ممنوع على الأطفال
يُحظر دخول هذا المنزل على الأطفال، ويُطلب إلى الكبار التوقيع على وثيقة إخلاء مسؤولية قبل دخولهم. والمشكلة هي الأرضية الإسمنتية، التي ترتفع وتنحدر مثل سطح كعكة كبيرة متعرجة من الشوكولاتة. لكن بالنسبة لأركاوا الذي يبلغ من العمر 71 عاما، وهو الفنان الذي قام بتصميم المنزل مع زوجته مادلين جينز، فإن أرضية هذا المنزل تبعث على البهجة، كما انها تعتبر أرض اختبارات ملائمة.
ويقول أركاوا وهو يعدو فوق أرضية المنزل ممتلئاً بحماس الشباب، إنه يشبّه نفسه بالرجل الأول الذي سار على القمر: «إذا كان نيل آرمسترونغ هنا، فإنه كان سيقول، إن أرضية هذا المنزل أفضل من سطح القمر». وسرعان ما أخذت السيدة جينز التي تبلغ من العمر 66 عاما، بالإسهاب في الفوائد الصحية لهذا المنزل، الذي عمل مصمموه على أن يقوم الأفراد باستخدام أجسادهم بطريقة جديدة للمحافظة على التوازن، على اساس ان هذه الطريقة تنشط أجهزة المناعة في أجسادهم.
وخلال 45 عاما قضياها في العمل كفنانين وشاعرين ومهندسين معماريين، طور الزوجان فلسفة سرية للحياة والفن، وهي نظرية يسميانها الوضع المعكوس. وقد جعلا على وجه الخصوص من هذه النظرية مهمتهما الأساسية في الحياة ـ وقاما بعمل رسائل بحثية ولوحات فنية، إلى جانب تأليف كتب وبناء مشروعات مماثلة وفق نفس النظرية ـ لمقاومة الشيخوخة وعواقبها. يقع المنزل في لونج آيلاند، وتكلف بناؤه أكثر من مليوني دولار، وهو أول عمل معماري كامل لهما في الولايات المتحدة، كما يعتبر نقطة تحول في نشاطهما، كما ينظران إليه.
وقد تم تسليم المنزل، الذي ما زال غير مأهول، في أواخر التسعينيات، من قبل صديق قام ببيعه إلى مجموعة غير معلن عنها من المستثمرين، بعد أن طالت فترة إنجاز المشروع وزادت تكاليفه.
ويقول أركاوا والسيدة جين، إن المنزل مستعد الآن لتجديد شباب من يسكن فيه. وبالإضافة إلى أرضية المنزل، التي يتعرّض من يسير عليها بغير تؤدة إلى الانزلاق حتى يصل إلى المطبخ، الذي يقع في منتصف المنزل، فإن مميزات التصميم الخاصة بالحوائط تتمثل في وجود نحو 40 لونا عليها، ووجود مستويات متعددة للإيحاء بأن المرء على وشك الوقوع في الحال، كما أن النوافذ وضعت على ارتفاعات مختلفة، كذلك وضعت مفاتيح الإضاءة ومخارج الكهرباء بصورة منحرفة وغريبة، مع وجود العديد من العوائق التي تزحم المنزل حتى في مداخل الأبواب وملحقاتها.
والهدف هو أن يكون سكان المنزل على حذر تام وبشكل دائم. فالراحة هي نذير الموت، ولذلك فإن المنزل يعمل على جذب انتباه ساكنيه نحو الأشياء المحيطة بهم، ولذلك يظلون شبابا. ويقول المهندس المعماري ستيفن هول، وهو على علاقة بالزوجين منذ نحو 15 عاما على الأقل، إن تصميم المنزل يقصد به استثارة الشعور بالانتباه «إنه يثبت مقولة إن الإنسان يبلغ من العمر حسبما يشعر، وليس حسب سنه الحقيقية».
وبالنسبة لأركاوا، فإن الوضع المعكوس يتعلق بما هو أكثر من مجرد حالة العقل. وكمثال على ذلك، فإنه يعرض تجربة بعض كبار السن الذين كانوا يسكنون في منزل (قام هو وزوجته بتصميمه منذ فترة قريبة) في ميتاكا باليابان. ومن شأن استكشاف المحيط المخادع (في بعض الأحيان، يجب على المرء التحرك «مثل الثعبان» عبر أرضية المنزل) أن يحفز أنظمة المناعة في جسم الإنسان. ويقول أركاوا: «بعد ثلاثة أو أربعة أشهر، فإنهم يقولون: نعم.. لقد كنت على حق. إنني الآن أكثر لياقة!».
