فرط كولسترول الدم العائلي .. كيف يمكن التعايش معه؟

حالة مرضية موروثة ترتبط بارتفاع النوع الضار منه
حالة مرضية موروثة ترتبط بارتفاع النوع الضار منه

الكولسترول هو مادة شمعية ينتجها الجسم وهو أحد دهون الدم الكثيرة (المواد الدهنية) الموجودة بالدم.
 
ويقوم الكبد بصنع معظم الكولسترول في الجسم، كما يتم الحصول على كميات قليلة منه عبر الطعام مثل البيض، والكبد، والكلى، ومن بعض المأكولات البحرية مثل الجمبري. 
 
ويؤدي الكولسترول دورًا حيويًا في عمل الخلايا، إذ إنه المادة التي يستخدمها الجسم لإنتاج بعض المواد الكيميائية الحيوية الأخرى - مثل فيتامين دي، والصفراء التي تساعد في عملية الهضم، وأيضًا بعض الهرمونات - مثل الكورتيزول والإستروجين.
 
ولكن عند ارتفاع مستوى الكولسترول في الدم فإن ذلك يزيد معدل خطر الإصابة بأمراض القلب وجهاز الدورة الدموية.
 
فرط الكولسترول العائلي
متى يكون فرط الكولسترول وراثيا؟ وما هي أنواعه؟ وهل له أعراض مميزة؟ وهل هو مرض شائع؟ وهل الوقاية منه ممكنة؟ 
 
كلها تساؤلات نجيب عنها في هذا التقرير، أولا أن فرط كولسترول الدم العائلي يعد حالة مرضية موروثة ترتبط بارتفاع الكولسترول الضار (LDL) وقد تسببت في حدوث أمراض القلب والشرايين في وقت مبكر من الحياة. وعادة ما يكون من يعانون من فرط كولسترول الدم العائلي عاجزين عن معالجة إمدادات الجسم الطبيعية من الكولسترول في الكبد، ما يؤدي إلى ارتفاع الكولسترول الضار إلى مستويات عالية جدًا قد تتسبب في انسداد الشرايين (تصلب الشرايين) وحدوث أزمة قلبية أو سكتة دماغية.
 
وراثة المرض
يتكون جسم الإنسان من مليارات الخلايا، وكل خلية تحتوي على نواة تضم معلومات تجعل كل شخص متميزا عن غيره.
 
ويطلق على هذه المعلومات، (المورثات أو الجينات)، حيث يمتلك كل شخص نحو 20.000 إلى 25.000 جين مختلف.
 
وتصدر هذه الجينات كل التعليمات والأوامر المطلوبة التي يحتاجها الجسم لنمو وتطور خلاياه كافة، كما أنها تحدد خصائص معينة مثل لون الشعر ولون العينين والطول وفصيلة الدم. 
 
وكل جين يعطي شفرة، وهي مجموعة من الأوامر لإنتاج بروتين محدد أو جزء من البروتين، وتحدد بموجبه إحدى الخصائص آنفة الذكر أو للسيطرة على إحدى وظائف الجسم.
 
والجينات مرتبة كشريط يسمى «الكروموسوم» وتتكون من مادة كيميائية تسمى «الحمض النووي». وتحتوي كل خلية غالبا على 46 كروموسوما مرتبة في 23 زوجا.
 
ويرث الإنسان نسخة من كل زوج كروموسوم من الأم ونسخة أخرى من الأب.
 
وبما أن الكروموسومات تحتوي على جينات الإنسان، فذلك يعني أن الإنسان يرث أيضا مجموعة واحدة من الجينات من كلا الوالدين وذلك يفسر وراثة الإنسان لخصائص معينة من أحد والديه أو من كليهما.
 
الحمض النووي كالكتاب والكروموسومات هي الفصول، فهناك 23 زوجا من الكروموسومات أي 23 فصلا.
 
كل جين يمثل مقطعا في الفصل. الجينات تعطي الشفرات لتكوين البروتينات التي تحدد الخصائص مثل القدرة على التحكم بمستويات الكولسترول، ويتم تحديد شفرة كل جين عن طريق سلسلة من الأحماض النووية. 
 
فالحمض النووي كالحروف بالكلمات التي تصوغ المقطع. والطريقة التي ترتب بها هذه الحروف لها تأثير على احتمالية خطر إصابة الإنسان بالأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب.
 
