الأزمة الاقتصادية تهدد سوق الحقائب وتلهب سوق الساعات الفاخرة
الموضة بألف خير. هذا ما يؤكده عرابو الموضة والعاملون بها، فالأزمة الاقتصادية العالمية، حسب رأيهم، لم تنل منها، أو على الاصح لم تؤثر على سوق منتجاتها المرفهة، مستدلين على هذا الرأي، بأن الاسعار لا تزال مرتفعة، والإقبال عليها ايضا مرتفع ولم يخف، هذا عدا عن أن انفتاح بعض الأسواق الجديدة في آسيا وروسيا فتح الشهية على هذه المنتجات وأجج نيرانها أكثر.
بعبارة أخرى، لننس ما نسمعه عن مشاكل اسواق المال وأزمة العقارات وغيرها من المشاكل التي من شأنها أن تؤثر على اسواق الموضة الاستهلاكية الرخيصة، وبالذات المحلات التي فتحت ابوابها في السنوات الأخيرة طارحة أزياء بسعر التراب، وأصبحت تثير الكثير من التساؤلات حول من يصنعها وينفذها والمعاملة غير الأخلاقية، التي يتعرضون لها من أجل لقمة خبز أسود.
في المقابل، لنتذكر بأن المنتجات الفاخرة لا يزال لها مفعول السحر على نفوسنا، انطلاقا من مقولة بأنه كلما زاد السعر زاد السحر. وأكبر دليل على هذا القول الأزياء الراقية، التي نعاها الكثيرون في السابق، والتي تعيش انتعاشا كبيرا في السنوات الاخيرة بفضل الروسيات وزبونات من الشرق الأوسط والصين، ممن يردن التميز، كذلك معارض المنتجات المرفهة، التي لم تلغ أو يؤجل أيا منها، بفضل زبائنها المخلصين. بيد أنه لا يمكننا تجاهل بعض التأثيرات غير مباشرة التي بدأت تطفو على السطح وتشكل طريقتنا في التسوق ونظرتنا إلى الموضة.
فقد تكون الأزياء الراقية معافاة إلى حد الآن وتعرف انتعاشا لا يمكن تجاهله بفضل زبونات مخلصات واخريات جديدات من كل أنحاء العالم، لكن سوقها الأكبر كان اميركا، وهذه الأخيرة هي اكثر من يعاني من الأزمة، لذلك لا يمكن الحكم على هذا الجانب في الوقت الحالي. المؤشرات الأخرى التي بدأت تطفو على السطح، ما نسمعه عن انتهاء شهر العسل الذي عاشته المنتجات الرخيصة في مجال الأزياء لسنوات.
سبب هذا التراجع ارتفاع أجور اليد العاملة، من جهة، وغلاء الشحن والضرائب وغيرها من جهة ثانية، الأمر الذي نتج عنه إغلاق بعض المعامل في الصين، وربما سيدفع المحلات التي تباع فيها هذه المنتجات إلى رفع اسعارها حتى تتقيد بالنصوص الأخلاقية، الأمر الذي لن يلقى تجاوبا من قبل المستهلكات، اللواتي سيعدن النظر في الأمر. ومن الأرجح أنهن سيفضلن دفع مبالغ معقولة على أزياء غير استهلاكية واكثر كلاسيكية، يمكن ان تستعمل لاكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة.
ليس هذا فقط، بل الأهم في تغير العقلية الشرائية، ما جاء في دراسة نشرت مؤخرا تفيد بأن المرأة أصبحت تقبل على اقتناء الساعات الفاخرة والمجوهرات الغالية الثمن، أكثر من إقبالها على شراء حقائب اليد، وهو الأمر الذي لم يكن العديد منا يتصوره بالنظر إلى الهوس بهذا الإكسسوار، والإقبال المحموم على كل جديد يطرح منه. وترجمة هذا التصريح أن المرأة بدأت تفكر في الاستثمار البعيد المدى، وهذا بحد ذاته تحول لا يستهان به.
فالأوضاع الحالية وما يتردد على مسامعنا من أزمة اقتصادية، لا يسمح بالجري وراء الموضة واقتناء حقائب يد باهظة الثمن كل شهر أو كل موسم، وحري بنا اقتناء ما يمكن ان نورثه ونستثمره، لا سيما وأن بريق المزادات والأرباح التي يمكن جنيها من وراء تحف قديمة، ايقظ الجانب التجاري بداخل كل واحدة منا.
حسب الدراسة، تأتي الساعات على قائمة المنتجات الأكثر مبيعا، تليها المجوهرات ثم النظارات الشمسية. لكن ليس أي نظارات، بل تلك المرصعة بالأحجار الكريمة، فهي على الأقل لا تحتاج إلى تغييرها كل موسم، إذا كانت مميزة وفريدة في تصميمها، كما انه يمكن إعادة تدوير الاحجار الكريمة التي رصعت بها إذا ما استدعى الأمر.
