الأزمة الاقتصادية تهز عرش باريس .. ودار «لانفان» للبيع لمستثمر قطري

عندما تنخفض درجات الحرارة في اسبوع باريس، تأكد أن المصمم ايلي صعب، يمكن ان يضفي عليها الدفء والقوة معا.


ومن محاسن الصدف، أن الشمس اشرقت يوم السبت، يوم عرضه، بعد اسبوع ممطر وقاتم، لتكون أنسب خلفية لأجمل باقة ورد قدمها للمرأة الرومانسية والحالمة، التي لا يهمها ما يجري في الاسواق العالمية.

 أساسا لأنها في منأى عنها. وطبعا هذا سينعكس بالإيجاب على إيلي، الذي أكد بعد العرض ان الأزمة لن تؤثر عليه، فعندما يغلق باب تفتح عدة أبواب «قد تتأخر بعض مشاريعنا التي كنا ننوي القيام بها في أميركا، والتي كنا مستعجلين عليها، لكننا أولا وأخيرا نتوجه للعالم كله، وبالتالي هناك دائما أسواق جديدة يمكن ان تغني عنها في الوقت الحالي».

بدأ العرض بفساتين كوكتيل تصل إلى الركبة ومطرزة بالخرز والأحجار وتايورات مفصلة بجيوب منتفخة، ثم بدأت تتوالى فساتين حالمة من الكريب والجيرسيه والموسلين وحرير الجورجيت والدانتيل، منسدلة بحرية، بعضها بأكمام مبتكرة، بدت فيها العارضات وكأنهن فراشات يتنقلن بين الورود في حديقة انطباعية بريشة الرسام مونيه، والبعض الآخر بذيول طويلة وكأنهن أميرات من عصر الأندلس.

 أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تصميمات غنية وسخية بالأقمشة، سواء في الأكمام أو عند الظهر من خلال ذيل طويل يبدأ من تحت الكتف إلى الاسفل.

 الألوان ايضا كانت مشهية للغاية ومفعمة بالتفاؤل والأمل، فقد كانت على خصام تام مع الأسود وكل ما يقاربه.

يقول إيلي أنه استوحاها من حديقة ربيعية، ومن هنا كانت ألوان البنفسج والليلك والورد والياسمين والبيج وغيرها «أردت من خلالها ان تكون المرأة متفتحة ومنتعشة مثل الربيع».

وهذا ما نجح فيه بالضبط، خصوصا أنه تخلص من التطريزات الكثيرة، التي ارتبطت به في فترة من الفترة، واتهم بسببها أنه يغازل الثريات العربيات فقط، واستعاض عنها بالقصات الساحرة، مرة على شكل درابيه، ومرة على شكل كشاكش أو كرمشات جمعها على شكل وردة على الكتف أو الجانب، ليؤكد أن اسلوبه عالمي، ولا جنسية له سوى الذوق الرفيع.

رغم انه قدم حوالي 47 فستانا، لم يقع في مطب التكرار ولم يصبنا ولو للحظة بالملل، بل العكس، مرت الـ47 قطعة وكأنها 14 فقط. ولدقائق عيشنا الحلم وأعاد لباريس بريقها وأرانا وجهها الجميل، الذي كادت تغطي عليه الإشاعات، بعد ان تعالت فيها دقات اجراس الخطر لتثير الرعب في صفوف مصمميها الشباب. فلا أحد منهم آمن بعد اليوم.

مما لا شك فيه ان الإحساس الذي غلب على الاسبوع أننا في عالم سريالي. فمن جهة كان كل عرض يتسابق لأن يحقننا بجرعة امل من خلال النقوشات والورود والوان الصيف والانتعاش، ومن جهة ثانية كانت هناك حالة من عدم تصديق ما يحدث من تغييرات في بعض دور الأزياء الكبيرة، وإن كان غريبا ان نستغرب، لأننا نعرف في قرارة أنفسنا ان كل شيء وارد في عالم الموضة.

كما نعرف أن هناك وجها آخر، لا تظهر شراسته إلا وراء الكواليس، وان هناك جانبا من الصحة في الصورة الكاريكاتورية له في الافلام، وإن كانت فيها بعض المبالغة.

وهي صورة تغلب عليها السطحية، وتقول انه يقوم على المظاهر والطعن من خلف الظهر، عدا عن المصالح الشخصية التي يأتي بعدها الطوفان.

وخلال هذا الاسبوع الباريسي، وفي موسمه لربيع وصيف 2009، أكد على الاقل انه عالم من دون ولاءات عندما يتعلق الأمر بالربح السريع بدليل استبدال إيفانا أوماجيك بفيبي فيلو في دار «سيلين» والإشاعات التي تفيد بأن أليساندرا فاتشينيتي هي الأخرى سيتم الاستغناء عنها في دار «فالنتينو» بعد موسمين فقط من تعاونهما مع بعض.

