أكبر سيف عربي طوله 6 أمتار .. مرصع بآلاف الفصوص وأحجار الكريستال

معرض «تغريد السيوف» للفنان السوري عماد غالغاي الذي افتتح في 26 يونيو (حزيران) ويستمر حتى 26 يوليو (تموز) في قاعة مؤسسة «العويس الثقافية» بدبي، والذي افتتحه عبد الحميد أحمد، أمين عام المؤسسة وبحضور الدكتورة فاطمة الصايغ، عضو مجلس أمناء المؤسسة، يغوص في أعماق التاريخ العربي الإسلامي ليستخرج منه التحف الفنية الخالدة.
 فهو ليس معرضا عاديا بكل المقاييس، حيث تميز عمل الفنان بصناعة التحف واللوحات التراثية والفنية، كالسيوف والخناجر والرماح والحصون والمنحوتات التراثية على اختلاف أشكالها وأحجامها. 
ويتمثل عمله الأبرز بمجسم عملاق لسيف عربي مزخرف طوله 6 أمتار مرصع بآلاف الفصوص الفضية وأحجار الكريستال، ويبلغ وزنه 250 كلغ، واستغرق إنجازه مئات الساعات من العمل الدقيق (استغرق في صناعته نحو ثلاثة أشهر)، وعرض أيضا أكبر خنجر في العالم ويبلغ طوله ثلاثة أمتار تقريبا، وهو مصنوع من مادة «الإستانلس ستيل» والخشب الفاخر والجلد الطبيعي، وقد تم وضع زخرفة قديمة عليه وزين يدويا بآلاف الفصوص والأحجار الصغيرة المتلألئة.
يتجول الزائر في معرض «تغريد السيوف» للفنان عماد غالغاي وكأنه يتجول في أسواق دمشق القديمة أو خان الخليلي بالقاهرة أو سوق النحاسين في بغداد، يعود بنا إلى الماضي العريق، حيث الأجيال تتوارث مهنة صناعة السيوف والخناجر والأقواس وغيرها من التحف، إلا أن الزائر يشعر هنا بأنه أمام روح تنبض في هذه الأعمال، وليست على غرار التصنيع الآلي بطريقة الاستنساخ، بل تظهر على تلك السيوف والخناجر اللمسات اليدوية للفنان. 
يحتوي المعرض الذي لا يزال يجذب أعدادا كبيرة من الجمهور على 30 عملا فنيا تتداخل فيها عدة فنون، ويتشابك منها الرسم والنحت والتشكيل والخط، وهو أمر طبيعي في مثل هذه الأعمال الفنية التي يظهر فيها الفنان جميع مهاراته التي تجمع بين الريشة والحرفة، والبعد التراثي والجمالي، سواء من حيث الأحجام أو الأشكال أو التصاميم.
 وهذا التنوع يكشف عن موهبة الفنان في صياغة مهاراته بأشكال متنوعة في الخط والزخرفة والنحت والحفر، وكلها فنون تقدم بها العرب وتناقلتها الأجيال عبر العصور. 
وذلك لا يعني أن معروضات الفنان من السيوف والمقتنيات الأخرى تنتمي إلى التحف التي نعثر عليها في البازار، بل على العكس، يتجلى فيها الإبداع والاحتراف في آن واحد؛ مما يجعلها أعمالا فنية، تتجذر في تراثنا العربي وتعبر عن أسمى تجلياته. 
ويأتي الكبر في تصنيع وصياغة السيف العربي، وإضافة النقوش والزخارف عليه، من أجل إعطائه بعدا جماليا يسبر أغوار الفن العربي بكليته وعراقته. ومن خلال عملية تضخيم الأسلحة، كما يذهب في السيوف والخناجر، يسعى الفنان إلى التأكيد على أهمية هذه الأسلحة ورمزيتها. 
«تغريد السيوف»، استعارة رمزية جميلة، أضفاها الفنان على أعماله، من خلال سبر أمجاد العرب والمسلمين عبر العصور.
فالسيوف تختزل هذا التاريخ المثير للجدل، إذ احتل السيف مكانة مرموقة في التاريخ العربي كرمز للفروسية والشرف، وأطلقت عليه أسماء كثيرة منها: الحسام والصمصام والمهند والصارم، ونسبت السيوف لمواطن صناعتها: اليمانية، والقلعية، والهندية، والبصرية، والخراسانية، والدمشقية، والمصرية، والكوفية. 
وأصبح السيف تحفة فنية في التراث العربي الإسلامي، فرصع حده ومقبضه وغمده بالجواهر الثمينة ونقشت عليه الكتابات والرسوم؛ ليكون رمزا من رموز تفرد الفن الإسلامي، إذ تحول من أداة حرب إلى رمز من رموز الجمال، حتى لا يكاد متحف عربي إسلامي في العالم يخلو منه.
 وتمتد عراقة السيف إلى عمق التاريخ، حتى إن الخليفة العباسي الأمين عندما تولى الخلافة وجد في الخزانة عشرة آلاف سيف محلاة بالذهب، ولم يصل إلى المتاحف من سيوف العصر العباسي إلا سيف مستقيم النصل له واقية من الحديد ومقبض من الذهب. 
وسيوف الفنان عماد غالغاي لا تختلف كثيرا عن تلك السيوف التاريخية، بل تسير على نهجها، صناعة ومهارة، حيث تزدان أغمادها بتوريقات ذهبية وكتابات البسملة والآيات القرآنية. 
