دار «هيرميس» تتجه إلى الغرب الأميركي لربيع وصيف 2009
الترف في ربيع وصيف 2009 يعني الانطلاق والخفة، الانطلاق من ناحية التصميمات المنسابة بلا مبالاة، والخفة من حيث الوزن.
ففي الأيام الخوالي، كانت الموضة المترفة تعني تصميمات ثقيلة الوزن من ناحية أقمشتها السميــــكة، وســـــخائها بالـــــــتطريزات والتفاصيل، وما علينا إلا أن نذكر تصميمات بول بواريه في بداية القرن الماضي، لكنها اليوم باتت تعني كل ما ينافس نسمات الهواء في الخفة والتطاير.
فصناعة الأقمشة تطورت بشكل كبير جعل حتى الجلود والفرو في ملمس الحرير ونعومته، مما يعني انه لم يعد هناك أي حجة للمصممين بإثقال حركتنا وتكبيلنا بقيود لم تعد تناسب إيقاع العصر.
ولحسن الحظ، هذا بالذات ما تقيدت به التصميمات الجديدة التي تابعناها في باريس أخيرا، التي غلب عليها الموسلين والحرير والشيفون والجيرسيه، وكل ما يمت لهم بصلة قرابة، بل إن جون بول غوتييه، مصمم دار «هيرميس» قدم لهذه الأخيرة جاكيتات من جلد التمساح وصديرات من الشامواه تتنافس مع الكــنزات والقمصان في الوزن، مع فارق مهم أنها اكثر ترفا وتميزا.
وهذا ليس غريبا على دار ارتبط اسمها بالترف والتميز، سواء من حيث الأزياء أو الإكسسوارات، منذ بداياتها في عالم الجلود والسروج.
لكن، مما لا شك فيه، أن التحاق شقي باريس، جون بول غوتييه، بها كان في صالحها، لأنه نجح في أن يضيف إلى صفاتها الكثيرة خفة الدم أيضا، وهذا ما كانت تفتقده إلى حد ما. في تشكيلته لربيع وصيف 2009، كانت خفة الدم هي رسالته إليها، حيث نقلنا إلى أجواء الغرب الأميركي، بكل تفاصيله وتناقضاته منذ الدقائق الأولى، وحتى قبل ان يبدأ العرض.
فالمنصة غطيت بالرمل كما لو كانت صحراء أريزونا تكتسيها أشجار الصبير، وبعد بدء العرض، توالت الأزياء المستوحاة من هذه الأجواء، تارة من خلال بنش الهنود الحمر، الذي أخذ عدة أشكال وأطوال وألوان، وتارة من خلال أحذية رعاة البقر «الكاوبويز» وقبعاتهم إلى جانب فساتين من الجيرسيه في غاية الأنوثة والرقة بألوان متناسقة، أكدت أن جون بول غوتييه يعرف أدواته جيدا، كما يعرف كيف يغرف من إرث الدار التي بدأت اساسا كدار متخصصة في الجلود وإكسسوارات الفروسية، بطريقة تواكب العصر.
ومن هنا كانت الصنادل العالية للمساء والسهرة والمناسبات الخاصة، التي رغم علوها كانت رائعة وتبدو عملية مقارنة بتلك التي رأينا في بعض العروض، فضلا عن الأحذية العالية الساق من جلد الشامواه للأيام العادية وإجازات نهايات الاسبوع.
ولا شك ان النجم كلينت إيستوود، لو رأى هذه «البنشات» والبنطلونات اليوم لتحسر على نفسه وتمنى لو تعود به الأيام إلى الوراء ليتمكن من تصوير أفلام رعاة بقر جديدة، حتى يجد مبررا لارتدائها.
طبعا هناك نساء عديدات سيتحسرن مثله على عدم تمكنهن من ارتدائها لكن لأسباب أخرى، أهمها عدم توفر الإمكانات المادية الكافية، أو طول لائحة الانتظار فيما يتعلق ببعض الإكسسوارات.
