نيوزيلندا تعالج وراثيا جينات بقرة لإنتاج حليب مضاد للحساسية
04:25 م - السبت 17 نوفمبر 2012
من المعروف أنه لا مثيل أو بديل عن لبن الأم في الرضاعة الطبيعية للطفل، لما له من فوائد جمة، فهو على المستوى الصحي يحتوي على جميع العناصر والمواد الغذائية والأجسام المضادة التي تكفي احتياجات الرضيع وتقيه من الكثير من الأمراض، كما أنه أكثر سلامة من الألبان الصناعية المجففة، فهو يتميز بسهولة الهضم وسرعة الامتصاص، كما أن له تأثيرا إيجابيا على المستوى النفسي والانفعالي للطفل والأم، فالرضاعة الطبيعية تسهم في النمو النفسي للطفل، حيث تقوي الرابطة الانفعالية والاجتماعية بين الأم وطفلها، وتجعل الطفل أكثر استقرارا وهدوءا وأقل توترا. وقد أكد القرآن الكريم على أهمية الرضاعة الطبيعية للطفل في قوله تعالى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ» (سورة البقرة: آية 233).
ولكن في بعض الحالات قد يكون هناك نقص أو عدم كفاية في لبن الأمهات، أو يتم منع الرضاعة لأسباب معينة، مثل الحالة الصحية للأم، وفي هذه الحالات ومع تراجع الرضاعة الطبيعية للطفل أصبح تطوير بدائل للبن الأم ضرورة لصحة الأطفال الرضع.
ومن المعروف أن حليب الأبقار هو مصدر متزايد لبروتين الأطفال الرضع، ولكن تركيبته المختلفة في شكلها الطبيعي قد تسبب الحساسية لبعض هؤلاء الأطفال، فهو يحتوي على البروتين «بيتا - لاكتوغلوبولين» المعروف اختصارا بـ «بي إل جي»، وهو غير موجود في الحليب البشري.
ولكن مؤخرا، وفي خطوة علمية جديدة واعدة قد يكون لها تأثير كبير على صناعة الألبان وأولئك الذين يعانون من حساسية تجاه بروتين الحليب، تمكن فريق بحثي نيوزيلندي، من كل من شركة «إيه جي ريسيرش» في هاملتون بنيوزيلندا، وقسم العلوم البيولوجية في جامعة وايكاتو في هاملتون بنيوزيلندا، من إجراء تعديلات وراثية في بقرة، لتمكينها من إنتاج حليب تقل فيه للغاية نسبة البروتين «بي إل جي» الذي يسبب الحساسية لبعض الأطفال الرضع.
وقد نشرت نتائج دراستهم في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي على الموقع الإلكتروني لمجلة «وقائع الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم». وقد تم تمويل هذه الدراسة من قبل وزارة نيوزيلندا للأعمال والابتكار والتوظيف، وشركة «بي إل جي» النيوزيلندية.
ووفقا لما نشر في الـ 2 من أكتوبر الحالي على الموقع الإلكتروني لشركة «AgResearch» النيوزيلندية فإن علماء الشركة تمكنوا من توليد أول بقرة في العالم لإنتاج الحليب عالي البروتين الذي قد يكون مضادا للحساسية، وقد أطلق عليها اسم «ديزي» (Daisy).
وقال الدكتور توم ريتشاردسون، الرئيس التنفيذي للشركة، إن «هذا الإنجاز مهم جدا، وإن نشره في مجلة (وقائع الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم)، التي تعد واحدة من المجلات العالمية المرموقة، يعكس نوعية علمية عالمية رائدة لهذا الإنجاز، ويجعله واحدا من المنشورات العلمية رفيعة المستوى في نيوزيلندا لهذا العام».
وأضاف بأن: «فريق الشركة بقيادة الدكتور جوتيز لابلي من مجموعة الإنتاج الحيواني بالشركة، أراد اكتشاف ما إذا كان بإمكانهم إنتاج الحليب الذي يحتوي على نسبة أقل من البروتين الخاص المسبب للحساسية».
يقول الفريق البحثي إن دراستهم يمكن أن يكون لها فوائد على المدى الطويل في فهم ومكافحة الحساسية لمنتجات الألبان، وإنتاج حليب يحتوي على كمية أقل من بروتين «بيتا - لاكتوغلوبولين» المسبب للحساسية.
ويوضح الدكتور ستيفان واغنر، أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة: «لقد تمكنا بنجاح من الحد بشكل كبير من كمية بروتين (بيتا – لاكتوغلوبولين)، وهو بروتين مصل اللبن، وهو غير موجود في حليب الأم، ويمكن أن يسبب الحساسية».
وأضاف بأن: «من 2 إلى 3 في المائة من الرضع لديهم حساسية من حليب البقر، وتشكل الحساسية من البروتين جزءا كبيرا من تلك النسبة».