ولأن أرقام المبيعات تؤكد ان الهند والصين وروسيا اسواقا مهمة حاليا، كان لا بد من قراءة جادة لما تقبل عليه هذه الاسواق من منتجات، وكانت النتيجة مفيدة، إذ كانت حصة الاسد للساعات الفاخرة، لأنها ترمز إلى المركز والذوق بالنسبة للرجل. أما بالنسبة للمرأة، فهي تزين المعصم، أي انها لافتة، كما يمكنها أن تحملها معها بسهولة في كل تنقلاتها، وتنسيقها مع أي أسلوب من الأزياء، سواء كان عصريا أو تقليديا. والأهم من كل هذا، أن أسعارها لا تختلف عن اسعار حقائب اليد التي وصل بعضها إلى 23.000 جنيه استرليني أو أكثر.
وكالعادة تستبق بيوت الأزياء العالمية الأمور حتى لا تتعرض للخسارة، فمجموعة «إل. في. إم. آش» الفرنسية، التي تملك العديد من الماركات العالمية مثل «لوي فيتون» و«كريستيان ديور» وغيرها، مثلا، استغلت هذا التحول واستفادت منه إذ شهدت مبيعات ساعاتها ارتفاعا كبيرا. فالأرباح التي جنتها منها، ومن المجوهرات عموما، تضاعف في عام 2006، وارتفع بنسبة 13% في عام 2007.
وصرح رئيس قسم الساعات في المجموعة، فيليب باسكال، لوكالة الأنباء رويترز، في معرض بازل الأخير، بأن الطلبات على ساعات المجموعة، مثل زينيث، ديور وتاغ هيوير، زادت في بداية السنة الحالية عما كانت عليه في العام الماضي، ويتوقع ان تتضاعف في النصف الثاني من العام. ويشاطره هذا التفاؤل العديد من صناع الساعات الفاخرة، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، باتيك فيليب، جيجير لوكولتر، هيرميس، شانيل، وغيرهم.
وحتى لا يفوتهم القطار، خصوصا إذا كان شهر العسل الذي عاشته الحقائب في العقد الأخير في طريقه إلى الهدوء، مما يعني انهم قد يخسرون الدجاجة التي تبيض لهم ذهبا، فإن العديد من دور الأزياء مثل فالنتينو، دولتشي اند غابانا، فرساتشي وأرماني، وغيرهم يطرحون ساعات بأسمائهم وبلمساتهم، لكن بتقنيات يحاولون من خلالها منافسة الساعات السويسرية العريقة، بل إن العديد منهم يستعين بهذه الشركات، سواء في سويسرا أو ألمانيا أو إيطاليا، حتى يأتي الشكل في مستوى الدقة، والعكس.
فالنتينو، مثلا تعاون مع «تايماكس» لطرح ساعة بمناسبة مرور 45 عاما على مشواره في عالم الموضة قبل ان يتقاعد في بداية العام، المصمم البريطاني جون غاليانو، ايضا تعاون مع «موريلاتو» لطرح مجموعة ساعات ومجوهرات تحمل اسمه، كذلك الامر بالنسبة لفرساتشي، فندي، غوتشي، الذين كانت لهم عدة جولات في السابق، لكنهم الآن يفكرون جديا بأن اسم الدار والتصميم الانيق وحدهما لا يكفيان لاستقطاب شرائح المهتمين باقتناء الساعات الثمينة، وبالتالي ركزوا على تصميم اشكال انيقة ورائعة من شأنها ان تتجاوز ضحايا الموضة وضحايا الاسماء العالمية، رغم ان الوانها في بعض الأحيان تبدو متوهجة.
بدوره، كشف مصمم دار «لوي فيتون» النيويوركي مارك جايكوبس الستار مؤخرا على مجموعته الجديدة «إمبرايز» في محاولة منه لدخول هذا العالم من خلال تصاميم كبيرة الحجم ولافتة للغاية.
انتعاش الأزياء الرفيعة، يعود الفضل فيه إلى رغبة المرأة في التميز في قطعة فريدة من نوعها لا تنافسها فيها اية امرأة اخرى، وايضا إلى اسواق الشرق، وبالذات الشرق الاوسط، الذي لا يبدو انه متأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية في ظل ما نشهده من إقبال على المنتجات المرفهة، أو بالأحرى التحف الفنية بكل أشكالها. فقد أفاد تقرير اقتصادي مؤخرا أن عدد المليونيرات في دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها ارتفع إلى 79 ألف مليونير خلال العام الماضي مقارنة بـ68 ألفا في عام 2006.
وجاءت المملكة العربية السعودية في المركز الثاني من حيث معدلات تزايد عدد المليونيرات فيها بنسبة تبلغ 5ر13% حيث وصل عددهم إلى 101 ألف شخص مقارنة بـ89 ألفا عام 2006، وقدر حجم ثرواتهم 182 مليار دولار، أي أن عدد المليونيرات في الشرق الأوسط يقدر بنحو 395 ألفا، وصل حجم ثرواتهم إلى 7ر1 تريليون دولار حتى نهاية العام الماضي.