حصاد أسبوع باريس لربيع وصيف 2015
11:49 ص - الأحد 12 أكتوبر 2014
في عالم الموضة.. فرنسا ليست للفرنسيين، وفي الصور من عرض ديور، ومن تصميم ديفيد كوما لدار موغلر، من عرض جيامباتيستا فالي، من عرض سيلين.
لان زواج النجم جورج كلوني وأمل علم الدين استطاع أن يخطف الأضواء من أسبوع باريس لربيع وصيف 2015، ولا تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس القلقة إزاء نتائج استطلاع تجريبي بأن مارين لوبان واليمين المتطرف أصبحا على "أبواب السلطة" في فرنسا - حركا أي اهتمام في أوساط الموضة.
وإذا كانت مارين، رئيسة حزب الجبهة الوطنية، تنادي بأن فرنسا للفرنسيين، فإن قطاع الموضة صمّ أذنه على النداء، وحتى إن سمعه فإنه لا يوليه أي اهتمام يُذكر، بدليل أن معظم بيوتها الكبيرة يتحكم فيها مصممون من جنسيات غير فرنسية، مثل البريطاني بيتر كوبينغ في دار "نينا ريتشي"، وألكسندر وانغ في "بالنسياجا"، والألماني كارل لاجرفيلد في "شانيل"، والإيطالي ريكاردو تيشي في "جيفنشي"، والبريطانية فيبي فيلو في "سيلين"، والبريطانية كلير وايت كيلر في "كلوي"، والبلجيكي راف سيمونز في "ديور"، وهلم جرا.
السبب أن معظم البيوت الفرنسية تملكها مجموعات ضخمة، مثل "كيرينج" أو "إل في إم إتش"، تفهم لغة الأرقام والأرباح، وأن الطريق إلى هذا هو التوصل إلى مصمم يتمتع برؤية واضحة وقدرة على الإبداع توازي قدرتها على التسويق والتوسع.
من هذا المنطلق، لا تمانع في احتضان أي موهبة لها القدرة على خدمة استراتيجياتها بغض النظر عن جنسيتها، لنأخذ على سبيل المثال البلجيكي راف سيمونز، المصمم الفني لدار "ديور"، فقد برهن على قدرة عالية على أن يحقق لها ما تطمح إليه من أرباح، سواء تعلق الأمر بجانب الأزياء أو الإكسسوارات، بل حتى الهوت كوتير التي لم تكن سابقا تحقق سوى الـ "بريستيج".
هذا النجاح منحه المزيد من الثقة التي انعكست على تشكيلته الأخيرة. فرغم عراقة "ديور" وتاريخها الغني، الذي يمكن أن يشكل ثقلا على أي مصمم، جعل سيمونز همه الأول هو المستقبل عوض الماضي.
صحيح أن الأمر راوغه في البداية لأن الموازنة بين إرث الماضي وتطلعات المستقبل عملية صعبة تحتاج إلى الكثير من الدقة والخبرة والثقة، إلا أنه بعد 5 مواسم توصل إلى مفتاح هذه المعادلة، وقدم تشكيلة، ربما تكون أفضل ما قدمه للدار إلى حد الآن لأنه حقن إرث الماضي بأسلوبه الحداثي بجرعة متوازنة.
يمكن القول إن هذه التشكيلة تكملة أو امتداد لما قدمه في موسم الهوت كوتير، لكن بما تتطلبه الأزياء الجاهزة من هدوء وعملية أكثر، هذا لا يعني أنه خاصم الماضي أو تخلى عنه تماما ليعانق المستقبل، بل فقط صاغه بأسلوب أكثر حداثة وبأسلوب بسيط، سواء تعلق الأمر بالجاكيت المحدد عند الخصر، أو التايور الكلاسيكي اللذين اكتسبا عصرية أكبر.
هذا المزج بين الماضي والمستقبل ظهر أيضا في مكان العرض: "كور دي كاريه"، الذي يعد أقدم ساحة في اللوفر، فقد تغيرت ملامحه بفضل ديكوره المستقبلي الذي غطته مرايا من الجوانب فيما كانت المنصة زجاجية تعكس الضوء، وتعطي الانطباع بأن العارضات سينزلن فيها من مركبة فضائية ثم جاء دور الأزياء ليعزز الفكرة نفسها، حيث كانت مستوحاة من القرن الثامن عشر، لكن مصممة ومنفذة بطريقة لا تترك أدنى شك في أنها لامرأة عصرية وسبور.
ربما كانت هذه المعادلة بين القديم والجديد، مما أعطى الإحساس بأن راف سيمونز توصل أخيرا إلى الوصفة الناجحة، التي تجمع رومانسية "ديور" وإرثها الجمالي الدرامي الذي يعتمد على الأحجام المتناقضة والتطريزات الدقيقة، وأسلوبه الهادئ الذي يعتمد على الخطوط الواضحة والتفصيل المحسوب والألوان.
