اللعب عند الأطفال .. يدعم الجوانب العضوية والنفسية والمستوى الفكري والإدراكي

قد يعتقد البعض أن اللعب بالنسبة للأطفال وقت ضائع ولا طائل منه أو يمكن استثماره في تعلم شيء أفضل.
والحقيقة أن هذا الاعتقاد مناف للصحة تماما، بل هناك مقولة معروفة للطبيبة والفيلسوفة الإيطالية ماريا مونتيسوري تشير إلى أن فعل اللعب يعتبر بمثابة العمل بالنسبة للطفل، وهو عمل يشترك فيه جميع أطفال العالم على اختلاف الأجناس والثقافات والبيئات وطرق اللعب، وتتعدى أهميته أنه مجرد طريقة لقضاء الوقت بالنسبة للصغار أو الاستمتاع بالنشاط البدني فقط.
الحقيقة أن اللعب يحمل العديد من الفوائد للطفل على عدة مستويات سواء الفائدة العضوية أو النفسية أو المستوى الفكري والإدراكي؛ وهو الأمر الذي جذب انتباه العديد من الباحثين لدراسة الآثار المترتبة على فعل اللعب.
يبدأ إدراك الطفل للعب بشكل مرتب وتبعا لقواعد بسيطة في نحو الثانية من عمر الطفل، وقد يبدو الأمر مجرد حركات عشوائية تثير الضحك، لكن الحقيقة أننا يجب أن لا نقلل من قيمة اللعب بصفته وسيلة مهمة للنمو وتهيئة المخ للقيام بوظائف مختلفة مثل التعلم واتباع نظم معينة.
وحتى الألعاب غير الحقيقية تنمي الخيال وتطور الفكر وتهيئ الطفل لعالم الكبار، كما أن الألعاب التي تحتاج إلى مجهود عضلي وبدني تنمي التوافق الحركي عند الطفل، مثل الجري والتسلق والركل والتوازن وغيرها، وهو الأمر الذي جعل جمعية القلب الأميركية American Heart Association تصدر توصيات بضرورة أن يمارس الأطفال فوق عمر عامين نشاطا بدنيا معتدلا وممتعا لمدة لا تقل عن ساعة يوميا، للوقاية من أمراض القلب عند البلوغ، خاصة في المدن الكبيرة، حيث الحياة السريعة التي يخضع فيها الأطفال لقيود ممثلة في جدول مزدحم طوال اليوم.
وقد ثبت أن الأطفال والمراهقين الذين يتمتعون بنشاط بدني في الأغلب يصبحون بالغين موفوري النشاط أيضا.
بالإضافة إلى ذلك، يحمل اللعب العديد من الفوائد النفسية للطفل؛ بل ويمكن أن يساهم في تحسن بعض حالات الأمراض المتعلقة باضطراب السلوك أو الأطفال الذين يعانون من مشكلات نفسية.
وقد أشارت دراسة حديثة قام بها باحثون من المملكة المتحدة وسويسرا إلى أن الألعاب التي تتطلب تكوين أشكال معينة وتحتوي على العديد من الشخوص والكائنات المختلفة، تساعد الأطفال مرضى التوحد Autism على التفاعل مع الأشياء من حولهم، حيث إن الطفل المريض بالتوحد لا يعاني فقط من عدم القدرة على التواصل الاجتماعي، ولكن أيضا يعاني من عدم تحديد كيفية تفاعل الأشياء بعضها مع بعض، ووجد أن الألعاب التي تحتوي على مراحل تكوين لمزرعة أو مملكة أو ما شابه تفيد الطفل المتوحد كثيرا إلى الحد الذي يمكن اعتبار هذه الألعاب بمثابة طريقة فعالة للعلاج.
وفى هذه الدراسة قام الباحثون بإجراء تجارب على أثر الألعاب على الأطفال المتوحدين، وكانت الدراسة على إحدى الألعاب واسعة الانتشار والمحببة لدى الأطفال تسمى «قلعة الفارس» Knight›s Castleوكما هو واضح من اسم اللعبة أنها تحتوي على العديد من الأبراج والشرفات الخاصة بالقلعة ونماذج بشرية مختلفة مثل الجنود والأشخاص العاديين وفى الأغلب يقوم بلعبها عدة أطفال.