وعلى سبيل المثال، تتكون كلمتا علم وعمل من الحروف نفسها لكنهما مرتبتان بطريقة مختلفة ولهما معان مختلفة وكذلك الجينات.
 
لأجل ذلك إذا كانت الشفرة في الحمض النووي مرتبة بطريقة مختلفة فإنها ستعمل بشكل مختلف، وإذا احتوى أحد جينات الإنسان على خطأ، كالخطأ الكتابي في الكلمات، فقد يؤدي ذلك لإنتاج بروتين غير طبيعي في نوع محدد من الخلايا.
 
كما قد يورث الخطأ نفسه إلى الأجيال القادمة. وهذا الخطأ يطلق عليه التحور الجيني أو الطفرة الوراثية.
 
بعض الأخطاء لها تأثير طفيف أو بلا تأثير لكن بعضها الآخر قد يؤدي إلى أمراض وراثية مثل مرض فرط كولسترول الدم العائلي.
 
الأعراض والتشخيص
هناك نوعان من مرض فرط كولسترول الدم العائلي هما:
1 - فرط كولسترول الدم العائلي متغاير الازدواج Heterozygous Familial Hypercholesterolaemia ويُورث من أحد الأبوين المصاب بمرض فرط كولسترول الدم العائلي، وهو يمثل أغلبية المصابين بمرض فرط كولسترول الدم العائلي.
 
2 - فرط كولسترول الدم العائلي متماثل الازدواج Homozygous Familial Hypercholesterolaemia ويُورث من الأبوين معًا ممن يعانون من مرض فرط كولسترول الدم العائلي، وهذا النوع أشد من النوع الأول أعلاه، إلا أنه يمثل نسبة أقل من مجموع المصابين بالمرض.
 
أما الأعراض المصاحبة لمرض فرط كولسترول الدم العائلي فهي عادة ارتفاع الكولسترول الضار. وفي حين أنه لا توجد هناك أي أعراض خارجية في العادة، إلا أنه في بعض الحالات يشكو المرضى من:
 
- رواسب دهنية بمنطقة المرفقين والركبتين والأرداف والأوتار Xanthoma.
 
- رواسب دهنية حول العينين.
 
- هالات بيضاء اللون حول القرنية Arcus Lipoides.
 
كيف يتم تشخيص مرض فرط كولسترول الدم العائلي؟ يبدأ التشخيص باختبار فحص الدم للتعرف على مستويات الكولسترول بما فيها الكولسترول الضار والكولسترول الحميد HDL بالإضافة إلى ثلاثي الغليسريد.
 
في المرضى الذين يعانون من فرط كولسترول الدم العائلي متغاير الازدواج، تكون مستويات الكولسترول الضار لديهم أعلى مرتين إلى ثلاث مرات من المتوسط، في حين تكون هذه النسبة في المرضى الذين يعانون من فرط كولسترول الدم العائلي متماثل الازدواج ما بين 4 إلى 6 مرات أعلى من المتوسط. 
 
ومتى ما خضع أحد أفراد الأسرة للتشخيص، أو كان التشخيص غير مؤكد، يمكن للاختبارات الجينية أن تساعد في تأكيد عملية التشخيص تلك وتحديد أفراد العائلة المتضررين.
 
نسبة انتشار المرض
أثبتت الدراسات العالمية أن نسبة انتشار المرض التقريبية هي واحد من بين مائتين إلى واحد من بين 500 شخص، لذلك فإن ما بين نحو 14 إلى 34 مليون شخص في العالم يعانون ويتأثرون بفرط كولسترول الدم العائلي متغاير الازدواج. 
 
ولسوء الحظ فإن هناك 80 في المائة من المصابين بالمرض لم يتم تشخيص أمراضهم في معظم بلدان العالم. أما فرط كولسترول الدم العائلي متماثل الازدواج فتقدر نسبة المصابين به بواحد من بين مليون شخص.
 
ونظرا لانتشار عادة الزواج من الأقارب في السعودية فإنه من المتوقع أن تكون نسبة انتشار المرض أعلى من نظيرتها العالمية. ومع الأسف فلا توجد إحصاءات عن مدى انتشار المرض، وذلك لعدم وجود برنامج وطني للتعرف على الاعتلالات الوراثية المسببة لمرض فرط كولسترول الدم العائلي في المملكة.
 