وليس هذا الفنان بغريب عن التراث العربي الإسلامي، بإشراقاته وتجلياته، فعماد غالغاي فنان سوري من أصل شيشاني إسلامي عريق، مقيم في الإمارات، جمع الفن والصنعة، وأقام كثيرا من المعارض الفنية في سوريا والأردن والإمارات، ووصلت أعماله إلى أميركا.
 كما شارك في معارض إماراتية محلية: معرض المقتنيات النادرة في «مردف سيتي سنتر»، ومعرض جامعة عجمان، ومعرض عيد الاتحاد، ومعرض في مركز زايد للتراث في العين، ومعرض اليوم العالمي في الجامعة الأميركية.
كما شارك غالغاي في زخرفة عدد من المساجد والمباني التراثية الموجودة في منطقة البستكية التراثية وجامعة الشارقة والجامعة الأميركية بالشارقة، ومن أبرز أعماله لوحة جدارية عملاقة منحوتة على حجر الغرانيت القاسي تمثل الخط العربي في واجهة ندوة الثقافة والعلوم في دبي، وفي سجله أيضا أكبر قصبة خط في العالم (وهو قلم يستخدمه الخطاطون) في تشكيل لوحاتهم الحروفية. 
وقد استخدم الفنان كل مهاراته من أجل تنفيذ معرضه الحالي. وهو الذي عشق الفن وأبدع فيه منذ نعومة أظفاره، فكانت بداياته مع فن الخط العربي والزخرفة وبعدها انطلق ليدخل الفن من أوسع أبوابه بالرسم والنحت على مختلف العناصر من الخشب والمعادن والأحجار.
ومن ثم انتقل إلى تصميم المجسمات. وتنتمي هذه المعروضات إلى عالم يجمع فن الخط العربي وحرفة صناعة السيوف والخناجر وزخرفتها في سياق يذكرنا بالفن العربي العريق ومحترفيه. 
وعمل كهذا لا يستطيع أن يقوم به فنان واحد، بل مجموعة من الفنانين. ولا يمكن للفنان غالغاي أن يبتعد عن تاريخ هذه الحرفة والصنعة في الموروث الشيشاني العريق، حيث تمتد جذوره ورؤيته البصرية والفنية إلى أعماق طفولته وشبابه. 
ومما يزيد من أصالة هذه المعروضات أن صياغتها تمت يدويا من خلال المنمنمات الدقيقة التي تتطلب ساعات عمل طويلة ومجهدة، ويجسد المعرض مزيجا بين التراثين العربي والقوقازي، وهو واضح في تقديم عمل متفرد في التذهيب والزخرفة. 
واحتوى المعرض على لوحات تراثية وحروفية بأحجام مختلفة، فضلا عن مفردات تراثية من تحف وأعمال تزيينية مثل الأقواس والسهام والبنادق القديمة. «يقدم المعرض لونا مختلفا من الفنون التي تكاد تكون متوفرة في كل بيت، لكن كثيرا منا يجهلون من هو صانع هذه التحفة، واليوم تقدم مؤسسة (العويس) هذا المعرض إيمانا منها بقيمة الفن بكل حقوله، حيث تتعدد الأذواق وتختلف الآراء، لكنها جميعها تصب في خانة الفن الراقي»، على حد تعبير الأمين العام لمؤسسة «العويس الثقافية». 
يبقى سحر السيوف والخناجر، الأسلحة العزيزة على نفوس العرب والمسلمين في معاركهم وفتوحاتهم، وإن طاف عليه الزمن، لكن سحرها لا يزال يؤثر على الثقافتين الغربية والعربية على حد سواء، لما تتمتع به من جماليات وزخارف ونقوش. 
وقد ترعرع الفنان في عائلة تزخر بهذه الأسلحة معلقة على جدران بيتها في الشيشان وهضبة الجولان، حيث مسقط رأسه. وقد تشبعت رؤيته بها، بحيث أصبحت جزءا من الحياة اليومية. فقد ورث الخنجر الذي أصبح نموذجا ليصنع على غراره خنجره الخاص الذي بلغ طوله ثلاثة أمتار، وهو الخنجر الشيشاني التقليدي، الذي اعتز به الفنان من خلال اعتياد رؤيته في طفولته ببيته. 
وإعادة الصياغة من جديد هي التي منحته كل هذه الطاقة الرمزية في الربط بين التراثين العربي والشيشاني. وقد وجد هذا الاهتمام بالسيوف والخناجر في كلا التراثين اللذين يعتزان بالسيوف والأقواس وغيرها. 
وقد استخدم الفنان مختلف أنواع المواد: النحاس، والإستانلس ستيل، والحديد، والخشب، والمعدن والجلود، والحجر، وطوعها لفنه، وهو يتلمسها بيده، لكي يصنع منها فنا أصيلا مبهرا للعين، بل إنه جمع بينها في عمل فني واحد، وهو عمل ليس بالسهل، ولكن الفنان بمواهبه المتعددة، استطاع أن يكيف كل مادة من المواد المذكورة إلى قطعة فنية.
وكل مادة من هذه المواد هي بمثابة لغة يجيد الفنان التخاطب معها، واستخراج ما في مكنوناتها من طاقات فنية إيحائية وتعبيرية. وتكمن مشكلة تصميم مجسماته في تكلفتها المرتفعة، وخصوصا المواد التي ذكرناها، وهو ما لا يمكن تنفيذه بصورة فردية، ولكنه تمكن من ذلك بقدرة عجيبة ومهارة مبدعة.