مشكلة الدوار واختلال التوازن .. لماذا تحدث ؟

لأن غالبية مشاكل التوازن ليست دلالة على مشاكل صحية خطيرة حتى لو كانت الأعراض المصاحبة شديدة.
لأن غالبية مشاكل التوازن ليست دلالة على مشاكل صحية خطيرة حتى لو كانت الأعراض المصاحبة شديدة.

اضطرابات التوازن والدوار هي من أكثر المشاكل الصحية شيوعاً وازعاجاً. فهناك أعداد لا تحصى من المرضى الذي يزورون عيادات الأطباء والاختصاصيين بشكل يومي من أجل ايجاد حل لهذه المشكلة.


فمن المعلوم بأن الشعور بفقدان التوازن أو الدوار يعتبر من أكثر المشاعر والخبرات ازعاجا على الاطلاق.

 ويعزى ذلك لأن نتائجها تمتد لتؤثر في جميع نواحي الحياة اليومية للشخص المصاب إلى درجة أنها تحرمه من القيام أو الاستمتاع بأبسط النشاطات اليومية كالمشي، التسوق، قيادة السيارة بل وحتى الوقوف باعتدال.

ولابد أن نوضح في البداية أن اضطرابات التوازن تعتبر السبب الأول والمباشر لأكثر الإصابات والجروح الناتجة عن السقوط جراء ذلك وخاصة مع كبار السن، ولسوء الحظ قد يجد المريض نفسه واحدا من الكثيرين الذين يعانون من هذه المعضلة وقد يجد نفسه مثلهم في حيرة كبيرة بعد حصوله على آراء متعددة ومتباينة عن سبب المشكلة بل وقد يشعر أنه قد أصبح عبارة عن حقل تجارب بعد قيامه بتناول أنواع لا تعد من الأدوية والأعشاب والوصفات الطبية بل والشعبية المختلفة مما يصيبه باحباط شديد فيظن أن ما يشعر به ما هو إلا من نسيج الخيال وأنه لا أحد يدرك تماما ما هي المشكلة! ولا أحد يتعاطف معه، فما هو العمل إذاً ؟!

والأجابة أن المريض قد يشعر بالراحة عندما يعلم أن مشاكل التوازن والدوار ما هي إلا كغيرها من المشكلات الصحية التي إذا تم تشخيصها بشكل صحيح ومنطقي يمكن بسهولة ايجاد حل وعلاج فعال لها. كما أن المريض قد يشعر أيضا بالراحة عندما يعلم أن هذه المشاكل هي ليست إلا أعراض مرضية وليست مرضاً بحد ذاته.

وعليه، فمعالجتها يجب أن تتم بطريقة صحيحة تبدأ أولاً بالتشخيص السليم ومن ثم العلاج. يتم هذا عادة بدراسة عميقة ومفصلة للحالة بالإضافة إلى عمل جميع الفحوصات المخبرية اللازمة.

تحديد المشكلة
أولاً يجب أن نتفق على تسمية صحيحة واضحة ومفهومة لما نشعر به لنتمكن أو يتمكن الاختصاصي من وضع يده على السبب الرئيسي للمشكلة. ويتم ذلك عن طريق التمييز بين شعورين واضحين وهما:

1) هل تشعر بالدوار أو الدوخة: أي هل تشعر أن الدنيا تدور من حولك أو أنك تدور حول نفسك كأنك في دوامة ؟ يشبه هذا الشعور ما كنا نحس به حين كنا نلعب في صغرنا لعبة الدوامة وهي أن نلتف بسرعة عدة مرات بشكل سريع ونتوقف فجأة فنشعر أن الدنيا ما زالت تدور وقد نقع على الأرض ونضحك! ربما كان هذا الأمر مضحكاً ومسلياً عندئذ لأنه كان مؤقتاً وطريفاً. لكنه ليس كذلك أبداً عندما يأتينا فجأة من دون سابق إنذار ويستمر لفترات طويلة يصاحبه شعور بالغثيان.

