نتائج نفسية وصحية خطيرة لإساءة معاملة المسنين
01:47 م - السبت 9 فبراير 2013
قد لا يتوقع البعض أن تكون ثمة ملاحظات طبية حول إساءة معاملة المسنين Elder maltreatment، التي تحدثت عنها منظمة الصحة العالمية ضمن أحد مقالتها في أغسطس (آب) من العام الماضي.
وتمثّل إساءة معاملة المسنين، سواء كان عملا منفردا يحصل لمرة واحدة أو نادرا، أو كان سلوكا تعامليا متكررا، أو كان على هيئة امتناع عن اتخاذ الإجراء المناسب الذي يحتاج إليه المسن، أمرا قد يحدث حتى ضمن أي علاقة يُتوقع أن تسودها الثقة والاحترام وحُسن التعامل، وهو مما يتسبب في إلحاق ضرر أو كرب بالشخص المسن العاجز أو الضعيف.
ووفق وصف منظمة الصحة العالمية، فإن إساءة المعاملة تشمل هنا الإيذاء الجسدي والجنسي والنفسي والعاطفي والمالي والمادي، والهجر، والإهمال، وفقدان الاحترام بشكل كبير.
إصابات خطيرة
وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن إساءة معاملة المسنين يمكن أن تؤدي إلى تعريضهم لإصابات جسدية خطيرة، إضافة إلى الآثار النفسية الضارة القصيرة والطويلة الأجل.
ومما تلاحظه منظمة الصحة العالمية أن الموضوع مهم لأن من المتوقع أن تتزايد حالات إساءة معاملة المسنين بسبب ارتفاع أعداد المسنين بوتيرة عالية في أرجاء العالم لأسباب تتعلق بتطور تقديم الرعاية الصحية وزيادة فاعلية اتباع وسائل السلامة والأمان في الحياة اليومية.
وتحديدا، تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الفئة العمرية من 60 سنة فأكثر ستشهد زيادة بنسبة تفوق الضعف، أي من 542 مليون نسمة في عام 1995 إلى نحو 1.2 مليار نسمة في عام 2025.
وتشير مصادر الطب النفسي وطب الأسرة والمجتمع إلى أن سلوكيات الإساءة في معاملة المسنين هي بالفعل من المشكلات الصحية المهمة، التي لا تطال الجوانب النفسية فقط لدى المسن، بل تتعداها إلى الجوانب الصحية البدنية ومعالجة الأمراض التي قد تكون لدى المسنين وتغذيتهم ونظافتهم الشخصية وتهيئة الظروف الملائمة لنومهم وخلال فترات النهار.
وفي حين لا يوجد إلا القليل من المعلومات الخاصة بحجم إساءة المعاملة بين المسنين، لا سيما في البلدان النامية، فإن منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن التقديرات تؤكد أن ما بين 4 في المائة إلى 6 في المائة من المسنين في البلدان المرتفعة الدخل تعرّضوا لشكل من أشكال إساءة المعاملة في البيت، ولكن المسنين غالبا ما يبدون بعض الخوف في إبلاغ أسرهم أو أصدقائهم بما يتعرّضون له من أشكال وضروب إساءة المعاملة المنزلية.
وكانت نتائج مسح ميداني إحصائي، تم إجراؤه بين العاملين في دور رعاية المسنين بالولايات المتحدة الأميركية، قد أفادت بأن معدلات تلك الظاهرة قد تكون مرتفعة.
وتحديدا تضمنت نتائج المسح على العاملين في تلك الدور، المختصة بالأصل في تقديم الرعاية للمسنين، الملاحظات التالية:
أولا: شهد 36 في المائة منهم، في العام الماضي، حادثا واحدا على الأقل من حوادث الإيذاء الجسدي الموجه ضد المرضى المسنين.
ثانيا: ارتكب 10 في المائة منهم عملا واحدا على الأقل من أعمال الإيذاء الجنسي الموجهة ضد المرضى المسنين. ثالثا: اعترف 40 في المائة منهم بأنهم يمارسون الإيذاء النفسي تجاه المرضى.
أعمال الإيذاء
ووفق ما أفادت به نتائج الدراسة، تمثلت أعمال الإيذاء التي تُرتكب في تلك الدور تقييد المرضى جسديا دونما دواع طبية واضحة ودون تطبيق للوائح الطبية الخاصة بالظروف التي تبيح اللجوء إلى ذلك الفعل، والمساس بكرامتهم الشخصية في تلبية احتياجاتهم الإنسانية، كتركهم في ملابس متسخة مثلا، وأيضا الخيارات المتعلقة بالشؤون اليومية، وتعمّد عدم تزويدهم بخدمات الرعاية الطبية الكافية، كتركهم يُصابون بقروح الجلد، وكذلك إساءة المعاملة في إعطائهم الأدوية بشكل صحيح، أي إما إعطاؤهم الأدوية بشكل مفرط أو بشكل ناقص أو حجب بعض أو كل الأدوية عنهم، ناهيك عن الإهمال والإيذاء العاطفيين.
