تقنية «الحاجب المعوي» .. للسيطرة على البدانة وعلاج مرض السكري

تقنية «الحاجب المعوي» .. لا تتطلب تدخلا جراحيا
تقنية «الحاجب المعوي» .. لا تتطلب تدخلا جراحيا

يعد مرض السكري أكثر الأمراض المزمنة شيوعا في العالم العربي، كما هو الحال في كافة دول العالم مع تفاوت نسبة الانتشار. وتعد البدانة أحد الأسباب الرئيسية لهذا المرض المزمن الذي عجز الطب، طوال العقود الماضية، عن إيجاد علاج ناجح له ينهي معاناة الملايين من البشر، كما عجز عن السيطرة على مرض البدانة الذي يعد مرض العصر.
 
معضلتان صحيتان
تعتبر البدانة وداء السكري أكبر معضلتين صحيتين تعاني منهما البشرية في شتى أرجاء المعمورة؛ حيث يبلغ تعداد من يعانون منهما معا في العالم وفقا لآخر الإحصائيات ما يقارب 63 مليون شخص. أما في السعودية، فتصل نسبة المصابين بداء السكري من النوع الثاني، وفقا لإحدى الإحصائيات 24.7 في المائة؛ أي ما يقارب ربع السكان، ويعاني من البدانة ما يقارب ثلث السكان 30.1 في المائة.
 
يصنف الأطباء داء السكري لنوعين رئيسيين:
- النوع الأول: يبدأ غالبا في مرحلة مبكرة من عمر الشخص وفي حالات قليلة قد يظهر متأخرا. والسبب الرئيسي هو خلل في خلايا «بيتا» في جزر لانجرهانز، مما يؤدي إلى نقص في كمية الإنسولين المنتجة.
 
- النوع الثاني: غالبا ما يبدأ في مرحلة متوسطة إلى متأخرة من عمر الشخص، وفي حالات قليلة قد يبدأ في عمر مبكر أو يصاحب النوع الأول.
 
وهناك عوامل كثيرة للإصابة بالسكري، منها الوراثية والبيئية وغير ذلك، مما يساهم في الإصابة بداء السكري وتطوراته المرضية. 
 
وتعد البدانة من أكثر العوامل تأثيرا، بل قد تكون ملازمة للإصابة بالنوع الثاني من السكري. ومن المؤكد أن تغيير نمط الحياة بما فيها من الرتابة والوجبات السريعة المليئة بالدهون، دور في تفاقم نسبة البدانة في العالم ولما للأخيرة من دور في الإصابة بداء السكري من النوع الثاني على وجه الخصوص، فصح القول إن البدانة والسكري هما داء هذا العصر.
 
إن المريض المصاب بداء السكري الذي يعاني في نفس الوقت من زيادة الوزن، ويحاول مرارا السيطرة على مستويات السكر في دمه، ويتمنى لو استطاع فقدان شيء من وزنه، فإنه حتما يعرف مدى صعوبة ذلك، بل ويضعه في قائمة المستحيلات.
 
إن أدوية السكري اليومية تعمل بشكل جيد في بداية العلاج، ولكن في كثير من الأحيان تصبح هذه الأدوية أقل فعالية مع مرور الوقت، ويمكن أن تؤدي إلى زيادة الوزن بشكل ملحوظ.
 
وكلما تقدم المرض وأزمن، فإن كثيرا من المرضى سيحتاجون إلى كميات متزايدة ومجموعات متنوعة من الأدوية التي يمكن أن يكون لها آثار جانبية.
 
تدخلات جراحية
وخاض العلماء سباقا للسيطرة على هذين المرضين ابتداء من العقاقير المختلفة وأنواع الإنسولين الحديثة، إلا أن تأثيرات هذه الوسائل العلاجية ما زالت غير مرضية ولا تخلوا من بعض المضاعفات.
 
لقد توجه الأطباء المعالجون والباحثون إلى إيجاد حلول أخرى للسيطرة على داء السكري والبدانة، فكان ظهور عهد «جراحة المعدة»، التي كانت تحمل، كما هو الحال مع بقية الإجراءات الجراحية، مضاعفات خطيرة، بالإضافة إلى ما يتطلبه مثل ذلك الإجراء من التنويم والبقاء في المستشفى لعدة أيام، خلافا لما تنطوي عليه تلك العمليات الجراحية من إحداث تغييرات في المعدة لا رجعة فيها. 
 
ومن تلك الطرق الجراحية ابتكار عمليات التكميم للمعدة وتغيير المسار وبالذات التي يتم فيها تهميش الإثنى عشر. وقد كان لنتائج هذه العمليات مضاعفات وصلت إلى الوفيات في بعض الحالات.
 
