بيوت الأزياء تستثمر في العقار لتلعب على العاطفة
من «سنتريا» في الرياض إلى «مايفير» بلندن، مرورا بعواصم موضة عالمية أخرى في ميلانو وباريس ونيويورك، تلحظ حركة غير مسبوقة تتمثل في افتتاحات أقرب إلى عمليات غزو. والمقصود بالافتتاحات هنا المحلات الضخمة التي تتبارى بيوت الأزياء في ألا يضاهي فخامة واجهاتها ومعروضاتها سوى ديكوراتها المبهر
ورغم أن كثيرا من هذه البيوت توجه أنظارها نحو الرياض على أمل نيل رضا زبونها في المنطقة، تبقى للندن حصة الأسد من هذه الافتتاحات، فقد شهدت منطقة «مايفير» مؤخرا افتتاح فيكتوريا بيكام و«جيمي شو» و«إيسي مياكي» وماريا كاترانزو وغيرهم محلات رئيسية لهم فيها.
في بداية الشهر الحالي، جاء الدور على «ديور» لتفتتح أكبر محل لها في العاصمة البريطانية، محل مكون من 4 طوابق واستغرق 4 سنوات لإتمامه.
ما لا يخفى على أحد أن هذه الافتتاحات لا تتزامن مع أزمة اقتصادية حادة يعاني منها عالم المنتجات المرفهة فحسب، بل أيضا مع دخول مواقع التسوق الإلكتروني المنافسة بكل قوتها مع بيوت الأزياء الكبيرة. وهذا ما يجعل هذه الخطوة مضادا لا بد منه لكي تحافظ هذه البيوت على مكانتها، وسلاحا تتصدى به لمواقع مهمة مثل «نت أبورتيه» و«مستر بورتر» الرجالي وغيرهما، مما أخذت حصة لا يستهان بها من السوق.
بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف تبرر هذه المحلات المصاريف الضخمة التي تُصرف على ترميمها وديكوراتها؟
والجواب أنها على الرغم من تكاليفها العالية، فإنها تبقى مهمة لأنها تعتمد على العاطفة وبيع الحلم، وهذا تحديدا ما يجعلها لا تزال لحد الآن متفوقة على مواقع التسوق الإلكتروني، ونسبة 80 في المائة من المبيعات تتم فيها.
سيدني توليدانو، الرئيس التنفيذي لـ«ديور» أكد هذا الأمر لـ«فوج» قائلا إن الزبائن لا يدخلون المحلات لمجرد شراء فستان أو حقيبة يد أو بدلة، «فلو كان الأمر كذلك، لوجدوا بغيتهم في مواقع التسوق الإلكتروني، لكننا نقدم الترف في المقابل». هذا الترف يتمثل في التجربة نفسها، التي من المفترض أن تكون ممتعة .. تحتاج إلى كنبة مريحة وتفاعل إنساني مع البائعين، فـ«الإنترنت تلعب دورا مهما في توعية الناس وتوجيههم لآخر صرعات الموضة وجديدها، لكن التجربة الحقيقية تتم في المحلات»، حسب قوله.
لهذا ليس غريبا أن نرى دور أزياء كبيرة مثل «لويس فويتون»، و«شانيل»، و«بلغاري» و«ديور» تعتمد على مفهوم التسوق بوصفه تجربة عاطفية أولا، وثانيا على بيتر مارينو لتصميمها.
بالنسبة للعاطفة، فإننا كلنا نعرف أنه لا يمكن مقارنة تأثير لمس الحرير والدانتيل وشم روائح الجلود والتفاعل مع البائعين، بتجربة التسوق الإلكتروني التي تتم في البيت وراء جهاز كومبيوتر.
أما بالنسبة لبيتر مارينو، فرغم أن قلة سمعت باسمه، فإنه الرجل الحاضر في أغلب المحلات الكبيرة والشهيرة التي نرتادها، بدءا من محلات «شانيل» و«ميزون لويس فويتون» و«بلجاري» إلى «ديور» في «بوند ستريت».
من يقابل مارينو أو يره في عروض الأزياء، فلا يتصور أنه مصمم يتمتع بلمسات فنية في مجال الديكور، ولا أنه حاصل على عدة جوائز وشهادات تقدير، فضلا عن وسام الفنون والآداب برتبة «فارس» من وزارة الثقافة الفرنسية؛ فمظهره يعطي الانطباع بأنه من سائقي الدراجات النارية الذين يحبون التجول في العالم من دون قيود، وبأنه لا يحب الألوان الفاتحة كون اللون الأسود هو ماركته المسجلة إلى جانب الجلود، لكن ما إن تدخل أي محل صممه، حتى تشعر بأنك تتعرف على جانب مختلف من شخصيته يتناقض تماما مع الصورة التي يعكسها مظهره الخارجي.
وأكبر دليل على هذا نعومة ورومانسية ديكورات آخر إنجازاته: محل «ديور» الواقع بمنطقة مايفير، الذي تزامن افتتاحه مع عرض الـ«كروز» الذي قدمته الدار في قصر «بلانهايم» في أكسفورد شاير.
كانت التعليمات التي تلقاها واضحة؛ وهي أن يركز على ثلاث درجات من الألوان: الرمادي، والفيروزي الخفيف، والوردي، ومثل ساحر أو رسام نجح في مزج هذه الألوان، وجعلها تتماهى معا بشكل رومانسي وقوي في الوقت ذاته. فبعد أربع سنوات، سلم للدار الفرنسية محلا أقرب إلى قصر يزخر بترف تتنفسه من كل جوانبه منذ اللحظة الأولى التي تطؤه قدماك.
أرضياته مغطاة بسجادات حريرية، وبعض أركانه يحتضن كنبات بأسلوب لويس السادس عشر الحديث، تجعله يبدو كأنه صالون حميم. لم ينس أيضا أن يضع تحفا فنية في أماكن استراتيجية، مثل منحوتة «القريب البعيد» Distant Cousin للنحات توني كراغ، ومنحوتة أخرى معدنية للفنان رادو كيروف، تم وضعها في القسم المخصص للأحذية.
غني عن القول إن اللون الرمادي، المفضل للسيد ديور، هو الغالب، بحيث يظهر في الكنبات وفي الستائر كما في ورق الجدران والطاولات والتحف. القسم المخصص للأطفال كان هو الاستثناء، حيث غلب عليه الوردي.