د. حازم يس : علاج قصر النظر
09:55 ص - الثلاثاء 14 أغسطس 2012
حتي زمن قريب كانت النظارة الطبية هي الحل الوحيد لإتاحة رؤية واضحة لمريض قصر النظر، وذلك عن طريق عدسة مقعرة تهدف إلي تجميع الأشعة علي الشبكية، ولكن نتيجة لبعض عيوب النظارة الطبية فقد تم اختراع العدسات اللاصقة التي أصبحت واسعة الانتشار.
إصلاح قصر النظر بالليزر:
الواقع أن دخول الليزر أحدث ثورة في مجال إصلاح قصر النظر بدون أدني مبالغة، فمنذ أن بدأت في إجراء عمليات إصلاح قصر النظر بالليزر في عام 1994 لاحظت تطوراَ كبيراَ في احتياج الطبيب إلي التعامل مع أجهزة الكمبيوتر والتدريب علي التعامل معها ومع التكنولوجيا والأجهزة الحديثة، و ذلك بعد أن كان المطلوب من الطبيب الماهر هو التشخيص والكشف والعلاج.
ومما لا شك فيه أن دخول الليزر في مصر أدي إلي جدل شديد جدا بين الأطباء الذين شجعوا علي استخدامه لعلاج قصر النظر (وكانوا قلة قليلة) وبين الأطباء الذين كانوا يرفضون ويحذرون من استخدام الليزر لعلاج قصر النظر (وكانوا أغلبية).
وللأمانة العلمية فإن استخدام الليزر في الفترة من 1993-1995 كان غير دقيق لعدة أسباب:
- كان أي مريض يعاني من قصر نظر وبأي درجة يعالج به حتي لو كانت درجة قصر النظر عالية جدا ( وهو ما ثبت خطؤه فيما بعد؛ حيث إن الليزر لا يستطيع إصلاح أكثر من -12 درجة قصر نظر).
- كان الليزر يعرض علي سطح القرنية مباشرة حيث لا تزال خلايا القرنية السطحية بواسطة المشرط، ثم يعرض الليزر علي أنسجه القرنية ومن ضمنها غشاء يسمي غشاء باومان، والمعروف عن هذا الغشاء ضعف قدرته علي الالتئام لذا كان يسبب استخدام الليزر سحابات سطحية علي القرنية مما كان يسبب عدم وضوح الرؤية، ويسبب في أكثر الأحيان حدوث ارتجاع في قصر النظر.
- كانت الفحوصات التي تجري قبل عملية الليزر ليست بالدقة الكافية التي تضمن السلامة والأمان للمريض.
ومنذ عام 1995 – 1996 حدث تحول جذري في كل شئ يتعلق بإصلاح قصر النظر بالليزر.. فمثلا:
- تغير تماما التكنيك الجراحي بحيث لا يسلط الليزر علي سطح القرنية كما كان في الماضي، ولكن يتم استخدام ماكينة تفصل القرنية إلي طبقتين؛ طبقة سطحية لا تتعدي 160 ميكرون (كل 1000 ميكرون يكون 1 ملليمتر)، وطبقة عميقة تشمل بقية سمك القرنية، أما الطبقة السطحية تحتوي علي الخلايا السطحية للقرنية كما تحتوي علي غشاء "باومان" الذي كان معرضا دائما للإصابة بسحابات عند تعرضة لأشعه الليزر وهذه الطبقة السطحية يتم رفعها من فوق بقبة القرنية ثم تعرض الطبقة العميقة من القرنية لأشعة الليزر، وبعد الانتهاء منه يتم إرجاع الطبقة السطحية إلي مكانها مرة أخري في عملية لا تستغرق أكثر من عشر دقائق.
- فحوصات ما قبل العميلة وهي عبارة عن فحصين مهمين؛ الأول لقياس سمك القرنية، والثاني لرسم جغرافية القرنية، وقد أصبح هذان الفحصان جزءا لا يتجزأ عن عملية إصلاح قصر النظر بالليزر، وبسبب تقدم هذين الفحصين زادت دقة نتائج التشخيص وبالتالي زادت دقة نتائج الجراحة.
- أصبحت الأسس التي يختار علي أساسها علاج المريض بقصر النظر محددة وأكثر دقة فيجب مراعاة ما يلي:
- أن تكون درجة قصر النظر ما بين -12 درجة، ومما لا شك فيه أن هناك بعض الأطباء الذين يتخطون حاجز الـ 12 درجة ويجرون عملية الليزر لأكثر من -12 درجة، ولكنني أعتبر هذا نوعاً من أنواع المخاطرة التي لا داعي لها.
