المزارعون في الهند يبيعون زوجاتهم وبناتهم لتسديد ديونهم..
لجأ المزارعون الذين عصف بحقولهم الجفاف في الهند إلى بيع زوجاتهم وبناتهم إلى المرابين لسداد ديونهم.
وما يزيد الوضع سوءا، في ظل تقاعس حكومة ولاية أوتار براديش، كبرى ولايات الهند، بشمال البلاد، والحكومة الاتحادية، أو قلة حيلتهما إزاء التصدي لهذه الكارثة الاجتماعية، إن «تجارة النساء» جارية على نحو قانوني وبناء على عقود مختومة رسميا!
وتشير بعض الجهات إلى أن هذه الصفقات تجري عبر عقود رسمية تحت اسم رسمي هو «عقد زواج»، أحد المواطنين كاليشاران، قال معلقا على هذه الظاهرة: «هذه الزيجات لا تعدو كونها تسويات، وعلى ورقة عقد رسمي لا تتجاوز قيمتها 10 روبيات، يكتب فيها أن الزوج الجديد بالغ وليست لديه زوجة، بينما لا تستطيع المرأة حتى قراءة ما هو مكتوب في العقد، وغالبا ما تباع المرأة الواحدة عدة مرات وثمة آلاف من مثل هذه الحالات بالمنطقة».
المزارعون المثقلون بالديون في إقليم بندلكهاند، الواقع في ولاية أوتار براديش، وجدوا أنفسهم مضطرين إلى بيع زوجاتهم أو رهنهن لأنهم كانوا قد اضطروا قبل ذلك لبيع بيوتهم وأراضيهم إلى المرابين والدائنين في قراهم مقابل الحصول على قروض زهيدة تمكنهم من النجاة من مواسم الجفاف المتتالية.
والسعر السائد الذي يتوقعه المزارعون من بيع زوجاتهم وبناتهم يتراوح ما بين 4000 و12000 روبية (50 جنيها إسترلينيا ـ 150 جنيها إسترلينيا)، وكلما ارتفع مستوى الجمال، طبعا، ارتفع السعر.
في إحدى الحالات التي وقعت مؤخرا، اندفعت ساريو ديفي (23 سنة)، إلى داخل قاعة محكمة أثناء وجود قاضي صلح في مدينة جهانسي، بولاية أوتار براديش.
وصرخت أمام القاضي شارحة أن زوجها، غانيش، باعها مقابل 8000 روبية إلى رجل آخر أكبر سنا، وتابعت متوسلة: «أرجوكم ساعدوني، لا أريد الذهاب مع هذا الرجل».
حينئذ، انتابت القاضي الدهشة وسعى للتعرف إلى تفاصيل الأمر، فاكتشف أن زوج ساريو «الجديد»، غلاب، اصطحبها إلى المحكمة كي توقّع على «عقد زواج» بموجب ورقة رسمية بقيمة 10 روبيات، إلا أن ساريو نجحت بصورة ما من الإفلات من قبضته والجري إلى داخل قاعة المحكمة.
وبعد ذلك، أمر القاضي المصعوق مما شاهده وسمعه بنقل السيدة إلى قسم شرطة جهانسي، حيث تركتها الشرطة تمضي مع زوجها، ولكن بعد توجيه تحذير شديد إليه بضرورة الامتناع عن مثل تلك الفعلات مجددا.
المثير للقلق، أن هذه ليست الحالة الأولى التي تسلط الأضواء عليها في موضوع إجراء بيع زوجة في بندلكهاند، فكاليشاران، وهو من قرية بارهارا، الواقعة أيضا قرب جهانسي، يعتبر أن الوضع أكثر سوءا مما يظهر على السطح.
وهو يروي، قائلا: «أتى الرجل الذي أقرضني المال برفقة رجال له واقتادوا زوجتي سالو، والآن، يطلب 20000 روبية مقابل إعادتها، وفي وقت سابق، استولى على حلي زوجتي، وبعد ذلك، استولى على جميع الأواني، والآن، زوجتي، أما الشرطة فتريد مني دفع مبلغ 10000 روبية كي تتدخل في الأمر».
يذكر أن كاليشاران حصل على قرض بقيمة 13000 روبية من ديشارج ـ أحد المرابين على المستوى المحلي، كوسوم (23 سنة) زوجة كانت ضحية أخرى لهذه الممارسات، إذ باعها زوجها إلى شخص يدين له بمال يدعى هاريبراساد في الأربعين من عمره، ومن الواضح من عقد «الزواج» المبرم بينهما أن كوسوم تجهل القراءة والكتابة ولم تكن تدري المصير الذي ينتظرها.
