«القفطان المغربي» .. رِجل في الماضي وعين على المستقبل في عالم الموضة
10:11 ص - الإثنين 18 يونيو 2012
حمل إعجاب المصممين العالميين بخصوصية القفطان المغربي، وتأثيره عليهم، على امتداد السنوات الأخيرة، من البيوت والمناسبات المغربية الخاصة، إلى العالمية على يد كبار المصممين، أمثال إيف سان لوران وجون بول غوتييه وغيرهم، الأمر الذي جذب انتباه نساء من ثقافات وجغرافيات وجنسيات متعددة، وخول له عروضا تقام على شرفه، بانتظام، في عدد من المدن المغربية والعربية والغربية.
وفي المغرب، صارت عروض الأزياء التقليدية موعدا، أشبه بسوق عكاظ متعدد في مواعيده على امتداد السنة، تلقى نجاحا كبيرا، يتألق خلالها مصممون مجددون يضعون لإبداعاتهم عناوين مختلفة، تنقل مضمون هذه التصاميم وشكلها، في مرافقة تامة لعالمية اكتسبها زي تقليدي بالأساس، خصوصا أنهم صاروا يتنافسون على تقديم آخر خطوط الموضة والخياطة التقليدية الراقية، ويدفعون في اتجاه ألا يبقى هذا الزي محصورا في بيئته المغربية، بل أن ينطلق بعيدا وفي كل اتجاه.
في دورتها السنوية الـ16، شكلت تظاهرة «قفطان 2012»، التي نظمت هذه السنة بمراكش، في موضوع «كنوز ابن بطوطة»، فرصة لربط حاضر هذا الزي التقليدي بتاريخ حضاري زاخر بأسمائه وأحداثه.
وحاول المنظمون، من خلال اختيار «كنوز ابن بطوطة» شعارا وموضوعا للدورة، إلى التعبير عن انفتاح القفطان المغربي على العالم والحداثة، رغم أصالته وطابعه المغربي المحض وارتباطه بالتقاليد، وذلك حتى يكتسب صفة العالمية، كما هو حال الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة.
ويتفق المهتمون على أن القفطان المغربي استطاع أن يحقق العالمية، مخترقا دور عرض الأزياء ومؤكدا حضوره في أرقى المهرجانات واللقاءات العالمية، الشيء الذي جعله ينتقل، كرمز للزي التقليدي المغربي، من موروث شعبي وتاريخي إلى عنوان يحمل اسم المغرب ويتجول به عبر العالم تعريفا ووزنا حضاريا.
وهكذا، ومع اتساع شهرته، أصبح القفطان المغربي «سلعة» مطلوبة في كل الدول، فدخل خزائن سيدات وجميلات الشرق والغرب، خصوصا أن من أهم ما يميز القفطان المغربي، إضافة إلى بهائه وسحره التاريخي، أنه يبدو مثل إبداع يرتقي بالحرفية إلى مستوى الفن.
ويبدو أن السر في وصول القفطان المغربي إلى العالمية أن سيدات مجتمع راقيات ونجمات عالميات شهيرات عشقنه فاخترنه لباسا رسميا في السهرات والمناسبات الكبرى.
وشكلت تظاهرة «قفطان 2012» فرصة أمام المصممين المشاركين ليعرض كل واحد منهم تصاميم تنهل من عمق ثقافة السفر والاستكشاف، انسجاما مع الموضوع الذي اختير للدورة، وذلك عبر إبداع قصات مختلفة وإعادة صياغة المواد والتزيين، من أجل إخراج قفطان يناسب جسم المرأة بغض النظر عن اختلاف البلدان والثقافات التي تنقل إليها الرحالة المغربي الشهير.
ووفقا لما يمثله اسم هذا الرحالة في ذاكرتهم، انتقل كل مصمم بخياله نحو اكتشاف آفاق جديدة وثقافات مختلفة، يتقاسم خلالها مع الحضور وضيوف التظاهرة «كنوز» رحلتهم الاستكشافية. لذلك ترافق العرض برقصات ومشاهد من مختلف أقطار المعمور صممت بتقنية الديابوراما.