- أن يكون سن المريض ما بين 18 و 35 وهو السن المثالي للاستفادة من عملية إصلاح قصر النظر بالليزر، ولكن هناك استثناء لقاعدة السن في حالة قصر النظر الشديد في عين واحدة فقط للأطفال والصغار، فذلك هو الحل الوحيد لحماية هذه العين من الكسل الشديد.
- أن يكون قياس سمك القرنية من 500 إلي 550 ميكرون، وألا يكون سمك القرنية أقل من ذلك وإلا حدثت مشاكل خطيرة.
- رسم جغرافيا القرنية في غاية الأهمية أيضا، وذلك للتأكد من تحدب القرنية وعدم وجود قرنية مخروطية، وهي الوسيلة الوحيدة لكشف حالات القرنية المخروطية المبكرة والتي لو لم تكتشف وأجريت للمريض عملية الليزر بالخطأ فسوف تتدهور حالته المرضية.
وقد انتشرت عملية إصلاح قصر النظر بالليزر في كل دول العالم الآن ومن بينها مصر؛ فبعد أن كانت العملية مقصورة علي مركز أو مركزين للعيون انتشرت في عدة مواقع حتي في المحافظات أيضا، والاسم العلمي لهذه العملية هو Laser In Situ Keratomilieusis و اختصارا للاسم فقط أخذت الحروف الأولي من الكلمات ليصبح المصطلح المعروف باسم Lasik وانتشر الاسم بين مرضي قصر النظر باسم عملية (الليزك).
ولكن ماذا عن مرضي قصر النظر الذين لا تنطبق عليهم شروط عملية (الليزك)، هل يعني ذلك أنه قد حكم عليهم أن يرتدوا النظارات الطبية أو العدسات اللاصقة إلي الأبد؟
بالتأكيد لا.. فهناك والحمد لله عمليات أخري لإصلاح قصر النظر تناسب الحالات التي لا تنطبق عليها شروط إصلاح قصر النظر بالليزر؛ فالمرضي الذين يعانون من قصر النظر الشديد أكثر من -12 درجة يمكنهم زرع عدسات لهم في الخزنة الأمامية بحيث تكون مثبتة علي سطح القزحية أو في زاوية الخزانة الأمامية، وتجري هذه العملية في المرحلة العمرية من 18 – 35 سنة، أما إذا كان المريض أكبر من ذلك فيتم تغيير العدسة البللورية الشفافة بعدسة رخوة من مادة "الإكريليك" لإصلاح قصر النظر وبعدها يستغني المريض عن نظارة المسافات، ولكنه قد يحتاج إلي نظارة القراءة لأن العدسة المزروعة ليس لها القدرة علي التكييف accommodation أي رؤية الأشياء القريبة.
لذا لا بد من مناقشة المريض فيما يتعلق بنشاطاته البصرية، فإذا كان يغلب عليها القراءة فقد يترك للمريض درجة إلي درجتين قصر نظر في إحدي العينين؛ بحيث تضبط عين علي المسافات البعيدة والأخري للقريبة، ويطلق علي هذا الحل monovision أو يتم زراعة عدسة متعددة البؤرة multifocal ولكن هذا الاختيار يعتمد أساسا علي درجة قصر النظر حيث قوة العدسة متعددة البؤر تكون محدودة.
ما الذي يشعر به المريض بعد إجراء عملية إصلاح قصر النظر بالليزر؟
يغادر المريض المستشفي مباشرة بعد إجراء عملية الليزيك، وبعدها بساعات قليلة يشعر المريض بحرقان في العين ودموع كثيرة تصل في بعض الأحيان إلي عدم القدرة علي مواجهة الضوء مما يصيبه بقلق شديد وتهاجمه الهواجس خوفا من فشل العملية خاصة من اللغط الكثير المثار حول الليزر، ولكن سرعان ما يتلاشي هذا الإحساس بعد وضع القطرة الموصوفة بعد العملية مع التأكيد علي المريض بعدم حك عينيه لأي سبب والاكتفاء فقط بوضع القطرة وبالتدريج تقل درجة الزغللة، ويظل المريض مستمراً في وضع القطرة لمدة أسبوع بعد العملية وبعدها يتوقف عن وضعها.