ومثل العديد من نظريات أركاوا وجينز، فإنه من الصعب معرفة إلى أي مدى يمكن تصديق نظريتهما هذه، بل إن أقرب المقربين من هذين الزوجين، لا يتفقون مع هذه النظرية. وقد وصفهما دون إيد، وهو أستاذ في فلسفة العلم والتقنية في جامعة ستوني بروك، وصديق للزوجين، بأنهما مثيران للجدل، مضيفا: «أن عملهما يجعل الناس تفكر في شيء لم يكن لهم أن يفكروا فيه بطريقة طبيعية».
وفي محاولة لإثبات صحة قوله، فإن البروفيسور إيد كتب بحثا يتوقع فيه شعور قطته إذا عاشت في هذا المنزل، قدمه في المؤتمر الدولي الثاني لأركاوا وفن جينز المعماري والفلسفة، في فيلادلفيا، بعنوان: «مقاومة الشيخوخة» وقد قام قسم اللغة الإنجليزية في جامعة بنسلفانيا برعاية جزء منه.
وقد أفاد البروفيسور إيد بقوله: «معظم الأفراد الذين يفسرون أعمالهما، ينظرون إليها من وجهة نظر مجازية». لكنَّ لورانس ماريك، وهو مهندس معماري من مانهاتن، ساعد في تصميم المنزل أثناء فترة البناء، لا يتفق مع نظرية الزوجين، ويقول: «يعتقد أركاوا أنه ببناء الأشياء بالطريقة التي يعتقدها، إن الحياة سوف تطول. وأنا لا أعرف إن كان على صواب أم لا، ولكن المنزل يضفي شعورا من السعادة على ساكنيه ـ وهو شعور لا تشعر به في العديد من البنايات ـ ويجب علينا دراسة كيفية حدوث ذلك».
ويعيش أركاوا الذي أسقط اسمه الأول منذ نحو 40 عاما، في ناجويا باليابان، ودرس الطب والفن في طوكيو، وانتقل إلى نيويورك عام 1961 عندما كان في العشرينيات من عمره. وكان يحمل في جيبه 14 دولارا فقط، ورقم هاتف مارسيل ديشامب، الذي كان يعيش في غرين وتش فيلاج، وقد أصبح ديشامب راعيا له.
وبعد سنتين، التحق بكلية الفنون في بروكلين، بعد الحصول على تأشيرة الإقامة وليس بسبب التعلم، حسب قوله، وهناك، قابل السيدة جينز، زميلة الدراسة، والتي عاشت في لونج آيلند. وقد قالت جينز: «في هذا الوقت، كنت منعزلة عن المجتمع، الذي لم أجد فيه أي إجابة لما أبحث عنه». وخلال أيام، أصبحا زوجين، واشتغلا في الفن معا. وخلال السنوات العديدة التالية، حيث كانا يعيشان في منزل مرتفع بشارع هوستن، قاما بالعمل في مجال الشعر والفلسفة واللوحات الفنية والفن التصوّري. وتقول السيدة جينز: «منذ البداية، كان العنصر الأساسي في عملنا، هو كيفية المحافظة على شباب البشر».
ومن بين أعمالهما المعمارية، حديقة في وسط اليابان، تسّمى «موقع الوضع المقلوب» قاما بتصميمها عام 1995، وتتكون من أفدنة من الأسطح المنحرفة، ويتم تقديم نصائح مكتوبة للزائرين في مطوية صغيرة، من قبيل: «بدلا من الخوف من فقدان اتزانك، عليك أن تتطلع إلى حدوث ذلك». وهو الأمر الذي يدفع العديد من الأفراد الذين كسرت عظامهم هناك، بالمطالبة بأن يكون اسم هذه الحديقة حقيقيا بالفعل وليس مجازيا.
في عام 1997، قام فرع سوهو لمتحف غوغنهايم بعرض بعض أعمال الزوجين. وقد أشارت روبرتا سميث التي تكتب في صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن «فلسفتهما أو الألغاز اللغوية التي يقدمانها، يمكن أن تعمل على اتساع العقل بطرق سريعة ورائعة». لكنها لم تستحسن جهودهما في مجال البناء، وهو ما قالت عنه: «إن المباني الباهظة التي تقوم على أفكار نظرية، تعتبر إحدى آفات الفن المعماري المعاصر، وقد بدأت في الانتشار، رغم أنها نظرية أكثر منها عملية».
وعلى الرغم من ذلك، فإن الزوجين يعتقدان أن «المبنى الواحد يستحق عشر سنوات من الاستكشاف النظري». حسبما أفادت السيدة جينز. وفي عام 1998، فازا بمسابقة قامت مدينة طوكيو برعايتها، لبناء مشروع إسكاني كبير على مساحة 75 فدانا كانت تستخدم كمنفى للقمامة.
