الوسط الفني المصري يرثي صانع النجوم
قد يختلف البعض معه، وقد يرى البعض الآخر أن أفلامه غير مفهومة، ولكن ذلك لم يمنع الجمهور من متابعة أعمال المخرج الراحل يوسف شاهين، فهو صاحب بصمة ومدرسة سينمائية متفردة، لا تشبه أي مدرسة أخرى.
فهو كما تقول الفنانة يسرا، التي شاركت في العديد من أفلامه «اسطورة غير متكررة في السينما العربية والعالمية».
ويعتبر المخرج داود عبد السيد، الذي عمل مع شاهين مساعد مخرج في فيلم «الارض»، وهو من العلامات المميزة في السينما المصرية، ان «اهمية شاهين تنبع من انه شكل مدرسة حقيقية مباشرة وله تلامذته الذين تعلموا منه»، موضحا «شكل اهم مدرسة انتاجية حيث خرج اهم المنتجين في السينما المصرية».
الفنانة الكبيرة هند رستم.. بطلة شاهين وحبيبته في فيلم باب الحديد قالت، موجهة حديثها إلى جو قائلة: شكرا جزيلا لك، شكرا على كل ما قدمته من فن رائع وسينما عالمية، شكرا لك أيضا على ما قدمتني فيه من أعمال سينمائية خالدة، كان أبرزها فيلم «باب الحديد» الذي اعتز به كثيرا في تاريخي ومشواري الفني، ومهما شكرتك فلا يمكن أن أوفيك حقك».
وتضيف رستم عن ذكرياتها مع شاهين قائلة: «لقد كان مميزا في كل شيء، في إنسانيته وعمله وفنه، وكان أهم ما يميزه بساطته وتلقائيته وطيبته الشديدة، عكس ما كان يقال دوما عن انه المخرج الديكتاتور، فلقد كان بسيطا للغاية ويسمع للكبير قبل الصغير، ومن يعمل معه لا يتصور أبدا أن هذه هي شخصية المخرج العالمي الكبير، الذي ملأ الدنيا ضجيجا وفنا».
وتعتبر رستم فيلم «باب الحديد» (1958) تحديدا، من أصعب الأفلام التي قدمتها في السينما مع يوسف شاهين، نظرا لدقته في التفاصيل الصغيرة، وتقول إن فريق العمل كان يصور معظم مشاهد الفيلم في الشارع ومحطة مصر.
واعتبرت أن الشيء الأبرز في هذا الفيلم كان الدور الصعب الذي قدمه يوسف بنفسه وهو شخصية (قناوي)، حيث تراه دورا بالغ الصعوبة أداه ببراعة لم يكن من الممكن أن يتقنها أحد ممثلي ذلك الجيل، على الرغم من وجود أسماء فنية كبيرة ولامعة لممثلين آخرين.
هاني سلامة الفنان الشاب، واحد من أحدث أبطال شاهين، لم يستطع التحدث عن مكتشفه عام 1997 لكنه قال «إنه الحزن الذي لا يستطيع معه اللسان أن يعبر! وليكن حزنا نبيلا بعيدا عن الشو الإعلامي تقديرا واحتراما لأستاذي الكبير، الذي أدين له بالفضل في مشواري الفني وتقديمي لعالم السينما، فكثيرا ما يكون الصمت ابلغ تعبيرا من الكلمات ويكفيني أني غير مستوعب حتى هذه اللحظة أني فقدت سندي الأقوى في الحياة».
وحين طلبنا الحديث معها لم تكن الفنانة يسرا (بطلة حدوتة مصرية)، مصدقة أن شاهين رحل عن العالم وترك السينما والإبداع.. قائلة «إن شاهين أسطورة لن تتكرر في السينما العربية والعالمية».
وتتذكر يسرا اللقاء الأول مع شاهين قائلة: بدأت علاقتي بيوسف شاهين من خلال فيلم «حدوتة مصرية»، حيث أرسل لي السيناريو 11 مرة ولم أفهم منه شيئاً فاعتذرت، وفجأة وجدته يقتحم منزل خالتي، حيث كنت أقيم، ليعرف مني سبب اعتذاري عن الفيلم، وعندما أخبرته بأنني لم أفهم السيناريو وبخني، وأسند إلي دورا آخر في الفيلم، ونصحني بألا أعتذر عن العمل معه مطلقا».
ويرى الفنان نور الشريف أن وفاة شاهين خسارة كبيرة للسينما المصرية والعالمية، مشيراً إلى أنه عمل مع جو في عدة أفلام سينمائية، منها فيلم «المصير»، موضحا أن لشاهين كاريزما خاصة في بلاتوهات التصوير، فهو مخرج واع له رؤية فنية وثقافية وسياسية.
ويضيف الشريف أن بداية الصداقة بينه وبين شاهين ترجع لعام 1976 عندما دعا شاهين ليشاهد أول فيلم من إنتاجه، وكان فيلم «دائرة الانتقام»، حيث كنت ـ والكلام للشريف ـ متوترا وزاد توتري بعد انتهاء العرض بعد تجاهل شاهين لي، لكن عندما اتجهت نحوه، ضحك وقال انه سعيد بالفيلم وطلب مني شراءه.
أما عن فيلم حدوته مصرية فيتذكر الشريف أن شاهين أرسل إليه السيناريو ليقرأه، غير أن الشريف كان مرتبطا بتصوير مسلسل تلفزيوني وقتها فطلب منه شاهين ترك المسلسل..