وفي بعض الأحيان يعاني المريض لفترة من الإحساس بوجود رمل في العين أو دموع وذلك لحدوث درجات متفاوتة من جفاف الطبقة الدمعية للعين، ولكنها لا تسمتر طويلا ويتم التغلب علي هذا الإحساس باستخدام القطرات الملطفة لسطح العين وهي بديلة للدموع الطبيعية، وقد يرصد المريض بعض الظواهر البصرية مثل اتساع دائرة الضوء لمصابيح السيارات القادمة وذلك أثناء القيادة ليلا ثم يختفي هذا العرض بعد فترة، وتفسير هذا الشعور أن الحدقة تتسع ليلا.
والمعروف أن الجزء الأوسط من القرنية الذي يتم علاجه بأشعه الليزر يبلغ قطره ( 6 ملليمترات) في الاتساع، علاوة علي أن الحدقة تتسع بصورة طبيعية ليلا حتي تصل إلي حافة المنطقة المعالجة بالليزر في القرنية، لذا يعاني المريض من هذا الإحساس.
وقد جعل ذلك بعض المراكز المتقدمة في العالم تدعو إلي إضافة فحص مهم وهو قياس درجه اتساع الحدقة في الظلام عن طريق قياسها بالأشعه تحت الحمراء، فإذا وجد أن المريض قد يعاني من هذه الزغللة فقد يختار الطبيب له عملية أخري لإصلاح قصر النظر مثل زرع العدسات داخل العين.
وهذا ما يحدث إذا أجريت عملية الليزك لأكثر من -12 درجة فقد يجد الطبيب نفسه مضطرا إلي تصغير قطر المنطقة المعالجة بالليزر في وسط القرنية من 6 مم إلي 5 مم أو 4,5 مم وهو إجراء ضروري حتي لا يخاطر الطبيب بسمك القرنية لأنه إذا تم استخدام الليزر بكثافة فقد يتعرض سمك القرنية لحالة مشابهة للقرنية المخروطية، فالثابت أن سمك الطبقة السطحية التي يتم رفعها حوالي 160 ميكرون (الألف ميكرون يكونوا 1 ميلليمتر)، وهذا يعني أن الطبقة العميقة مع سطح القرنية العادية ( والتي يبلغ سمكها 500 ميكرون ) سيكون سمكها حوالي 340 ميكرون.
والثابت أيضا أن سمك الطبقة العميقة بعد العلاج بأشعة الليزر يجب ألا يقل بأي حال من الأحوال عن 250 ميكرون، أي أن الليزر سيزيل حوالي 90 ميكرون من هذه الطبقة العميقة ويعني ذلك (دون الدخول في تفاصيل معقدة) أنه كلما زاد السمك الكلي للقرنية أكثر من 500 ميكرون كلما زادت فرصة إصلاح قصر النظر بالليزر وبدرجة آمنة، وكلما قلت درجة السمك الكلي كلما احتاج ذلك إلي التحايل علي عدم المخاطرة بالـ 250 ميكرون المتبقية من الطبقة العميقة بعد علاجها بالليزر، وذلك عن طريق تصغير قطر القرنية من 6 ميللمتر أو 4,5 ملليمتر، وهذا هو أيضا ما دعا شركات أجهزة الليزر المختلفة إلي اختراع أجهزة ليزر تستطيع إصلاح قصر النظر بإزالة أنحف جزء ممكن من الطبقة العميقة للقرنية، وأيضا اختراع جهاز يتتبع حركة العين أثناء تعريضها لأشعة الليزر بحيث إذا حرك المريض عينه في أي اتجاه فإن شعاع الليزر يتبعها، ويطلق علي هذا النظام
Eye Tracker.. وأعتقد أن الاستفاضة في شرح كل التفاصيل المتعلقة بقصر النظر وكيفية علاجه يرجع إلي عدة أسباب وهي:
- التقدم المذهل في إصلاح قصر النظر بالليزر والدقة الشديدة المصاحبة له.
- أن المريض يستعيد ثقته بنفسه وترتفع معنوياته بعد التخلص من قصر النظر.
- أن الطبيب يتحول إلي مداوٍ ومهندس في نفس الوقت يشخص ويضع خطة للعلاج ويتعامل أيضا مع أجهزة كمبيوتر حديثة، لذا يجب أن يكون مدربا تدريباً عالياً علي التعامل مع التكنولوجيا.
وأخيرا فإن إصلاح قصر النظر هو عشقي الثاني بعد المياه البيضاء، ومررت فيه بفترات زمنية كان يتهم فيها الطبيب الذي يجري عمليات إصلاح قصر النظر بالليزر بأنه غير جدير بالثقة وهي الفترات التي كان فيها الهجوم شديدا علي هذه العملية، ثم شاهدت التقدم المذهل فيها حتي أصبحت شائعة الانتشار وأصبح يعترف بها جميع الأطباء.