عدوى التعري احتجاجًا على الأوضاع السياسية تنتقل إلى تونس .. وسط استياء شعبي

أثار نشر بعض التونسيات لصدورهن العارية على مواقع التواصل الاجتماعي، في معرض احتجاجهن على وضع المرأة في تونس، سخطًا في تونس، لأن المجتمع التونسي المسلم يرفض هذا النوع من الاحتجاج، الذي يحط من قدر المرأة.
أثارت صور نساء تونسيات عاريات الصدر على مختلف مواقع التواصل الإجتماعي ردود فعل غاضبة واستياءً كبيرًا في الرأي العام التونسي، اعتبرها السواد الأعظم من التونسيين نابية ومخلة بالأخلاق وخادشة للحياء إلى حدّ الإشمئزاز، بينما رأى فيها البعض طريقة جديدة في التعبير في ظل الحرية التي ينعم بها التونسي بعد ثورة الياسمين.
وكانت الفتاة أمينة، اﻟﻧﺎﺷطﺔ ﺑﺟﻣﻌﯾﺔ ﻓﯾﻣن ﻟﻠﻧﺳﺎء اﻟﻣﺣﺗﺟﺎت بصدورهن اﻟﻌﺎرية، نشرت على صفحتها في موقع فاسيبوك صورة لها عارية الصدر، بعد أن كتبت على صدرها عبارة "جسمي ملكي وليس مصدر شرف لأحد"، وذلك بمناسبة عيد الإستقلال، في إطار احتجاجها على أوضاع المرأة التونسية. واختفت بعد ذلك في ظروف غامضة.
لقي هذا الموقف مساندة من شابات تونسيات أخريات، وبلغت الحماسة بالمخرجة التونسية نادية الفاني بالظهور شبه عارية الصدر على صفحتها في فايسبوك، ﻣﺳﺎﻧدة أﻣﯾﻧﺔ. فقد عرّت ثديها الأيمن، وﻛﺗﺑت عليه ﻛﻠﻣﺔ "ﻛراﻣﺔ"، وﻋﻠﻰ جبينها ﻛﻠﻣﺔ "ﺣرﯾﺔ"، كما ﺧّطت ﻋﻠﻰ ﯾدھﺎ ﻋﺑﺎرة "ﻣن أجل أمينة".
ونادية الفاني مخرجة فيلم "لا الله لا سيدي"، الذي أثار سخط التونسيين حين عرضته إحدى قاعات السينما بتونس، فخرجوا في تظاهرات احتجاجية عارمة.

لا ترخيص لـ "فيمن" تونس

ذكرت جوليا جافال، الناشطة الفرنسية في منظمة فيمن العالمية، لقناة فرانس 24 أن منظمتها ستفتح فرعًا لها في تونس، مشددة على أن فيمن  تحرص على تحقيق مشروعها التونسي بعد الثورات العربية.
ويذكر أن فيمن دعت إلى اعتبار ﯾوم 4 نيسان (أبرﯾل) 2013 ﯾومًا عالميًا لمساندة أﻣﯾﻧﺔ ﺑﻌد اختفائها، مطلقة صفحة "فيمن تونس" التي يضم أكثر من 4300 ناشطًا في ميدان الدفاع عن حق كل فتاة في التعري.
لكن الحكومة التونسية رفضت هذه المنظمة، وندّدت الدكتورة سهام بادي، وزير شؤون المرأة والأسرة، بمشروع فيمن العالمية، مؤكدة منعها من العمل قانونيًا في تونس.
وأكدت بادي لإحدى القنوات التونسية أنها ستستعمل كل الوسائل القانونية الممكنة للحيلولة دون أن تفتح منظمة فيمن العالمية للنساء المحتجّات بالصدور العارية فرعًا لها في تونس، مشيرة أن مشروعها "يتنافى مع الدين الإسلامي وتقاليدنا التونسية".
من ناحيته، أوضح ماهر سويلم، الملحق الصحفي لوزيرة شؤون المرأة و الأسرة، في تصريح لـ"إيلاف" أن لا إشكالية في حرية التعبير في الفضاء الإفتراضي، حيث لا حدود لهذه الحرية، "لكن لا بد من الإلتزام بالقوانين عند القيام بأي تظاهرات أو احتجاجات".
أضاف: "تحققنا من خلال مراسلتنا للوزارة من أن هذه المنظمة لم تقدّم أبدًا طلبًا لفتح فرع لها في تونس، أو في سوسة، لكنها أرادت إثارة الرأي العام، وكل ما حدث جرى على الشبكة الافتراضية، و لم نسجل أي حادثة في الشارع التونسي". 