ويشير الشريف إلى انه مدين لشاهين في هذا الفيلم بما كتب عنه في الصحافة الأجنبية عقب عرض الفيلم في مهرجان فينيسيا ومعرفة هؤلاء النقاد به ومتابعتهم لأعماله في ما بعد.
وقال تلميذ شاهين المخرج خالد يوسف، إن رحيل الأستاذ هو بحق أكبر فاجعة شهدتها السينما المصرية، فهو أهم المخرجين الذين اثروا السينما المصرية على مدار الـ50 عاما الماضية، مضيفا أن شاهين كان بالنسبة له أهم شخص قابله في حياته، «كان أبى وأخي وصديقي وأستاذي».
أما الناقدة ماجدة خير الله فقد عبرت عن أسفها لرحيل شاهين، الذي كان على حد قولها «واحدا من أهم المخرجين الذين شهدتهم السينما المصرية والعربية في القرن الماضي، معتبرة إياه «الرجل الذي جعل لهذه السينما صوتاً في الخارج عبر أفلامه التي كانت دائمة الوجود في المهرجانات العالمية».
خير الله تعتبر شاهين حالة سينمائية فريدة ومميزة قائلة: «إن شاهين كان يتميز ببعد النظر وقدرته على الرؤية المستقبلية في أعماله»، مضيفة أن معظم أفلامه لم تكن مفهومة وقت عرضها، لكن بعد فترة كان يمكن فهمها وفك رموزها لمواكبتها للأحداث الآنية، مثل فيلم «عودة الابن الضال»، الذي كان يعرض لحالة أسرة يقتل بعضها بعضا، ولم يكن ذلك موجوداً في تلك الأيام، لكنه أصبح الآن موجودا بالفعل.
وقال الفنان خالد النبوي، «بوفاة شاهين انخفض سقف الإبداع»، موضحا أن أي مبدع في مجال السينما عندما كان يحلم بالصعود، كان ينظر لقامة يوسف شاهين السامقة ويضعها نصب عينيه، وهو المستوى الذي لم ينجح كثيرون في الوصول إليه، لأن شاهين ـ بحسب النبوي ـ كان يمتلك من الموهبة والإرادة والطموح ما ساعده على الوصول لهذه القمة من الإبداع الفني، الذي عبرت عنه أفلامه وتاريخه الطويل من «باب الحديد» وحتى «هي فوضى»، وعن العمل معه، اعتبر النبوي أن فيلميه مع شاهين «المهاجر» و«المصير» هما الأهم في مشواره الفني على الإطلاق.
«كان شاهين مستوعبا للحركة السينمائية العالمية بنفس درجة استيعابه للواقع السياسي المصري والعالمي، ومن هذه الرؤية الواضحة خرجت أفلامه للنور»، بهذه العبارة بدأ الفنان عزت العلايلي حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن الفقيد الراحل الذي شاركه العلايلي أربعة من أفلامه هي «الأرض» و«الاختيار» و«الناس والنيل» و«إسكندرية ليه»، مشيرا إلى أن شاهين كان مخرجا له أدواته الفنية التي تعتمد على الثقافة والدراسة وليس الفهلوة كما يعتقد البعض.
وتابع العلايلي: «جو كان لديه وع بنفس القدر من الحزن واللوعة على فراق شاهين تحدثت الفنانة هالة صدقي التي شاركت في آخر أفلامه «هي فوضى» فقالت: «جو أستاذ كبير ليس لي وحدي، بل لكل الفنانين المصريين وصاحب مدرسة سينمائية وحياتية خاصة قوامها حب الحياة، فرغم عمره الذي تجاوز 82 عاما، إلا أنه كان يعيش كشاب في العشرين من عمره، واستطاع من خلال هذا التعلق بالحياة أن يتجاوز أصعب الأزمات».
وبعد أن اختنق صوتها وسالت دموعها قالت هالة «لن أنسى أثناء تصوير فيلم «هي فوضى» حين انحنى على رأسي وقبل جبيني وقال لي أنت أحسن فنانة في مصر، وهذا أكبر وسام تلقيته في حياتي».
الفنانة محسنة توفيق لها تاريخ طويل مع شاهين حكت بعض تفاصيله قائلة: «جو أعطى لحياتي معنى وقيمة ليس فقط لأنه فنان عظيم، ولكن للأسباب التي جعلته عظيما، ومنها اقترابه من الناس، فطوال مشواره الفني كان مهموما بالمصريين وما أنتجه من فن عظيم كان انعكاسا لجمال الناس في عينيه، ولذلك خرجت روائعه «باب الحديد» و«الأرض» «العصفور» «حدوته مصرية»، وأفلام عظيمة أخرى خلدت قيما عظيمة كمنت في إحساسه الفني ولغته السينمائية المميزة، يوسف يحمل روح مصر».
المونتيرة رشيدة عبد السلام، التي اعتبرها البعض ساعدا أيمن لشاهين لاعتماده عليها في معظم أفلامه، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «شاهين ليس فنانا عاديا بالنسبة لي فهو أب وأخ أستاذ وتعلمت منه كل شيء جميل».
وأشارت المونتيرة الأثيرة لشاهين إلى ولعه الشديد بكل تفاصيل العملية السينمائية وحرصه على الإشراف على كل شيء وترك بصمته الخاصة عليه، من كتابة وتصوير ومونتاج، وتابعت: لا يوجد شخص قابل يوسف شاهين إلا وتعلم منه شيئا مميزا واستثنائيا سواء في الحياة أو السينما.