«الشوكولاته» .. هل يمكن أن يدمنها الصغار والكبار؟

لا يمكن تخيل أن هناك طفلا في أي مكان بالعالم لا يحب الطعم اللذيذ للشوكولاته ولا يعتبر قطعة الشوكولاته بمثابة هدية قيمة.
والحقيقة أن حب الشوكولاته يتشارك فيه الكبار مع الصغار على حد سواء ويصل إلى الأمر إلى ما يقارب الإدمان في بعض المراحل، حيث يجد الشخص المحب للشوكولاته لذة حسية في تناولها تجعله لا يتذوق بقية الأطعمة، وهو ما ينعكس بالضرورة على التوازن الغذائي الضروري للجسم، خاصة لدى الصغار.

تأثير على المخ

ونظرا لتلك الأهمية البالغة، كانت هناك العديد من الدراسات التي تناولت آثارها الجيدة والضارة، وآخر هذه الدراسات دراسة قام بها باحثون من جامعة ميتشغان بالولايات المتحدة، نشرت في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي في النسخة الإلكترونية من دورية علم الأحياء journal Current Biology.
وهي تشير إلى أن الشوكولاته تحتوي على مواد تقارب فعل الأفيون على المخ opium-like chemical والمقصود أنها تحتوى على مواد كيميائية تؤثر على مراكز معينة في المخ وتزيد من الإقبال على مذاق الشوكولاته.
وقام الباحثون بإجراء تجربة على فئران تم حقنها بجرعة إضافية من دواء معين مصنع (أشبه في تركيبته الكيميائية للنباتات المخدرة) يصل مباشرة إلى مركز معين في المخ يسمى «المركز الجديد» neostriatum، وكانت النتيجة أن هذا الحقن يدفع الفئران إلى تناول ضعف كمية الحلوى المغلفة بالشوكولاته التي اعتادت تناولها من قبل. 
وبجانب ذلك، وجدوا أيضا أنه في الوقت الذي بدأت فيه الفئران تتناول هذه الحلوى كان هناك ارتفاع حاد في مادة الإنكيفالين enkephalin الطبيعية في المخ التي يمكن اعتبارها بمثابة أفيون طبيعي يفرزه الجسم ويتم تصنيعها في المكان نفسه من المخ.
وقد وجدت الدراسة أن زيادة مادة الإنكيفالين في المخ تؤدى إلى زيادة استهلاك الأكلات الأكثر قبولا لدى الشخص ومنها بالطبع الشوكولاته وكان تناول الحلوى المغلفة بالشوكولاته قد تسبب في زيادة إنتاج الأيونات الطبيعية في الجسم (الإنيكفالين) بنسبة تصل إلى نحو 150%.
ويثبت هذا أن مستقبلات الأفيون الطبيعي في الجسم قادرة على حث الإنسان على استهلاك المأكولات التي تسبب بهجة عند تناولها نظرا لمذاقها الطيب.
وهذا يعني أن المخ لديه نظام معقد يجعل من الطفل غير قادر على مقاومة الاستهلاك الزائد من الطعام المحبب له. وقد يكون هذا من الأسباب التي تجعل الحد من الاستهلاك مشكلة بالغة الصعوبة في تلك الأيام ويضاعف من مشكلة البدانة.
ويلقي هذا البحث المزيد من الأضواء على أدوار أخرى يقوم بها المركز الموجود بالمخ والذي يطلق عليه «المركز الجديد» بجانب علاقته بالحركة، وهى أنه قد يكون مسؤولا عن القابلية للأكل بشراهة في الإنسان.
والمثير أن الجزء نفسه في المخ الذي تم إجراء التجربة عليه كان نشطا في حالة مرضى البدانة عند رؤيتهم الطعام المحبب لديهم وكذلك كان نشطا عند مدمني المخدرات عند تناولهم للمخدرات، وعلى ما يبدو أن طبيعة الموصلات العصبية وإفراز الأفيونات الداخلية (الإنيكفالين) التي تختلف من شخص لآخر قد تكون مسؤولة عن زيادة الاستهلاك لديهم بشكل يصعب مقاومته فيما يشبه الإدمان.