مشاكل نفسية

رأت نجوى بالطيب، رئيسة جمعية تونسيات أن ظهور تونسيات عاريات الصدور في مواقع التواصل الاجتماعي يعكس وجود مشاكل نفسية يعانين منها، "وهذه المشاكل لا يمكن حلها بالإثارة أو بالعنف، ولكن بالحوار و النقاش والإستماع، من أجل إيجاد حلول مناسبة".
وأكدت بالطيب أن ما حصل تجاوز للحرية ومحاولة لكسر القيود، وأرجعت ذلك إلى إرهاصات الثورة من انفلات وخلط بين الحرية والفوضى.
وأشارت إلى أنّها لا تعتبر ما حصل حدثًا معزولًا، "بل يندرج في إطار منظومة كاملة وانفلات بكل تمظهراته في تونس، وينبغي عدم توظيف ما حصل في أي صراع إيديولوجي بين الإسلاميين والعلمانيين، لأنّ عملية التعري تعني الجميع، بمن فيهم العلمانيين، وبالتالي لا بد من النظر إلى ما حدث بعين الباحث عن الأسباب و إيجاد الحلول لكل أنواع التفلت الأخلاقي".

توظيف إيديولوجي

قلت بالطيب إن ظهور الفاني عارية الصدر توظيف إيديولوجي للمسألة، "فالعملية بدأتها مراهقات و لكن تم استغلالها من طرف الكبار وتم توظيفها ايديولوجيًا لتغذية هوّة التقسيم التي أصابت المجتمع التونسي بين حداثيين وظلاميين، ومن يقوم بذلك لا يعرف حقيقة المجتمع التونسي بل هو غريب عنه". وأشارت إلى أن العديد من النساء السافرات استنكرن هذه الصور الخادشة للحياء.
رأت منى بحر، إحدى مؤسسات جمعية تونسيات أن ما حصل ليس من شيم المرأة التونسية، بل يسيء إليها وإلى مكانتها التي بلغتها داخل المجتمع التونسي، مشددة على أنّ هذه ليست الحرية التي تسعى المرأة التونسية إلى بلوغها، والتي حققتها في الواقع منذ عصور، انطلاقًا من أروى التونسية التي فرضت صداقًا معينًا على الخليفة العباسي، وصولًا إلى عزيزة عثمانة التي كانت فاعلة في المجتمع ويذكر إسمها إلى الآن.

الشاذ يحفظ و لا يقاس عليه

وأوضحت بحر أن التعري ليس طريقة للتعبير، مؤكدة تكريم الله للمرأة، متسائلة: "كيف تعرض المرأة نفسها في صورة مشينة ومذلة؟"، مشيرة إلى أن جمعية تونسيات نددت بهذه الطريقة الفاضحة التي تحطّ من قدر المرأة ولا ترفعها، ومشددة على أن ما حصل حالة شاذة لا يمثل التونسية الشريفة و المثقفة، "فالشاذ يحفظ و لا يقاس عليه".
أما ابتهال عبداللطيف، رئيسة جمعية نساء تونسيات، فاستنكرت اعتماد التعري طريقة للإحتجاج، "بينما كان عليهن أن يحتججن سلميًا ويعبرن عن شواغلهن في كنف الإحترام و التقدير، فيلقين المساندة من المجتمع التونسي".
اضافت: "ما حصل صورة مشوهة للمرأة التونسية الشريفة، وهي حالة لا يمكن أن نعطيها قيمة و نتحدث عنها أصلًا، وأستغرب أن تقوم الفاني بتعرية نفسها على الملأ، فهل أصبحت المرأة سلعة تباع وتشرى؟".

مئة جلدة

استنكر عادل العلمي، رئيس جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صور التونسيات العاريات، داعيًا إلى جلدهنّ مئة جلدة، وعرضهن على طبيب نفسي.
ورفع المحامي فتحي العيوني شكوى لدى وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس، مطالبا بفتح تتبع تحقيقي في حق الفاني، بعد اتهامها وفق الفقرة الثانية من الفصل 126 من المجلة الجزائية للتجاهر، بما ينافي الحياء، والاعتداء على الأخلاق الحميدة على خلفية عرض صورتها شبه عارية من ناحية الصدر.
يذكر أنه تمت قرصنة الصفحة الخاصة على الفايسبوك بمنظمة "فيمن في تونس" وتمّ استبدال كل الصور للنساء عاريات الصدور بصور لسلفيين و أدعية تحث على الصلاة جاء فيها " تم بإذن الله قرصنة هذه الصفحة متاع الفجور و الفسق و أن القادم أجمل".