تدخلات غير جراحية
كان لا بد أن يأتي العلم بما يجمع بين النتائج المرضية وتقليص المضاعفات، فكان وليد ذلك فكرة تقنية «الحاجب المعوي» (EndoBarrier) وهي تدخل غير جراحي تجمع بين النتائج المرضية لعملية تغيير المسار وتتلافى المضاعفات التي قد تصاحبها، ظهرت في ألمانيا ومن ثم تم اعتمادها في أوروبا كلها.
 
الهدف من هذه التقنية الجديدة هو علاج داء السكري من النوع الثاني، وأيضا علاج البدانة في آن واحد، وأن ما يميز هذه التقنية أنها آمنة تماما، كونها تتم من دون تدخل جراحي، وبنسب نجاح عالية جدا، وتكاد تكون آثارها الجانبية منعدمة؛ مما أعطى بارقة أمل جديد لمرضى السكري والبدانة.
 
لقد بدأ العمل بالجيل الأول من «الحاجب المعوي» في أوروبا عام 2006، وأدت نتائجه المرضية إلى اعتماده رسميا من قبل إدارة الدواء والغذاء الأوروبية عام 2009، ثم تم تطويره ليأتي الجيل الثاني الذي حصل على اعتماد إدارة الدواء والغذاء الأسترالية عام 2011. 
 
كما تمت تغطيت الكلفة المالية له من قبل بعض شركات التأمين الأوروبية، وهو في دوره للحصول على اعتماد إدارة الدواء والغذاء الأميركية قريبا، وحتى الآن تم علاج أكثر من 2500 مريض بواسطة هذه التقنية بنسبة نجاح تعدت 87 في المائة.
 
«الحاجب المعوي»
التقنية الجديدة «إندوبارير» (EndoBarrier) هي عبارة عن أنبوب مصنوع من مادة ليفية خاصة جدا تتأقلم مع مكونات الجسم لا تتفاعل مع أحشاء الجسم ولا عصارة الجهاز الهضمي ولا تحتوي على أي عقاقير. 
 
ويتم إدخاله عن طريق المنظار الفمي المعدي، من غير أي عملية جراحية، ليغلف تجويف أول 60 سم من الأمعاء، وبهذا يتم تهميش الإثنى عشر مماثلا لما يتم في عملية تغيير المسار، ولكن من دون أي تدخل جراحي، خلال إجراء يستغرق نصف ساعة.
 
يعمل «إندوبارير» على عزل الأكل عن ملامسة خلايا الجزء العلوي من الأمعاء، وبالتالي لا يصبح هناك امتزاج بين العصارة المعدية الهاضمة والأكل، لذا لن يتم امتصاص الدهون والسكريات، وبالتالي يساعد الأنبوب على إنقاص الوزن أو إعادة ترتيب مستقبلات الإنسولين، ويساهم في تحسين معدل السكر في الدم. 
 
وبعد سنة يتم إزالة الأنبوب بعد أن يكون قد أدى نتائجه. ومن المتوقع أن تكون الفترة الزمنية لإعادة معدل السكر إلى الوضع الطبيعي بعد 3 شهور، وبالتالي يعود الجسم إلى وضعه الطبيعي. وعليه فيعد الـ«إندوبارير» أحد الطرق المثلى والناجحة للتخلص من البدانة.
 
تحول طبي
نظرا لما يترتب على البدانة من أمراض أهمها السكري الذي يعاني ربع سكان المملكة منه والبدانة المنتشرة بنسبة 70 في المائة، كان علينا، كمقدمي خدمات صحية، مسؤولية مهمة تتمثل في استقطاب أحدث التقنيات التي تصلح هذه المشكلة، وهي تقنية «EndoBarrier» التي تعد بالفعل أحدث وأهم تطور في علاج السكري والسمنة معا. 
 
وهذا يعتبر تحولا طبيا في علاج المرض الأكثر شيوعا في العالم، وهو البدانة، فضلا عن كونه أداة فعالة جدا في الوقاية أولا من مرض السكري، وكذلك في علاج السكري من النوع الثاني من غير أي تدخل جراحي أو أدوية، بل من خلال تقنية غير جراحية لا تستغرق سوى نصف ساعة.
 
وأخيرا، يجب التنويه إلى أن الـ «إندوبارير» يساعد في السيطرة على السكري من النوع الثاني، أما النوع الأول من السكري، فيظل الأمل أن توفق البشرية لنجاح زراعة الخلايا الجذعية التي لاح في الأفق بريق أمل نجاحها قريبا.