أسبوع باريس للأزياء الراقية .. يبدأ وسط غضب أرماني ورومانسية شقرا
أربعة أيام من الموضة الرجالية انتهت يوم السبت لتبدأ أربعة أيام أخرى من الأزياء النسائية أمس في عاصمة السحر والجمال.
نعم إنه موسم آخر من موسم الهوت كوتير، موجه هذه المرة إلى فصلي الربيع والصيف المقبلين رغم أن أحوال الطقس المتقلب تؤكد أننا في عز الشتاء وتذكّرنا أن ما نراه على منصات العرض من فساتين مناسبة وخفيفة لا يعني أن نستغني عن معاطفنا الصوفية السميكة. فهذا هو عالم الموضة المليء بالتناقضات المثيرة واللذيذة.
مما لا شك فيه أن هذه الأيام الأربعة، ثلاثة منها مخصصة للأزياء الراقية التي توقظ الأحلام وتدغدغ الخيال إلى حد كبير، ويوم مخصص للجواهر من أكبر بيوت الأزياء والجواهر من أمثال «شانيل» و«ديور» و«فان كليف أند أربلز» و«بوشرون» وغيرها، لن تكون عادية على الإطلاق.
فباريس ستحاول جاهدة أن تحفظ ماء الوجه بالحفاظ على أسبوعها هذا بالذات حيويا وبراقا حتى يبقى الحلم حيا، لا سيما بعد أن فقدت أحد أبرز وجوهها لهذا الموسم، ألا وهو المبدع كريستيان لاكروا، الذي لن يشارك فيه، لأول مرة منذ عام 1987.
ورغم أن كل الكبار، بدءا من ديور وشانيل إلى إيلي صعب وأرماني وغيرهم حاضرون، فإن هناك إحساسا يصعب تفسيره بأن هنا شيئا ناقصا.
فلاكروا لم يكن مصمما عاديا، وكان اسمه لصيقا بهذا الموسم بالتحديد نظرا إلى فنيته العالية وألوانه الصاخبة التي كانت تجعل تصميماته أقرب إلى لوحات فنية متحركة منها إلى أزياء للمناسبات اليومية، لهذا سيبقى اسمه محفورا في الذاكرة وفي تاريخ الموضة بأنه المصمم الذي عرف أن يكون فنانا ومثاليا لكن فشل في مجاراة التغيرات ومتطلبات السوق.
وقد يؤثر هذا على الأسبوع ويغير الكثير من مفاهيمه، لأن الدرس الذي تلقاه المصمم كان قاسيا على الكل، وسيدفع الكثير من المصممين إلى التعلم من أخطائه وتجنبها بالتوجه إلى السوق ومغازلتها، أو على الأقل العودة بالهوت كوتير إلى جذورها الأصلية، القائمة على تقديم أزياء راقية ومترفة ومفصلة على المقاييس، لكن أيضا واقعية يمكن للمرأة أن تلبسها في كل المناسبات، وليس فقط في المساء والسهرة أو في الحفلات التنكرية وغيرها.
الأسبوع أيضا ستغلب عليه نكهة لبنانية مميزة، ذلك أن حضورهم يثير الانتباه أكثر من أي وقت مضى، ربما لأن البرنامج غير مكثف مما سيجعل الكثير من محرري الأزياء ووسائل الإعلام تتوجه إليهم، فإلى جانب عرّاب الموضة اللبنانية المبدع إيلي صعب والمبدع جورج شقرا، هناك أيضا الشاب ربيع كيروز الذي درس في معهد الموضة الفرنسية، وباسل سودا وجورج حبيقة وآخرون.
لكن رغم أن التاريخ الرسمي لانطلاق الأسبوع هو أمس الاثنين صباحا، فإن مساء الأحد شهد أول عرض للهولندي جوزيف ثيميستر، البالغ من العمر 47 عاما، والذي عمل في دار «بالنسياجا» في التسعينات.