2) هل تشعر بحالة من عدم التوازن، كأن الأشياء تميل من حولك، أو أنك لا تستطيع أن تقف بشكل صحيح ؟ وهل تشعر بأنك لا تستطيع السير لوحدك من دون التمسك بشئ أي أنك تترنح ذهاباً وإياباً ؟

إذا كنت تعاني من الأعراض المذكورة في الحالة الأولى فالمشكلة بلا شك وبنسبة 96% تعود إلى خلل في وظائف الأذن الداخلية. أما إذا كانت الأعراض مشابهة لما ورد في الحالة الثانية فإن الأمور تصبح أكثر تعقيداً، وذلك لأن الأعراض قد تكون نتيجة عوامل كثيرة وتحمل معاني مختلفة: ولسبب ما، أول ما يتبادر إلى أذهان بعض الأطباء قليلي الخبرة والكثير من المرضى أن سبب مشاكل اختلال التوازن تعود ربما إلى وجود أورام دماغية أو مشاكل عصبية خطيرة ولكن في حقيقة الأمر فإن هذه الاحتمالية تعتبر نادرة جداً، لأن غالبية مشاكل التوازن ليست دلالة على مشاكل صحية خطيرة حتى لو كانت الأعراض المصاحبة شديدة.

و لحسن الحظ فإن الكثير من الحالات المرضية الشائعة لها نفس الأعراض، كما أن السبب الأكثر شيوعاً لحدوث الدوخة ينتج عن اضطرابات في وظائف الأذن الداخلية.

العلاج
العقاقير الطبية تعتبر أحد الوسائل الشائعة والمتبعة لعلاج اضطرابات التوازن والدوار. وعادة ما توصف للمرضى في المراحل الأولى، أي عند النوبة الأولى للدوار.

 تعرف هذه الأدوية بمثبطات الأعصاب التوازنية الطرفية vestibular sedative وعملها يكمن بتخدير الأعصاب الطرفية لجهاز التوازن الموجود في الأذن الداخلية من أجل تخفيف حدة الأعراض.

 ومن الجدير بالذكر أنه لا ينصح بتناول هذه الأدوية لفترة طويلة لأنه يقلل من فرص الشفاء التلقائي. فمن نعم الخالق عز وجل أن الدماغ البشري له القدرة على اكتشاف الخلل المسبب للدوار في أغلب الأحيان وعادة ما يقوم بمعالجته عن طريق ما يسمى بالتعويض المركزي وذلك بإعادة برمجة تدفق سيل النبضات العصبية وموازنتها والذي من نتائجه الشعور بالتحسن التدريجي.

أما الطريقة العلاجية الأخرى فهي من خلال زيارة اختصاصي مشاكل التوازن. الذي يقوم بفحص دقيق وعميق للحالة واجراء جميع فحوصات التوازن اللازمة التي تتضمن دراسة حركة العين، فحص السمع، فحص المشي، فحص الوقوف بشكل معتدل وغيره من الفحوص المخبرية من أجل الوصول إلى تشخيص دقيق ومن ثم وضع خطة علاجية فعالة. ومن الأساليب العلاجية المتوفرة تمارين التوازن الحركية balance retraining exercises. حيث قد يوصي الأخصائي بهذه التمارين لعلاج مشاكل التوازن الناتجة عن أمراض الأذن الداخلية بسبب الالتهابات أو إصابات الرأس.

ويتم تدريب المريض على هذه التمارين من قبل أخصائي العلاج الطبيعي أو الأخصائي الذي لديه خبرة في علاج أمراص التوازن. حيث يتم تحديد نوعية التمارين المناسبة لحالة المريض وتدريبه عليها للقيام بها خلال الأوقات المناسبة له.

 وأهمية هذه التمارين تكمن في أنها تجعل المريض يحس بالدوار البسيط مما يساعد الدماغ على التكيف التدريجي بحيث يبدأ الدوار في التلاشي.

وقد يحتاج المريض لأداء هذه التمارين مرتين يومياً لعدة أسابيع قبل أن يشعر بالتحسن وعلى المريض أن يستمر في عمل هذه التمارين حتى تزول الدوخة أو الدوار وقد يستغرق مثل هذا البرنامج العلاجي 8-9 أشهر حسب شدة الحالة من مريض لآخر.