كذلك نقل تقرير صحافي عن فتاة تدعى سانغيتا، باعها والدها لأحد المرابين، قولها: «تعرضت للبيع لأن أسرتي لم تجد أمامها خيارا آخر».
وتساءلت ضحية أخرى: «ماذا كان يفترض أن نأكل؟ رغم امتلاكنا أرضا، عجزنا عن زراعة أي شيء لأن الأمطار لم تكن كافية .. لقد حصلنا بالفعل على قروض هائلة».
الجدير بالذكر، أن الهند تضررت كثيرا جراء تعرضها لأضعف موسم للرياح والأمطار الموسمية منذ سنوات عدة، الأمر الذي أثر سلبيا على المحاصيل، وبطبيعة الحال، يحمل توافر موسم الأمطار الموسمية أهمية حيوية بالنسبة للهند، التي يعيش أكثر من 70% من سكانها، البالغ إجمالي عددهم 1.2 مليار نسمة، في الأرياف.
ويفتقر أكثر من 60% من الأراضي الزراعية إلى مصادر أخرى للري، مما يجعلها معتمدة كليا على الأمطار، وهكذا، بالنسبة لمزارعي الهند، الذين يصل عددهم إلى 235 مليون نسمة، فإن موسم رياح وأمطار موسمية جاف قد يعني كارثة مالية.
وكان من شأن انحسار معدلات الأمطار الذي تعرضت له البلاد هذا العام تلف محاصيل الأرز والقصب والفول السوداني، كما أثر ذلك سلبيا على تدفق المياه باتجاه الخزانات الرئيسية الحيوية لضمان عمل مولدات الطاقة الكهربية وري الأراضي الزراعية إبان الشتاء، بينما أعلنت الحكومة الهندية، بالفعل، أن الجفاف أصاب 40% من الأراضي الزراعية.
علاوة على ذلك، دفع موسم الرياح الموسمية السيئ 25 شخصا، على الأقل، بولاية إندرا براديش (جنوب الهند) إلى الانتحار خلال الشهرين الماضيين في خضم المشاكل التي يعاني منها المزارعون بسبب الديون.
ومما يذكر أنه منذ عام 2001، انتحر ما يقرب من 90000 مزارع في الهند بسبب الديون، طبقا لتقرير حكومي.
في هذه الأثناء، يقول مانوج كومار، الناشط الاجتماعي الذي يعمل مع المزارعين في منطقة جهانسي: «كان هذا الأمر قائما منذ فترة قبل الآن، لكن الناس كانوا مترددين إزاء التكلم علانية عنه».
وأضاف: «إنهم يعيشون على الديون، ويعد بيع الزوجة أو الابنة الملاذ الأخير أمامهم، وبمجرد أن يمل (الزوج الجديد) من المرأة، يبيعها لآخر».
ويتهم النشطاء الاجتماعيون، عموما، الشرطة والإدارة المحلية بالانحياز إلى والتواطؤ مع المرابين الأكثر نفوذا، الذين يحكمون قبضتهم على مقدرات معظم المزارعين.
مع هذا، فإن الكشف عن هذه الممارسات تسبب في إشعال أزمة سياسية كبرى في وقت تخضع أوتار براديش لحكومة ترأسها امرأة هي كوماري ماياواتي، تنتمي إلى طبقة اجتماعية متدنية (الداليت أو الهاريجان ـ المنبوذين)، علما بأن أحزاب المعارضة تحمل حكومة ماياواتي اللوم عن الوضع الراهن، لكن الحكومة أصدرت أوامرها بإجراء تحقيق في الأمر.
ومن ناحيتها، وصفت «اللجنة الوطنية للمرأة» في الهند هذه الممارسات بأنها «عار وطني» وأرسلت فريقا يعكف حاليا على التحقيق في الحالات التي وقعت.
وتعلق جيريجا فياس، رئيسة «اللجنة الوطنية للمرأة» على ما يحدث قائلة: «إنه لأمر بشع ويستحيل تصديقه أن تكون هذه الممارسات لا تزال تجري في البلاد، وفي أوتار براديش، بالذات، حيث تتولى سيدة منصب الوزير الأول. من جانبنا، بعثنا فريقا لسبر أغوار تفاصيل الأمر وطلبنا وضع تقرير في غضون 24 ساعة».