العلاج الدوائي والغذائي
في حين أن مرض فرط كولسترول الدم العائلي لا يمكن علاجه، إلا أن هناك بعض الخيارات المتاحة التي تساعد في إدارة الحالة من خلال خفض المستويات المرتفعة للكولسترول الضار LDL التي أظهرت بعض الدراسات إمكانية خفضها من خلال تغيير نمط الحياة والنظام الغذائي وتعاطي الأدوية، ويُنصح الأشخاص الذين يعانون من فرط كولسترول الدم العائلي بالاهتمام بهذه التغييرات بعد التشاور مع الطبيب، وتتضمن ما يلي:
 
أولا: أسلوب الحياة
- الإقلاع عن التدخين: يسبب التدخين ضررًا إضافيًا يُلحق بالأوعية الدموية، لذا فمن الضروري الإقلاع عنه باعتباره سببا مباشرا في زيادة مخاطر وقوع الأمراض القلبية الوعائية.
 
- التمارين الرياضية: يُوصى بالقيام بتمارين رياضية يومية لمدة 30 دقيقة وعلى الأقل خمس مرات في الأسبوع.
 
ثانيا: الحمية الغذائية
- التوقف عن أو الإقلال من تناول الدهون المشبعة مثل اللحوم الحمراء والزبدة، والتحول إلى تناول الدهون غير المشبعة مثل الزيوت النباتية والمكسرات.
 
- الحد من الطعام والشراب المحتوي على كميات كبيرة من السكر.
 
- الإكثار من تناول الأغذية التي تحتوي على الألياف والخضراوات والفواكه.
 
ثالثا: تناول الدواء
هناك كثير من أنواع الأدوية التي تُوصف لعلاج ارتفاع مستويات الكولسترول الضار والمرتبطة بمرض فرط كولسترول الدم العائلي مثل الستاتين Statins، والإزيتيمايب Ezetimibe، ويمكن تعاطي هذه الأدوية منفردة أو مجتمعة للنوع متغاير الازدواج.
 
أما بالنسبة لفرط كولسترول الدم العائلي متماثل الازدواج فإن العلاج الناجع المتوفر حاليا هو إجراء (LDL - apheresis) أو ما يعرف بفصادة الكولسترول منخفض الكثافة، وهو شبيه بغسيل الكلى، إذ يعبر الدم من خلال آلة خاصة تنقي الدم من الكولسترول قبل أن تقوم بإعادته إلى الجسم. ويستغرق كل إجراء المكوث في المستشفى لمدة أربع ساعات ويجب أن يتم تكرار هذه العملية على فترات منتظمة.
 
ويعتمد مدى احتياج المريض لهذا الإجراء على نوع الإصابة بفرط كولسترول الدم العائلي، بالإضافة إلى مدى سرعة ارتفاع مستوى الكولسترول. وفي العادة يتم الخضوع لهذا الإجراء مرتين إلى أربع مرات في الشهر.
 
بالإضافة إلى ذلك، فقد انتهت الأبحاث حاليًا من اكتشاف عقاقير جديدة تسهم في علاج ناجع لمرض فرط كولسترول الدم العائلي منها ما أجيز من إدارة الغذاء والدواء الأميركية مثل عقاري أليروكوماب Alirocumab ولوميتابايد Lomitapide. 
 
ويؤخذ العقار أليروكوماب Alirocumab على شكل حقن تحت الجلد كل أسبوعين تعمل على منع فرز إنزيم PCSK9. حيث تتجلى فعالية هذه الحقن في التقليل من إنتاج البروتين الدهني المنخفض الكثافة لمن يعانون من مرض فرط كولسترول الدم العائلي.
 
رابعا: الاستشارة الجينية
تساعد الاستشارة الجينية المريض على فهم ما سيحدث عند خضوعه للفحص الجيني ومعنى نتائج ذلك الفحص له ولعائلته، حيث يقوم المستشار المدرب بإيضاح معنى نتائج الفحوصات، وكيف ستؤثر الإصابة بفرط كولسترول الدم العائلي على المريض وعائلته وأطفاله أو عند إنجابه مستقبلاً إذا لم يكن لديه أطفال.
 
لا يتم إجراء الفحص الجيني للمريض إلا بعد استشارة فريق مختص للتأكد من إجراء الفحوصات المطلوبة وتحليلها بصورة صحيحة، إذ إن إجراء الفحص دون الإرشاد والدعم المناسبين قد يقود إلى فهم خاطئ ومعلومات غير دقيقة.