نعم فحقائب اليد تحتاج إلى انتظار عدة أشهر إلا إذا كنت محظوظة وكانت لك وساطات قوية. الصورة التي رسمها لنا غوتييه من خلال هذه التشكيلة، هي صورة امرأة مغامرة وقوية مستعدة ان تحارب اعتى الرجال.
فهي قوية وواثقة بالنفس وبأنوثتها، سواء وهي تحمل حقيبة يد في غاية الأناقة، أو هي تحمل سيجارا كوبيا ضخما.
ستيفاني سيمور، العارضة المخضرمة، إن صح القول نظرا لسنواتها الأربعين، التي شاركت في العرض بعد غياب يقارب العشرين سنة، قالت لوكالة رويترز: «جون بول غوتييه يحب المرأة ويحب ان يهديها فساتين أنثوية ومثيرة .. أعتقد ان هذه التشكيلة تستحضر صورة «بوكاهونتاس» أنيقة».
بالنسبة للإكسسوارات، فقد سخي بها، وكانت حاضرة بشكل مكثف، بدءا من حقائب السفر على شكل صناديق، إلى حقيبة كيلي الشهيرة، التي طرحها غوتييه هذه المرة بحجم صغير، مرورا بالقبعات المستوحاة من قبعات رعاة البقر، والأحزمة المصنوعة من الجلد الطبيعي او الشامواه والإيشاربات المرسومة باليد التي لفت حول العنق.
الإضافة الجديدة كانت السيجار، الذي استعمل للإثارة فقط وإضفاء جو من الشقاوة على مظهر المرأة وليس للاستعمال نظرا لقانون منع التدخين في الأماكن العامة والمغلقة بفرنسا.
والواضح ان غوتييه في هذه التشكيلة كان يريد أن يوصل لنا رسالة تفاؤل وأمل، لهذا اصر ان تكون مفعمة بالمرح أولا وأخيرا وكأنه أرادها ان تكون مضادا حيويا لحالة القلق والتشاؤم التي سادت العالم، بسبب تدهور الأحوال الاقتصادية بشكل مفجع في الأسابيع الأخيرة.
فلا أحد توقع ما آلت إليه الأحوال، لا سيما المصممين عندما انكبوا على تصميم المجموعات الخاصة بالمواسم المقبلة. فهم تصوروها ونفذوها قبل تطور الأزمة، وفي فترة كانت فيها التكهنات خفيفة لم تأخذ شكلها القبيح الحالي.
لكن هل ستنجح هذه الألوان ورسائل الأمل والفرح ان تحقق لهم المبيعات التي تعودوا عليها في السنوات الأخيرة، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار ان اكثر المتضررين من الأزمة الحالية هم الطبقة التي أنعشت سوق المنتجات المترفة، من أزياء وإكسسوارات وتحف فنية وغيرها ؟.
سؤال لا نعرف جوابه إلا في الموسمين المقبلين، وإن كانت التوقعات تشير إلى أن سوق المنتجات المترفة والمتميزة لن تتأثر كثيرا، وأن المرأة لن تستطيع مقاومة الإغراءات التي تفننت فيها دور الأزياء الكبيرة.
فشانيل، لوي فيتون، اندرو جين، وإيف سان لوران، مثلا قدموا مضادات قوية من خلال البريق والتفاصيل الزاهية، وكأنهم أرادوا ان يبرروا أسعار إبداعاتهم بحقنها بجرعة إضافية من الأحجار والترصيعات، في حين اختار درايز فان نوتن، وستيلا ماكارتني، وبول اند جو وآخرون، الرد عليها بالأناقة الهادئة التي تخاطب أولئك الذي لا يريدون التباهي أو استعراض جاههم حتى لا يجرحوا مشاعر غيرهم ممن تأثروا بالأزمة.
أما غوتييه فقد ظل وفيا للقديم، ربما لأنه يعرف ان زبونات دار «هيرميس» إما بعيدات عن الأزمة، أو ان منتجات الدار تحتاج أساسا إلى وقت طويل لتنفيذها باليد، مما يعطي فسحة من الأمل أن السحب قد تنقشع بمجرد الانتهاء من تنفيذها لطرحها في الأسواق.