كأن تنسقها مثلا مع حذاء مثير بعكب عال ومدبب، أو مع حذاء بتصميم رياضي... فجأة لا تعد القطعة من تصميمي أو ملكي بل ملكها الخاص تفعل بها ما تريد.
لكن كأي مصمم تريد أن تكون لك بصمة معروفة تلتقطها العين ما إن تلمحها؟
- المهم بالنسبة لي أن يرتبط اسم «كارفن» بالحلاوة والنعومة وليس بالقوة. في كل التشكيلات التي قدمتها حتى الآن، توخيت أن يكون أسلوبي مزيجا بين الأناقة والبساطة.
مثلا، أحب الفساتين لكني لا أريدها أن تكون رسمية ومتكاملة من الرأس إلى أخمص القدمين، بقدر ما أريدها أن تشعر المرأة بأنها يمكن أن تلبسها مباشرة بعد حصولها عليها، في أي مكان أو زمان، بل لا تحتاج معها إلى ماكياج أو تسريحة شعر منمقة.
لأنها أناقة لا مبالية، إن صح القول، فككنا الكثير من تفاصيلها وتخلصنا منها عوض أن نضيف إليها حتى نكسر الحواجز بين النهار والمساء، وحتى يمكن للمرأة أن تعيش في هذه الأزياء بحرية وسهولة.
ما هي النقطة التي تنطلق منها عند تصميم أي تشكيلة؟
- أتعامل مع العملية وكأنها فيلم سينمائي ألعب فيه دور المخرج، ومن ثم فإن البداية تكون بتصور البطلة، كيف تعيش حياتها؟ ماذا تعمل؟ أين تسهر وأين تسكن؟ وهكذا.
هذا الموسم استوحيتها من صور مدام كارفن في الخمسينات، حين كانت شابة رياضية مفعمة بالحيوية، وبالتالي جاءت الأزياء مزيجا بين الإثارة والغموض والشقاوة.