ومع أن المشروع لم يتحقق، إلا أن مجموعة من المؤيدين في طوكيو قامت بترتيب بناء 9 وحدات من الطراز المرتفع، الذي يشبه تلك الموجودة في إيست هامبتون، وأفادوا بأنهم كانوا يحاولون العثور على مؤيدين ـ وهو مجهود تضمن عروضا غير ناجحة تم إرسالها إلى بليونيرات النفط الروس ـ لبناء فندق يشبه بنايات الأوضاع المقلوبة.
وقد كان بيت إيست هامبتون نتاج صداقة الزوجين مع فنان إيطالي يسمى فينسنزو أجنيتي، توفي عام 1981، وشريكته لفترة طويلة إنجيلا جالمان. وفي عام 1998، طلبت إليهما السيدة جالمان التي تمتلك محلا صغيرا ومنزلا في إيست هامبتون، بناء جزء إضافي لتطبيق نظريتهما بخصوص الوضع المقلوب.
وخلال وقت وجيز، قاما بعمل نماذج توضيحية لبناء تنخفض فيه الأسقف في بعض الأماكن لتتصل بالأرضية. وحتى عندما قام الزوجان بتبسيط التصميم، فإن العثور على مقاول لبنائه كان أمرا صعبا. وتقول السيدة جينز: «قال أحد المقاولين إنه يستطيع بناء الجزء الإضافي مقابل 1.5 مليون دولار، وقال آخر إنه يستطيع بناءه في مقابل 385 ألف دولار. فمن اختار إذا؟
لكن التكاليف زادت بصورة كبيرة، واستبعدت السيدة جالمان فكرة المشروع. وتقول السيدة جينز إن بنات السيدة جالمان كن يعتقدن «أنها كانت مجنونة لأنها تعمل معنا». ولفترة من الوقت، بدا أن كل شيء قد انهار، لكن في العام الماضي، حسبما يقول أراكاوا وجينز، جاءت إليهما مجموعة من الأساتذة لشراء المنزل من السيدة جالمان في مقابل 1.25 مليون دولار، بالإضافة إلى مليون دولار لإكماله.
ولم يكشف أراكاوا والسيدة جينز عن المشترين، أو كيف يخططون لاستخدام المنزل. ويقول دافيد شوارتز، وهو شريك في شركة «دوفال آند ستاشنفيلد» للشؤون القانونية، ومحام عن المشترين، الذين يشار إليهم على أنهم مجموعة من الأساتذة في سجلات الملكية: «إنني لست مخولا بقول أي شيء» عن عملائه.
ويتكون المنزل الذي تم الانتهاء منه من أربع غرف مستطيلة، تحاط بمساحة للمعيشة، ليس لها طراز محدد. وقد بنيت الحيطان من مواد مختلفة تشمل المعدن والبولي كاربونيت الشفاف، الذي يعكس ضوءا خافتا، كما تمت صناعة الأرضيات حسب الطراز الياباني التقليدي، باستخدام تربة متصلبة تم خلطها ببعض الإسمنت.
وهناك بعض الأعمدة المعدنية ذات الألوان الساطعة، والتي يمكن لمن لا يستطيع السير بقوة، أن يمسك بها. ويشكّل غياب الأبواب الداخلية سيلا دراماتيكيا لمساحة المنزل ـ ويبدو أنه يسبب مشاكل لا يمكن علاجها فيما يتعلق بالخصوصية.
وتقول السيدة جينز بشيء من الغموض: «يجب عليك خلق الخصوصية الخاصة بك». وفي الواقع، فإن هناك خطاطيف في السقف، ويمكن في يوم من الأيام أن يتزين المنزل ببعض الستائر أو غير ذلك من الحواجز.
ويقول جورج بيشوب رئيس شركة جت ريل سيرفيسس في بوغكبسي بنيويورك، (التي قامت بتصنيع الطاولات والألواح الخشبية وحوض استحمام حسب متطلبات الزوجين، والذي قدم لهما خصما يصل إلى تسعين في المائة، إنه كان مبهورا بالزوجين، كما قال: «إنهما كانا يتمتعان بحماس أطفال في العاشرة من عمرهم في حفلة». ويرجع جزء من جاذبية هذين الزوجين إلى اقتناعهم التام، فالسيدة جينز تتحدث بعاطفة كبيرة وحماس شديد عن عملهما، كما أن طريقة كلام أراكاوا التي يصعب فهمها أحيانا بسبب لهجته، تبدو جذابة عندما يتحدث عن إنجازاتهما.
وحسب قوله، فإنهما قاما بتعليم الفيزياء للفيزيائيين والطب للأطباء والفن للرسامين، وفي قصة من قصص أراكاوا، فإن دي كونينج وروثكو قد اندهشا إعجابا بملاحظاته الرائعة حول الألوان.
ويقول أراكاوا: «يجب منحنا جائزة نوبل لما قمنا به». وعندما سألنا السيدة جينز عما إذا كان زوجها جادا في قوله ذلك، أجابت بقولها: «بالطبع إنه جاد فيما يقول».