أكشاك الوجبات السريعة تستقطب كل فئات المجتمع في ألمانيا
الممثل والموسيقار والكاتب الألماني جون فلمنغ أولسين يقول إن ثقافة أكشاك الوجبات السريعة تمثل جزءا من الروح الألمانية.
وعند زيارتك للعاصمة برلين تلاحظ انتشار مطاعم الدونر كباب، والتي أدخلها الأتراك إلى ثقافة طعام الوجبات السريعة إلى ألمانيا بسبب الوجود القوي للأقلية التركية.
لكن يشتهر الألمان بتناولهم الدائم للنقانق، حتى إن الهامبورغر الذي أصبح جزءا من ثقافة الطعام في أميركا جاء أساسا من مدينة هامبورغ الألمانية.
كذلك الحال بالنسبة للهوت دوغز والفرانكفورتر وغيرهما، والتي تعود في الأساس، وهذا واضح من تسميتها، إلى الكثير من المدن الألمانية.
إذا كان هناك أمر واحد يجمع بين كل المواطنين الألمان تقريبا، فإنه ذلك الولع بأكشاك الوجبات السريعة المعروفة باسم «امبيسبادن»، فهناك ما يقرب من 40 ألف كشك للوجبات السريعة تنتشر في أنحاء ألمانيا، وتستقطب زبائن من فئة العاطلين والممرضات والمحامين وصولا إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
الإقبال المنقطع النظير على تناول الوجبات السريعة في الآونة الأخيرة يعود إلى الضائقة المالية التي عصفت بأوروبا مؤخرا، وأدت إلى إغلاق آلاف من المطاعم الفاخرة في عدد منها.
لا بد أن أولسين على دراية بذلك نظرا لأنه لعب دور البطولة مع أولي ديتريش في عمل تلفزيوني كوميدي بعنوان «الحياة الواقعية حقا»، وهو عرض ارتجالي يبث على الهواء مباشرة من أحد أكشاك الوجبات السريعة الحقيقية في هامبورغ، فضلا عن تدربه على العمل في عدد من المطاعم عبر ألمانيا.
وقد أثمر ذلك عن تأليفه كتابا من 300 صفحة يصف فيه هذا العالم الذي أغوى عامة الشعب والأكاديميين على حد سواء.
وتكمن روعة هذا الكتاب في وصفه سلوك الزبائن من فئة الطبقة العاملة في أكشاك الوجبات السريعة مثل «جلوك أوف غريل» في دورستن أو «هايديز فيلدكوشه» في لايبزيغ أو «أليس فورشت» في ميونيخ، حيث يهتم أولسين بصورة خاصة بعرض سلوك المواطنين أمام طاولات الأكشاك وخلفها.
وأوضح أولسين، لدى تدشين كتابه في متحف «كاري فورست» بالعاصمة الألمانية برلين، أن «أكشاك الوجبات السريعة تمثل جزرا ينساق فيها الإنسان مع طبيعته، حيث يلتقي الضيوف والعاملون وجها لوجه دون أدنى تكلف».
ويرى الكاتب الألماني أن مطاعم الوجبات السريعة في ألمانيا تعد بمثابة أماكن يتسنى فيها للمرء أن يظل على طبيعته.
ففي هذه المطاعم، يتلقى الجميع معاملة واحدة، ويشعر الزبائن بأنهم أصحاب المطعم، كما لو أنه حجرة معيشتهم.
ويصف أولسين كتابه بأنه إعلان عن عشق ثقافة أكشاك الوجبات السريعة الألمانية وعامليها الذين لا حصر لهم، والذين يقول إنهم يحملون جميعا رائحة سمن الطهي، لكنهم يتحلون على الأقل بروح الدعابة.
ويرى أولسين أن نوع العمل الجماعي الملحوظ وراء طاولات تلك الأكشاك يتناقض مع الأسطورة الألمانية القائلة بأن العاملين في مطاعم الوجبات السريعة يمتهنون تلك الوظائف نظرا لفشلهم في شغل وظائف أخرى ذات رواتب أكبر.
وقال «صحيح أن معظمهم لديهم بضع فجوات في (خبراتهم المهنية) في سيرهم الذاتية، غير أنهم فخورون بذلك».
وفي متحف «كاري فورست»، أظهر عداد إلكتروني أن ما يربو على 500 مليون من النقانق تم بيعها في ألمانيا خلال الأشهر الثمانية الماضية.
وتتفق كلاوديا نوي، وهي باحثة اجتماعية تتعامل مع ثقافة الطهي، مع أولسين في آرائه إلى حد ما، حيث تقول «ليس بالضرورة أن أصف النقانق بأنها جزء من الطابع الوطني للبلاد، غير أن الأسطورة القائلة بأن الجميع سواسية أمام الأكشاك ليست خاطئة إلى حد كبير».
فعلى سبيل المثال، شاهدت نوي قضاة وطلابا يصطفون أمام كشك الوجبات السريعة المحلي. وتقول نوي «هناك أكشاك في كل حي سكني، وهو أمر غير عادي إلى حد بعيد».
وأضافت «إنها أماكن عامة مهمة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالتواصل». وأشارت إلى أن نوعا التفاعل الذي يشاهد في تلك الأكشاك المحلية لا مثيل له في أماكن أخرى مثل مطاعم «ماكدونالدز».
ولفت يورجين كاسبر، الرئيس التنفيذي لاتحاد مطاعم الوجبات السريعة الألمانية، إلى أن أوروبا لديها أكشاك للوجبات السريعة منذ العصور الرومانية.
وأوضح قائلا «مع قدوم العصر الصناعي، ارتفع عدد أكشاك الوجبات السريعة بشكل هائل، وأدرج على قوائمها الخبز والزبد والحساء». غير أن النقانق المشوية لم تحظ بشعبية إلا بعد الحرب العالمية الثانية.