صحيح ان الأزمة الاقتصادية لعبت دورها، خصوصا أن أميركا تعتبر من اهم اسواق الموضة في العالم، لكن الحقيقة انه في غياب الكبار غابت ثقافة بأكملها وبدت تطفو على السطح ثقافات جديدة وذخيلة لا تعترف بالجانب الإنساني في الكثير من الأحيان.

فمنذ رحيل بعض هؤلاء الكبار، واستقالة بعضهم الآخر، أو بعد أن فقد بعضهم زمام الأمور واصبحت مصالحهم في ايدي مجموعات تجارية كبيرة، وثقافة الولاء تتراجع.

الآن اصبح من السهل على رؤساء مجموعة ان يستبدلوا مصمما بعد موسم أو موسمين فقط، أي حتى قبل ان يأخذ فرصته ويتأقلم مع الدار التي انضم إليها.

ويزيد الأمر سوءا إذا كان المصمم الجديد قد التحق بدار اشهر من نار على علم، مثل «غوتشي» أو «فالنتينو»، ففي هذه الحالة تكون التوقعات أكبر من الواقع بكثير.

وما علينا إلا عقد مقارنة بين الأمس واليوم، فمنذ ان التحق الألماني كارل لاغرفيلد بدار «شانيل» والبريطاني جون غاليانو بدار «كريستيان ديور» لم تعرف بيوت الأزياء الكبيرة ولاءات وزواجات ناجحة مماثلة، حيث رأينا العديد من المصممين تقطع اعناقهم بعد مواسم قليلة من توظيفهم.

المحير في الأمر اننا قد نفهم سبب استبدال الأوكرانية إيفانا أوماجيك بالبريطانية فيبي فيلو في دار «سيلين»، وهو بالتأكيد ليس لأن الأولى فاشلة أو تفتقد الموهبة، بل فقط لأن الثانية بنت شعبية كبيرة في السوق، في أوساط صحافة الموضة وهوليوود عندما اشتغلت في دار «كلوي».

لكن من الصعب فهم السبب الذي على أساسه سيتم الاستغناء عن الإيطالية اليساندرا فاتشينيتي في دار «فالنيتنو»، لأن تشكيلتيها، في الموسم الماضي وفي هذا الموسم، كانتا في المستوى وتحترمان التعليمات التي تلقتها .. ان تحترم اسم الدار واسلوب مؤسسها وان تخاطب شريحة الشابات الصغيرة.

وهذا ما حققته. فقد انزلت تصميمات الدار من السجاد الأحمر إلى ارض الواقع، خصوصا وانها ارسلت العديد من الفساتين الطويلة مع احذية منخفضة بدون كعوب، لسعادة المرأة التي اصيبت بالتخمة من الأحذية الفنية والعالية، فضلا عن تصميمات شبابية اخرى، لكن هذا كله لم يشفع لها إذا صحت الإشاعات.

ما سيأتي أعظم حسب البعض، ممن يتوقعون ان تأثير الأزمة سيكون اكبر في الموسم المقبل.

فعلى الرغم من ان المصممين في باريس اجمعوا ان يتحدوها وقدموا مضادات لها، من حيث الألوان الحية والتصميمات الانيقة والمنطلقة، بلا مبالاة، على اقمشة مترفة مثل الموسلين والشيفون والحرير والبروكار وغيرها، إلا ان الواقع يقول عكس ذلك، فعدا التسرع في استبدال المصممين، فإن بعض دور الأزياء بدأت تبحث عن مستثمرين يضخون فيها بعض المال مقابل الحصول على الجمال، مثل دار الأزياء «لانفان»، التي يقال انها معروضة للبيع، وأن هناك عرضا على الطاولة من جهة قطرية، لم يكشف عن اسمها، على اساس ان يتم الكشف عنها في حال تم التوصل إلى اتفاق في آخر شهر اكتوبر.

وتعتبر «لانفان» من اعرق وأقدم دور الأزياء في باريس، إذ تأسست في عام 1889 على يد جين لانفان، وعرفت تراجعا لفترة، لكن ما إن تسلمها البير إلبيز حتى حقق لها العجائب، وادخلها عالم هوليوود والمخمليات. لكن بلغة الأرقام فإن الأمر قابل للتحسين، على الاقل في بعض الاسواق العالمية.

من جهتها تبحث دار «كريستيان لاكروا» أيضا عن مستثمر، خصوصا أن مبيعاتها لم تحقق أرباحا كبيرة، بالنظر إلى ان أغلب معجباته والمخلصات له هن من اميركا.