والواقع أن إساءة معاملة المسنين بهذه الطريقة وبالأشكال المتقدمة الذكر في دراسة المسح الإحصائي، يمكن أن تؤدي إلى تعريضهم لإصابات جسدية، مثل الخدوش والكدمات وربما كسور في العظام وإصابات في الرأس.
وهي ما قد تتسبب في حالات من العجز الدائم وآثار نفسية خطيرة تدوم لفترات طويلة أحيانا مثل حالات الاكتئاب والقلق.
وتجدر ملاحظة أهمية أن آثار إساءة المعاملة قد تكون خطيرة بوجه خاص على المسنين، وذلك نظرا لإصابتهم غالبا بضعف أو هشاشة في بنية عظامهم، وأيضا نظرا لتدني قدرات مناعة أجسامهم وضعف أجسامهم بالعموم، فإنه ربما تطول فترة نقاهتهم واستعادتهم للعافية بعد التعرض للحوادث والإصابات، أيا كان نوعها.
ولذا من المهم تذكر أن حتى الإصابات الطفيفة نسبيا التي قد يتعرضون لها قد يكون لها آثار أو تتسبب بأضرار خطيرة ودائمة، أو الوفاة في بعض الأحيان.
عوامل الخطورة
والسؤال: ما الذي يرفع من احتمالات زيادة خطورة حصول حالات إساءة معاملة المسنين؟
إن المصادر الطبية تلحظ مجموعة من العوامل في هذا الشأن، منها ما يتعلق بالفرد المسن نفسه، ومنها ما يتعلق بمرتكب إساءة المعاملة، ومنها ما يتعلق بنوعية العلاقة فيما بينه ومحيطه الأسري، ومنها ما يتعلق بالمجتمعات والعلاقة ما بين الأفراد فيها والمستوى الثقافي وغيرها من العوامل.
وتشمل عوامل الخطورة المتعلقة بالفرد المسن نفسه إصابته بعته الخرف أو إصابة مرتكب إساءة المعاملة باضطراب نفسي أو إدمانه للكحول أو المخدرات.
ومن عوامل الخطر الأخرى المحدّدة على مستوى الفرد، التي قد تزيد من مخاطر تعرّض الشخص المسن للإيذاء، جنس ذلك الشخص مرتكب سوء المعاملة، وما إذا كان متعايشا مع شخص آخر، أي الابنة وزوجها أو الابن وزوجته.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أنه على الرغم من أن الرجال المسنين يواجهون مخاطر التعرض للإيذاء بالقدر نفسه الذي يواجهه النساء المسنات فإن من الملاحظ، في الثقافات التي يتسم فيها مركز المرأة بمستوى أقل من مركز الرجل، أن المسنات يتعرضن بشكل أكبر لمخاطر الإهمال والهجر ومصادرة أموالهن.
وقد تتعرض النسوة، بصورة أكبر أيضا، لأشكال من الإيذاء والإصابات أطول مدة وأشد خطورة.
كما تشير إلى أنه من غير الواضح، حتى الآن، ما إذا كان لدى زوجات مرتكبي الإيذاء أو أطفالهن البالغين استعداد، أكثر من غيرهم، لاقتراف الإيذاء نفسه.
وهو ما تشير إليه الأمثال الشعبية بالقول «ما تقدمه السبت تجنيه الأحد» أو «كما تدين تدان».
ويزيد من احتمالات مخاطر التعرض للإيذاء وسوء المعاملة، اعتماد مرتكب الإيذاء على الشخص المسن وخاصة الاعتماد المالي في الغالب، ولا يُعرف السبب وراء ذلك.
وفي بعض الحالات، قد تتردى العلاقات الطويلة القائمة بين أفراد الأسرة نفسها نتيجة القلق والإحباط عندما يصبح شخص مسن من بينهم أكثر اعتمادا عليهم.
وأخيرا مع تزايد عدد النساء اللائي يدخلن مجال العمل ولا يملكن وقت الفراغ الكافي بسبب ذلك أصبح الاعتناء بالمسنين يشكّل عبئا أثقل مما يزيد من مخاطر الإيذاء. وتلعب العزلة الاجتماعية التي يعيشها مقدم رعاية المسنون، وانعدام الدعم الاجتماعي، دورا مهما في إقدامهم عوامل ثقافية أسرية
إساءة معاملة المسنين
يعاني كثير من المسنين العزلة بسبب إصابتهم بحالات عجز جسدية أو نفسية، أو نتيجة فقدانهم لأصدقائهم أو أفراد أسرهم.
وهناك عوامل ثقافية أسرية تلعب دورا في إساءة المعاملة، فوفق ما تشير إليه منظمة الصحة العالمية، فإن بعضا من العوامل الثقافية الأسرية التالية قد تؤثر في مخاطر إساءة معاملة المسنين:
- تصوير الشخص المسن كشخص ضعيف وهشّ لا يمكنه الاعتماد على نفسه.
- تآكل الروابط القائمة بين أجيال الأسرة.
- هجرة الأزواج الشباب وتركهم آباءهم المسنين وحدهم، في المجتمعات التي كان الأبناء يعتنون فيها تقليديا بآبائهم المسنين.
- انعدام الأموال اللازمة للأسرة لدفع تكاليف الرعاية.