أقام عرضه في «باليه دي طوكيو» وقدم 45 تصميما يصعب القول أحيانا ما إذا كانت للرجل أو للمرأة، وكأنه أراد من خلالها أن يكون جسرا بين نهاية أسبوع رجالي حافل وبداية آخر للنساء.
امتدت هذه الازدواجية أيضا في لعبه على دموية عام 1915 وترفها، من خلال الراقي المصقول والخام الطبيعي، على الفخامة وعلى الوحشية، التي استقاها من الحرب العالمية الأولى.
فألوان الأخضر الكاكي والأحمر القاني كانت هي الغالبة، فضلا عن بنطلونات مرشوشة بدم اصطناعي، وتصميمات تستحضر العهد النابليوني أو جنرالات روسيا القيصرية مثل عدد من المعاطف بأكتاف ضيقة وياقات عالية.
استعانته بجوقة مكونة من خمس مغنيات روسيات نجحت في إعطاء العرض هيبة وبعض الرهبة خصوصا عندما ترافقت مع مجموعة من الفساتين باللون الأحمر أخذتنا في رحلة قصيرة إلى الثورة البلشفية ودمويتها، التي يبدو أن المصمم متأثر بها رغم أنه لم يعشها.
لكن إذا عُرف السبب بطل العجب كما يقال، فوالدته كانت أميرة روسية، مما يفسر ثورته الداخلية على هذه الثورة التي اعترف أنها أثرت بشكل سلبي على العالم.
انصبّ اهتمام المصمم في هذه التشكيلة على التفصيل من خلال فساتين تستعرض إمكانياته لا على فساتين سندريلا حالمة، التي كنا نتوقعها عادة من هذا الموسم، وإن كان يختفي تحتها الكثير من الترف مثل مجموعة من الفساتين المرصعة بالأحجار من الساتان، ومعاطف بحواشٍ من الفرو وغيرها من القطع المستوحاة من فخامة البلاطات القيصرية.
لكن صباح أمس عند الساعة العاشرة انطلق الأسبوع رسميا على يد الشاب أليكسي مابيل الذي قدم تشكيلة تحمل كل بصماته الشقية واللعوب، لكنه على ما يبدو تَجنّب فيها سخاءه المعتاد في تزيينها بالورود أو الفيونكات المعقودة على شكل فراشات والمستوحاة من ربطات العنق الرجالية واقتصر عليها في الدرابيه على بعض التنورات المستقيمة أو الفساتين عند الأكتاف.
كان واضحا أن المصمم يريد أن يبتعد عن الأسلوب الأنثوي المعتاد، بتبنيه أسلوبا جديدا اعتمد فيه على هندسية غير معهودة وعلى خدع بصرية مستوحاة من ألون الفنان ماليفيتش من أحمر وأسود وأبيض، أحيانا في الفستان الواحد بحيث نرى نصفه بالأحمر والنصف الثاني بالأسود وهكذا، كما بدا تأثره بأسلوب النحات كالدر.
لم يكتفِ المصمم بتقديم الأزياء إذ استغل الفرصة أيضا لتقديم مجموعة من الجواهر والأحذية من تصميمه أمام جمهور متعطش لكل جديد يحمل توقيعه.
تلا عرضه مباشرة كل من كريستوف جوس وفاليري فان آش، وكان عرض هذه الأخيرة مثيرا لأنها تعاملت مع الأزمة الاقتصادية بأسلوب طريف وجديد. فقد طلبت من كل أصدقائها التبرع بقطع أنيقة وراقية قديمة، أعادت صياغتها بأسلوب جديد يرقص على نغمات إثنية وعلى فكرة عصرية مستقبلية، ألا وهي تدوير القديم وتجديده.
قد لا يخاطب العرض كل الأذواق لكن فاليري من الأسماء التي تعشقها الشابات ويشهد لها عالم الموضة بالبراعة لهذا ستجد لها مكانا خاصا جدا في خزانة امرأة متذوقة تحب التميز والقطع التي تحكي ألف رواية وقصة.
