الفوضى .. مطلوبة عند الأطفال لتنمية خيالهم
الفوضى .. هل ترتبط بالمكان وترتيب مفرداته، وضبط إيقاعه، أم تمتد إلى الروح والعقل والوجدان، وربما الزمان أيضا؟ ثم ماذا تفعلين إذا كان زوجك أو كانت زوجتك كائنا فوضويا إلى حد الإدمان؟.
في عرف الموضة والإتيكيت، تبدو الفوضى وكأنها نقيض الأناقة والجمال والتنسيق، ومع ذلك فثمة من يرى أنه لا بأس من «بعض الفوضى» لكسر روتينية الحياة، وتجديد طاقة الخيال والحواس، حتى نستوعب تقلبات العالم المجنون من حولنا.
يدلل أصحاب هذا الرأي على ذلك بشيوع نظرية «الفوضى الخلاقة» التي أصبحت تشكل مقوما رئيسيا، ليس فقط في الأدب والفن، بل في السياسة وأسواق الموضة والأزياء، وتتمثل في عدم التنسيق المتناهي بين الوان الاكسسوارات والماكياج وغيرها.
لكن «ثناء إبراهيم» لا تقتنع بكل هذا، فالفوضى لديها تعني الإهمال واللامبالاة وعدم الاحترام.
رأي ثناء الصارم ربما يعكس طبيعة عملها كخبيرة بأحد مراكز البحوث العلمية، وهو عمل يتطلب الانضباط والدقة واختيار المنهج الصحيح.
عندما ووجهت بالتعليق أن الحياة الزوجية ليست معادلة كيميائية أو رياضية، كما أن المشاعر والعواطف ليست كائنا معمليا، أو عجينة اختبار تخضع للتجريب والتحليل بحسب معطيات ونسب محددة، أجابت بتحفظ: «نعم كل هذا صحيح إلى حد ما، لكن ماذا تفعل حين تعود من عملك مرهقا ومكدودا، وتجد زوجتك الجميلة قد أحالت بيتك بكل مفرداته ومحتوياته إلى كائن مشوه وقبيح؟ هل تسمي هذا فوضي خلاقة، أم قلة ذوق».
ان جدلية الفوضى الخلاقة هي في النهاية محاولة للإمساك بزمن خاص للراحة والاستقرار».
وبنبرة مشوبة ببعض العصبية تابعت: «الطامة الكبرى حين يكون الزوج مثقفا ومبدعا ينشد الجمال والتناسق والانسجام.
أنا أم لولدين عمرهما يتراوح ما بين 7 و10 سنوات، لا أستطيع أن أسيطر عليهما، فالفوضى أصبحت تجري في دمائهما، وكل يوم أعاني في ترتيب غرفتيهما، والسبب في ذلك والدهما، عاشق الفوضى لدرجة أنه يناديني أحيانا باسم «وردة الفوضى الجميلة»، وصدق المثل «من شابه أباه فما ظلم».
تضحك ثناء وهي تقول: «برغم ذلك أنا أحبه وكثيرا ما ألتمس له الأعذار، لكن ما يعذبني هو خلط الفوضى بالحرية.
قبل بضعة أيام كنا على موعد مع مناسبة عائلية، شمرت ساعدي وأعددت مائدة عامرة بالطعام الشهي، كان جزائي عليها تعليق ساخر من ابني الصغير» يا ماما الأكل لذيذ جدا ، لكن جربي مرة شوية فوضى».
وحين سألته: كيف؟ أجابني على التو «لخبطي يعني سمك لبن على تمر هندي».
على عكس «ثناء» لا تخفي «شاهندة. ن» وهي مرشدة سياحية بإحدى الشركات الخاصة ولعها بالفوضى، ولا تخجل من التصريح بكونها كائنا فوضويا.
تبرر شاهندة ذلك بمنطق يبدو شديد الطرافة تقول: «جسدي يعشق الفوضى، فأنا لا أحس بلذة الاسترخاء، ومحبة الكسل والراحة، في منزل منضبط ومرتب، أثاثه يبرق ويلمع، بشكل يصعب عليك أن تلمسه أو تستمتع به.
الفوضى تفجر في الأشياء حيوية مباغتة، وتجعلنا نستمتع بها على فطرتها، من دون حواجز أو اعتبارات شكلية، بل أحيانا تضفي على الأشياء لمسة من الجمال والحميمية، وعموما ليس ثمة نظام من دون فوضى».
وتضيف شاهندة أن عملها يتطلب المرونة والدقة والالتزام «وهذا ما أراعيه على نحو خاص في الإطار العام، لكنه أيضا قابل للفوضى.
فالسائح كثيرا ما يريد أن يتحرر من فكرة «المرشد الدليل» ليكتشف الأشياء بنفسه، وأنا أتيح له ذلك، من منطق الاحتياج الإنساني للخروج على النظام أحيانا».