وقد قام فريق البحث بإجراء تعديلات على اللعبة تجعلها تصدر أصواتا أو ذبذبات معينة ترصد أي فعل للطفل المتوحد عند قيامه بأي خطوة في اللعبة، وكانت النتائج مبشرة للحد الذي جعل فريق البحث يصل إلى أن إجراء تعديلات على مثل هذه الألعاب المعقدة يفيد أطفال التوحد ويجعلهم يفهمون اللعبة وبالتالي يهتمون بها، وليس ذلك فقط؛ بل يمكن أن يحسن من التواصل مع الأطفال الآخرين الذين يلعبون اللعبة نفسها ويشجعهم على الاندماج في اللعب الجماعي بدلا من الألعاب الفردية.
ويعتبر اللعب العلاج الأمثل للانطواء والشعور بالعزلة والخجل لدى الأطفال وكذلك القلق والاكتئاب، ومن المعروف أن كثيرا من المشكلات النفسية تتكون في السنوات الأولى من عمر الإنسان، كما أن الحرمان من اللعب من العوامل التي يمكن أن يكون لها أثر بالغ السلبية في ما بعد، خاصة في الدول الفقيرة حيث يضطر العديد من الأطفال للعمل في سن مبكرة لمساعدة أسرهم.
وقد وجد أيضا أن الأطفال الذين يقضون فترة راحة أو فسحة من الوقت في أثناء الدراسة يتحسن سلوكهم داخل الفصل الدراسي، وذلك تبعا لدراسة تم نشرها في «مجلة طب الأطفال» journal Pediatrics, في عام 2009. وقد قامت الدراسة باستطلاع رأي العديد من المدرسين الذين يتعاملون مع أطفال المدارس في الفئة العمرية من 8 - 9 سنوات وأفاد معظم المدرسين أن الأطفال الذين يقضون فترة راحة في اللعب تتراوح حول 15 دقيقة يكون سلوكهم أفضل في الفصل الدراسي من أقرانهم، ولكن تبين أيضا أن الأطفال الذين يتمتعون بهذه الفسحة الدراسية (15 دقيقة أو أكثر) في اللعب لا يتعدون نسبة 30% من إجمالي عشرة آلاف طفل شملتهم الدراسة.
وتبين أن اللعب يساعد الأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة preschoolersعلى احترام مشاعر الآخرين وعدم السخرية منهم والتحكم في مشاعرهم الخاصة، كما أنه يحفز الطفل على أداء أنماط عدة من الشخصيات وبالتالي توسيع مداركه وإضافة خبرات حياتية بالنسبة له، وحتى على المستوى الدراسي يكون للعب دور كبير في تحسين الأداء الأكاديمي، خاصة للأطفال في بدايات الحياة المدرسية، لأن ممارسة أي لعبة يتطلب معرفة الأرقام وحفظها وإحصاء عدد الأهداف وجمعها ومعرفة العدد المتبقي للفوز وكذلك العدد اللازم لتخطى المنافس وهكذا، وهو ما يزيد من القدرات الأكاديمية بشكل غير مباشر ومحبب في الوقت نفسه.
وينصح الخبراء بترك الطفل يختار اللعبة التي يفضلها وتناسبه حتى لو بدت هذه اللعبة سخيفة من وجهه نظر الآباء، وعدم فرض لعبة معينة حتى وإن كانت تعليمية وتعود بالنفع على الطفل، حتى لا يشعر الطفل بالإحباط.
وقد أشارت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال إلى عدة توصيات في ما يخص لعب الأطفال؛ مثل تشجيع الأطفال على اللعب بألعاب تنمي الخيال، وتجنب قضاء أوقات طويلة في المتعة السلبية، مثل مشاهدة التلفزيون أو ألعاب الفيديو، وكذلك يفضل أن تقوم الأم باللعب مع الطفل، فذلك يجعل الأم أقدر على التواصل مع طفلها والدخول إلى عالمه الخاص.
ويجب على الأم أن تحقق التوازن بين أداء الطفل الأكاديمي في المدرسة وفترات اللعب تبعا لشخصية الطفل وميوله، وأيضا يجب أن تشير الأم إلى أن اللعب وسيلة للتعلم ولتحقيق المتعة أكثر من إنجاز تفوق معين، وعدم ربط التفوق في عدة مجالات بالمنافسة في الدراسة أو الحياة العامة حتى لا تضع أعباء نفسية على الطفل.
وفى النهاية، تتضح ضرورة توفير الوقت الكافي للأطفال لممارسة اللعب، نظرا لآثاره الإيجابية على الصحة العضوية والنفسية على حد سواء، لذلك يجب على الدول سن قوانين تجرم عمل الأطفال الذي يحرمهم من ممارسة طفولتهم.