مذاق متميز

وأشار الفريق الطبي إلى أن الأفيونات الداخلية أو ما يماثلها من الخارج مثل الأدوية المخدرة يظهر تأثيرها ليس بزيادة حب الشوكولاته أو الميل إليها، ولكن تزيد من الرغبة الملحة في تناولها urge to eat وهو ما يجعل الأمر متشابها بين الاضطرار القهري لتناول طعام معين وإدمان نوع معين من أنواع الأدوية أو المخدرات.
والفريق عاكف على دراسات مماثلة تتناول العلاقة بين وجود مراكز معينة في المخ والرغبة في تناول الأطعمة الغنية بالدهون غير المشبعة مثل الوجبات السريعة التي تعد من أهم الأسباب التي تؤدى إلى البدانة.
والحقيقة أن تأثير الشوكولاته على المخ والجهاز العصبي تأثير حقيقي لأنها تحتوي على نحو 380 مادة كيميائية وهو ما يكسبها المذاق المميز والمحبب في الوقت نفسه؛ فكثير من الأطعمة تحتوي على بعض المواد التي يتم تصنيع الشوكولاته منها ولكنها لا تحمل الخليط نفسه وبالتالي لا تحمل المذاق الطيب نفسه.
ومن المعروف أن الشوكولاته تحتوي على مادة السيروتونين serotonin وهى تلعب دورا في تحسين المزاج والشعور بالارتياح فضلا عن احتوائها على كميات من مادة الكافيين الموجودة في القهوة والتي يمكن أن تسبب الاعتياد والاعتماد على مذاقها (ولكن كميات الكافيين الموجودة في الشوكولاته ضئيلة للغاية، ومثلا يساوي فنجان واحد من القهوة ما يوازي 12 قطعه شوكولاته).

هل يمكن أن يتم إدمان الشوكولاته؟ 

ليس المقصود بالإدمان بالطبع إدمان مثل إدمان المخدرات، أو الحبوب المخدرة، ولكن بعض الباحثين من أطباء الأعصاب في جامعه سان دييغو بالولايات المتحدة قاموا بتحليل بعض المواد الكيميائية الموجودة في الشوكولاته، فوجدوا أنها يمكن أن تحسن المزاج وتعطي شعورا بالسعادة عن طريق غير مباشر حيث تعمل على زيادة مادة دهنية موجودة بشكل طبيعي في المخ تسمى الأناداميد anandamide تتفاعل مع مستقبلات معينة موجودة في المخ وتنتج شعورا بالسعادة وهذه المستقبلات هي ذاتها مستقبلات نبات القنب المخدر (الحشيش).
ومن المعروف أن متعاطي نبات القنب يشعرون بإحساس زائف من النشوة وتحسن المزاج، ولكن بطبيعة الحال، فإن تأثير الشوكولاته على المخ لا يماثل تأثير نبات القنب أو الماريغوانا أو غيرها من النباتات المخدرة، وذلك لأن الأناداميد المصنع في جسم الإنسان يتم تكسيره أيضا سريعا ويحتاج الإنسان إلى جرعات عالية ومتزايدة ليحصل على التأثير المرجو من المخدر.
وتحتوي الشوكولاته أيضا على مواد كيميائية تطيل من عمل الأناداميد وتحد من تكسيره وهذه المواد تتوافر أكثر في الشوكولاته التي لا تحتوي على اللبن أو الشوكولاته الداكنة dark chocolate.

فروق جوهرية

لماذا لا توجد أعراض لدى محبي الشوكولاته؟ قد يتساءل الآباء هل يمكن أن تسبب الشوكولاته أعراضا تشبه أعراض الإدمان للذين يتعاطون المخدرات على أطفالهم مثل عدم التركيز أو عدم الاتزان، والحقيقة أن هذه الأعراض لا يمكن حدوثها لعده أسباب:
- تحتوي المخدرات على مادة تسمى (تتراهيدروكانبينول tetrahydrocannabinol) وتقوم بتحفيز العديد من المستقبلات العصبية في المخ ويتم تكسيرها في الجسم في فترة أطول كثيرا من المادة الموجودة في الشوكولاته، كما أن تأثيرها يشمل معظم مناطق المخ بينما يبقى تأثير الشوكولاته محدودا للغاية.
- المادة الدهنية الموجودة في الشوكولاته التي تشبه المادة الموجودة في المخ (الأناداميد) ضئيلة للغاية، وكانت إحدى الباحثات، وهي كريستين فيلدر، من المعهد الوطني للصحة العقلية بالولايات المتحدة National Institute of Mental Health قامت بتقدير كمية الشوكولاته التي يمكن أن يتناولها مراهق يبلغ من الوزن نحو 59 كيلوغراما (كلغم) اللازمة لإحداث أعراض شبيهة بأعراض تناول المخدرات، وتم تقديرها بنحو 11.5 كلغم في المرة الواحدة وهى بالطبع كمية هائلة من الشوكولاته.
- طريقة التناول عن طريق الفم في الشوكولاته تجعل من كمية المادة الدهنية التي تتسرب عن طريق الدم قليلة للغاية خلافا للمواد المخدرة التي يتم تناولها عن طريق التدخين أو الحقن مما يزيد من الكمية التي تصل إلى الدم.
ويبقى في النهاية أن الاعتدال وعدم الإسراف في تناول الشوكولاته هو الحل المناسب للحفاظ على حياة صحية سليمة.