وقد اعتمد الفريق البحثي في دراستهم على أسلوب علمي جديد يعرف باسم «التدخل في الحمض النووي الريبي» الذي يعمل على التقليل من نشاط جينات معينة من دون القضاء عليها تماما، حيث يتم إسكات أو إبطال بعض الجينات بمساعدة مقاطع صغيرة من الحمض النووي الريبي، وهي المقاطع التي تعرف باسم «مايكرو رنا»، وهي أحماض نووية ريبية ميكروية (دقيقة جدا) يمكنها أن توقف نشاطا أو تبطل قدرة جين معين على إنتاج بروتين معين، فباستخدام هذه الطريقة قام الفريق البحثي بالحيلولة دون تكوين بروتين، وذلك من خلال إبطال أو إسكات نشاط الجين الذي يمهد لإنتاج بروتين.
ويقول الدكتور فاغنر: «لقد قمنا بتطوير نموذج علمي لدراسة تأثير إبطال أو تعطيل بروتين في حليب البقر على التكوينات والخصائص الوظيفية للحليب، وتحديد ما إذا كان غياب هذا البروتين لن يتسبب في الحساسية الناجمة عنه».
ويريد الفريق البحثي الآن أن يولد أنسالا من البقرة المعدلة وراثيا، وتحديد مكونات اللبن والعائد من الرضاعة الطبيعية.
يقول فاغنر: «في المستقبل سوف يتم استخدام تقنية الـ (micro RNAs) المصممة في استهداف جينات أخرى، يمكن أن توفر أداة فعالة لتغيير صفات إضافية للماشية، على سبيل المثال، إنتاج حيوانات لديها قدرة على مقاومة الأمراض وتحسين الأداء الإنتاجي للحيوانات الحلابة (كفاءة وأداء إنتاج الحليب، من حيث الإنتاج اليومي وطول فترة الحلابة)».
وفي تقرير نشرته صحيفة «نيوزيلند هيرالد» النيوزيلندية على موقعها الإلكتروني، في الـ 2 من أكتوبر الحالي، يقول الدكتور مايك بولاند، العالم الرئيسي والمدير التنفيذي في معهد ريدت في نيوزيلندا: «إن البقرة المعدلة وراثيا التي تم إنتاجها مثيرة جدا للاهتمام علميا، ولكن الإمكانات التجارية لا تزال بعيدة بعض الشيء».
ويضيف بأن: «تكوين الحليب من حيوانات التجارب قد يبدو غير عادي تماما، ويجب أن ينظر إلى هذا التكوين بحذر على أنه منتج صناعي تم تحريضه بالهرمونات، بخلاف الحليب الطبيعي، ويجب أن ننظر أيضا إلى ما إذا كانت هذه الحيوانات قادرة على التكاثر والتوالد».
وجاء على الموقع الإلكتروني لشركة «AgResearch» النيوزيلندية صاحبة هذا الإنجاز العلمي، وفي إجابة عن سؤال عن الوقت اللازم قبل أن يستطيع الناس شراء اللبن المضاد للحساسية، أن «هذا الإنجاز العلمي ما زال في مرحلة الاكتشاف، فقد أظهر الفريق البحثي أنه من الممكن كبت أو وقف عمل البروتين (BLG) المسبب للحساسية، ولكن هناك المزيد من البحوث المطلوب القيام بها، وحتى لو كان في الإمكان القيام بذلك على نطاق واسع فإنه مع تشريعات نيوزيلندا الحالية لن يكون من الممكن إنتاج ذلك تجاريا».
وجدير بالذكر أيضا أن علماء صينيين كانوا قد أعلنوا في يونيو (حزيران) من العام الحالي 2012 عن تمكنهم من الحصول على أول عِجْلة معدلة وراثيا بإمكانها أن تدرّ حليبا منخفض اللاكتوز يحتوي على سكر قليل، وذلك عندما تنضج في غضون عامين، وقد أطلق عليها العلماء اسم «Lakes»، وقد ولدت في 24 أبريل (نيسان) الماضي في جامعة اينر منغوليا الزراعية، حيث قام الباحث تشانغ لي وفريقه البحثي باستخراج الخلايا الليفية الجنينية من بقرة من سلالة «هولشتاين» (Holstein) التي تشتهر بإنتاجها العالي للحليب، وكانت حاملا في 45 يوما، وقاموا بتعديل جيني للجنين، وذلك من خلال زرع إنزيم يحلل اللاكتوز داخل الخلية، وفي يوليو من عام 2011 تم زرع الجنين المعدل جينيا داخل رحم البقرة.
وقال تشانغ: «إن الإنزيم بإمكانه تفكيك أو حل اللاكتوز، وهو السكر الأساسي الموجود في منتجات الألبان، إلى غالاكتوز أو غلوكوز، وذلك لتخفيف اضطرابات الجهاز الهضمي عند الأشخاص الذين لا تتحمل أجسامهم اللاكتوز»، وهؤلاء الأفراد يشكلون نحو 60 في المائة من عدد سكان الصين، وتشمل أعراض عدم تحمل اللاكتوز، الطفح الجلدي والإسهال واضطرابات الجهاز الهضمي.
وقال تشانغ إن «العِجْلة (Lakes) سوف تنتج حليبا منخفض اللاكتوز بعد أن تبلغ الـ25 شهرا وتنجب العجول».