لكن الموعد الذي كان الكل يترقبه كان في الساعة الثانية والنصف في 30 أفينو مونتين. العرض طبعا كان لدار «ديور»، أهم وجوه هذا الموسم.
هذه المرة قررت، وبسبب ضيق المكان، أن تنظم عرضين: الأول في الثانية والنصف والثاني في الخامسة، لتمكين فوج آخر، أغلبه من الشخصيات المهمة والزبونات، من حضوره.
خطوة ليست غريبة ولا جديدة في عالم الموضة، لكنها أثارت ضجة كبيرة ترددت أصداؤها طوال اليوم، بسبب تبعاتها على البعض، خصوصا على الإيطالي جيورجيو أرماني الذي كان أكثر المتضررين، مما يبرر خروجه عن طوره واتهامه الدار بعدم الاهتمام بالغير واعتبار جهودهم.
ما يبرر ثورته أنه تعود دائما على العرض في الساعة السابعة مساء، إلا أن قرار «ديور» تنظيم عرض ثانٍ، غيّر كل الموازين، واضطره أن يؤخر عرضه إلى الساعة التاسعة مساء، وهو وقت متأخر حتى في قاموس عالم الموضة، حيث يعتبر السهر جزء من الحياة.
لا شك أن معجباته والمتحمسات لمتابعة الموضة حبا فيها أو لتغطيتها، سيتذمرن قليلا ويقبلن على مضض لأنه لن تسول لهن أنفسهن التغيب، إلا أنه يبقى توقيتا غير مناسب أو «صديق» للكل، لا سيما للزبونات المخضرمات اللواتي لا تميل الكثيرات منهن إلى السهر الطويل خصوصا إذا تعلق الأمر بالوقوف في طوابير والجلوس على كراسي غير مريحة لمدة طويلة. رد «ديور» على هذه الضجة كان مثيرا مثل عرضها: «ليس أنيقا أن نعلق على الأمر».
اللبناني جورج شقرا أيضا اضطر إلى تقديم موعد عرضه نصف ساعة، الرابعة عوض الرابعة والنصف، حتى يتمكن الضيوف من التوجه بعده مباشرة إلى «أفينو مونتين» لحضور عرض «ديور».
شقرا لم يثر ضجة كبيرة بهذا الخصوص مثل «أرماني» وفضّل كعادته التركيز على تشكيلته، التي تسلمها، كما يقول، من جمال الطبيعة بكل ألوانها وعذريتها.
وكانت النتيجة مزيجا رائعا من الفنتازيا والواقعية من دون أن يتنكر للمرأة التي تعودت منه أزياء تضج بالنعومة والأنوثة والترف.
أمس قدم تشكيلة موجهة إلى امرأة عصرية تعيش في أرض الواقع، تعمل وتسهر على أسرتها كما تسهر مع صديقاتها، لا لامرأة تعيش في الخيال فقط. تميزت خطوطها بالوضوح سواء في الفساتين الطويلة أو القصيرة جدا، لكنها في كل الحالات تتراقص على تفاصيل تضفي الكثير من الأناقة والجاذبية على صاحبتها، سواء كانت على شكل كشاكش تتراقص على طول ذيل فستان سهرة، أو ثنيات خفيفة في تنورات مستقيمة، بل حتى الأحجام السخية كانت تتمتع بانسيابية تجعلها مناسبة للنهار أو للمساء ولا تثقل الجسم أو تضفي عليه أي وزن.
كذلك الأمر بالنسبة إلى الياقات والألوان، وإن تجلت الطرافة في استعماله للمناديل التي زينت بعض القطع وأضفت عليها مرحا وحيوية.
إلى جانب الترتر والتطريزات المعتادة، كان هناك أيضا سخاء في استعمال الدانتيل إلى جانب التول والأورغنزا والشيفون والحرير والريش.