ديفيد كوما أجنبي آخر دخل فرنسا من باب دار "موغلر" هذا الموسم، وأتحف، فقد قدم تشكيلة لا بأس بها بالنظر إلى أنها كانت أول محاولة له فيها دار "موغلر"، تشتهر بعطورها أكثر مما تشتهر بأزيائها، لكنها تريد أن تغير هذه الصورة وتعيد أمجاد الماضي، عاقدة الأمل على ديفيد كوما لتحقيق ما حققه البريطاني بيتر كوبينغ لدار "نينا ريتش" وألبير إلبيز لــ "لانفان"، فكل من "ريتشي" و"لانفان" اشتهرتا سابقا بالعطور التي غطت على أهمية الأزياء.
مهمة ديفيد كوما ليست مستحيلة، لكنها أيضا ليست سهلة، فقد تعاقب على الدار عدة مصممين بعد خروج مؤسسها، ثيري موغلر المعروف بشطحاته السريالية، قبل أن يتسلم المشعل من كل نيكولا فورميشيتي وسيباستيان بينييه، اللذين حاولا التقيد بأسلوب المؤسس المسرحي، لكنهما لم ينجحا في تحقيق الحسبة التجارية.
أولوية كوما أن يعيدها إلى أرض الواقع ويجعلها تتكلم لغة السوق والجيل الجديد قبل أي شيء آخر، لهذا كان واضحا في هذا العرض، أنه يجس نبضها قبل أن يخضها، اعتمد على الأبيض والأسود كأساس ثم أضاف إليهما الرمادي الفضي والأزرق عندما كان يريد تعزيز قوة بعض الأزياء بالذات التصاميم الهندسية.
الأبيض طغى على أول 5 قطع، كأن ديفيد كوما يريد أن يقول بأنه سيبدأ بصفحة بيضاء تماما، حتى يتسنى له كتابة فصل جديد بحرية، غير أن التطبيق كان شيئا آخر، حيث غلبت على التشكيلة تصاميم أنثوية مثيرة، تشمل الفساتين الضيقة التي تكشف جوانب من الجسد إلى جانب التايورات المفصلة التي لم تتخل عن الإثارة الحسية هي الأخرى.
كانت تتميز بالأناقة، ولا شك تخاطب شريحة كبيرة من النساء مقارنة بموغلر في السابق، إلا أن تكرار الفكرة نفسها أصاب ببعض التخمة مع نهاية العرض.
جيامباتيستا فالي إيطالي غزا باريس وسحرها منذ زمن ولا يزال، وقد يكون من القلائل الذين يرفضون الانضواء تحت جناحي أي مجموعة تجارية ضخمة، مفضلا أن يتوسع بالتدريج وبشكل عضوي.
هذا الأسبوع لم يقدم تشكيلة تقطر بالجمال والأناقة فحسب، بل حقق أيضا سبقا سيكسبه المزيد من الزبونات والشهرة، بعد ظهور أمل علم الدين بفستان من تصميمه اكتسح وسائل الإعلام وتصدر الصفحات الأولى، لكن، ليست كل نساء العالم برشاقة أمل، مما يجعل من الصعب عليهن التألق في كل تصاميمه، خصوصا تلك التي تتميز بأحجام كبيرة كادت تصبح ماركته المسجلة لولا أنه يحب الابتكار وما يعنيه من تطوير وتغيير.
لحسن الحظ، روض هذه الأحجام في تشكيلته لربيع وصيف 2015، ومنحها خطوطا ناعمة مفصلة على الجسم، بينما صب تركيزه على التطريزات الدقيقة التي تشتهر بها روما، مسقط رأسه، والتي أضاف إليها تقنيات جديدة مثل قصه القماش على شكل أوراق الشجر غطى بها فساتين بالكامل أو جزءا منه.
لعب أيضا على المزج بين التطريزات والرسمات المتناقضة بشكل فني، مما جعل تشكيلته تبدو هادئة ومبالغا فيها في الوقت ذاته، لكنها في كل الأحوال تناسب معظم الأحجام لأنها مفصلة على الجسم أكثر.
تجدر الإشارة إلى أن فالي كسب ود نجمات هوليوود الشابات وفتيات المجتمع المخملي، منذ سنوات، فقبل أمل علم الدين، صمم لبينلوبي كروز، وهالي بيري، وناتالي بورتمان، كما صمم فستان زفاف جيسيكا بيل، لكن فجأة تبدو أمل علم الدين أهم من كل هؤلاء.