وعلى الرغم من أن عشقها للفوضى كان السبب في انتهاء علاقتها الزوجية بشكل سريع ومفاجئ، إلا أن شاهندة تعلق على الأمر ببساطة: «اختلفنا بسبب أشياء تافهة مثل: موقع «المزهرية» فوق طاولة الطعام، ووضع صورة الزفاف في الصالون، وترك الصحف والمجلات أحيانا متناثرة فوق الكراسي والأرائك، وترتيب وضع الأشياء في المطبخ.
وكان من الصعب أن تلتئم الشروخ والمفارقات بين كائن فوضوي يقر بالنظام، لكن لا يقدسه، وبين كائن منظَّم لا يقر بحقيقة الوجه الآخر للنظام وهو الفوضى».
مشهد آخر من غبار الفوضى يثيره «طارق. أ» وزوجته «هند. ص». يرى طارق، مهندس كهرباء، أن المسألة نسبية إلى حد كبير، ولا بد أن يراعي كل طرف الآخر، ويتفهم مزاجه وإيقاعه النفسي، مدعما فكرته بإيقاع الحياة المتوتر والعيش في واقع اجتماعي معقد وملتبس يصعب أن نتصور الأشياء فيه تمشي على خط مستقيم واضح، من دون فواصل أو تعرجات.
بينما تصف زوجته هند، وهي أخصائية اجتماعية المسألة «بسوء السلوك». ففي رأيها أن الإنسان كائن منظم بالفطرة، وولادته ثمرة لهذا النظام.
وتدافع عن رأيها بملاحظة مهمة، وهي أن الأم التي تتعرض في فترة الحمل لضغوط من الفوضى والاضطرابات العصبية والبدنية والغذائية، يؤثر كل هذا على الجنين، وقد يولد مشوها أو مصابا بخلل ما.
وعلى ضوء ذلك تؤكد هند أن النظام سلوك الفطرة، والفوضى نقيضها. وتتابع: «عموما تتسم الأشياء كلها بمنطق نسبي، وأنا اتفق مع طارق في هذه النقطة، لكن في المسائل المصيرية للأشياء وجه واحد فقط. إما فوضى، وإما نظام، إما حب، وإما لا حب. وأنت أولا وأخيرا حر فيما تختار».
يتقاطع مع كل هذه المشاهد أستاذ علم النفس، شاكر إبراهيم، مؤكدا أن العالم لا يخلو من الفوضى، لكن برغم شيوعها في أدبيات الفكر والأدب والفن، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى القانون.
صحيح أن الفوضى أحيانا تكون وسيلة من وسائل التعلم، خاصة بالنسبة للطفل حين ندعه يقلب ويبحث في لعبه وأشيائه، ليستمتع بعملية الفك والتركيب، ومعرفة الخطأ من الصواب، كما يلجأ إليها البعض بشكل عفوي لكسر رتابة الحياة، لكن من الخطر جدا أن تسود الفوضى حياة الأسرة، لأن معنى ذلك ببساطة شديدة دعوة للتحلل من النظام، وأن يفعل كل فرد ما يحلو له، بصرف النظر عن مدى تعارض هذا أو توافقه مع مشاعر وعواطف وحرية الآخرين.
وهو ما يكرس لفكرة الفردية والأنانية على حساب الروح الجماعية للأسرة، والتي تجعل كل فرد فيها يكمل الآخر.
وينصح الدكتور شاكر بإعلاء لغة الحوار وتنمية القدرة عليه بشتى السبل بين أفراد الأسرة حتى يمكن التغلب على مشاكل الفوضى، وحتى لا تتفاقم وتتحول إلى سلاح يهدم الأسرة.
كما ينبغي أن يدرك الجميع أنه ليس ثمة كائن فوضي بذاته، فالفوضى سلوك مكتسب، مثلها مثل النظام وأي سلوك آخر.
ويجب أن نتعامل معها من منطق العادة، وأنها سلوك خاطئ قابل للتعديل إلى الأحسن والأفضل.
فإذا كان الزوج أو الزوجة يميل سلوكهما إلى الفوضى، ينبغي أن يتسع صدر كل منهما للآخر، وأن يتم التعامل مع هذا السلوك باعتباره مجرد سلوك عابر، أو ضيفا متمردا وطارئا على مائدة الأسرة، كما يجب أن يحرص الطرفان وبشكل تلقائي على إظهار محاسن وجماليات السلوك الآخر نقيض الفوضى، وأنه الأنسب لراحة واستقرار الأسرة، من دول الدخول في جدل يومي ينتهي بصراخ كل منهما في وجه الآخر «أنا كده.. ومش هتغير ..إذا كان عجبك».