وشارك في دورة هذه السنة، 12 مصمما، هم قاسم الساهل وسهام الهبطي وأمينة بوصيري وروميو ومريم بوصيكوك ومريم بنعمور وعبد الحنين راووح والباتول كاين الله ونسرين بقالي ومريم بلخياط والحسين آيت المهدي وسي محمد لخضر.
وقد تم اختيارهم، حسب معايير الأناقة والأصالة والرقي الذي يميز إبداعاتهم، إضافة إلى الجرأة وحب التحدي. وإلى جانب المحترفين، شاركت أيضا مجموعة من المواهب الصاعدة، من أمثال صفاء الإبراهيمي وكنزة بن عبود وجايس زينون، الذي صمم الرقصات التي رافقت الحفل، من أجل منح الحضور متعة عرض فني يجمع الجمال بالإبهار.
وذهب ريع دورة هذه السنة، التي نظمتها، كما جرت العادة، مجلة «نساء من المغرب» في نسختها الفرنسية، إلى كل من جمعية «فقط لأجلهم»، التي تهدف إلى تحسين الشروط المدرسية للأطفال الذين يعيشون في المناطق القروية، وجمعية «الأعمال الصالحة للقلب»، التي تسعى إلى إنقاذ الأطفال الفقراء بعيوب خلقية في القلب.
وإضافة إلى موضوع «كنوز ابن بطوطة»، ذي البعد التاريخي، يربط بعض المأخوذين بأرقام التاريخ، فتنة الألوان وبهاء الأزياء التقليدية المغربية المطروحة هذه السنة، بحنين ممزوج بالكبرياء نحو ما يلائم الجمال ويوافق متعته. وترجع أصول القفطان التقليدي المغربي إلى زرياب، الذي يذكرون له شهرته وعنايته بأناقته.
ولا يخلو ربط القفطان المغربي بزرياب الأندلسي من خيال يرتفع إلى مستويات باذخة. فهل هناك أبهى من رجل موسيقى، يذكرنا بمجد العرب وأيام الفردوس المفقود، لكي نعيد إليه أول خيوط قفطان صارت تتألق فيه كثير من سيدات الكون وجميلاته؟
وما بين أناقة زرياب، في حديث المؤرخين، وجرأة المصممين المغاربة والغربيين، ارتباطا بكل اللمسات التي حاولت أن تطور في أشكاله، ظل القفطان المغربي محتفظا ببريقه ومحافظا على أصالته عبر حراس ناره المقدسة، حتى ظل الاقتراب من إغراءات التطوير، من أجل التطوير، يحمل بذور حذر شديد من إيقاظ الحراس، المنتبهين بدورهم لكل احتمالات فقدان القفطان لأصالته وعراقته وما يمثله على الصعيد الحضاري والتاريخي للبلد وناسه.
ويرى عدد من المهتمين بالقفطان المغربي أن تصميم هذا الزي يتطلب معرفة عميقة بتاريخه، كما أن تطويره يتوجب أن يبقى حكرا على «الحرايفية»، أي من امتهنوا حرفته وضبطوا أصولها جيدا ولهم ماض مشهود ومعترف به فيما يتعلق بالخياطة والتصميم، بشكل يجعلهم قادرين على فهم واستيعاب مساحات التطوير التي يمكن التعامل من خلالها مع هذا الزي.
ولأن التطوير يأتي، في الغالب، ملبيا لإغراء، أو غيرة على ما يراد تطويره، فإن الذكاء التسويقي استدعى أن تتجه عيون المصممين إلى إرضاء كل الأذواق، غربية كانت أم عربية، ولذلك لم تعد هناك من شروط مسبقة للإبداع، أو خط موحد يميز الأزياء المعروضة، وبالتالي فقد ترك الباب مفتوحا على مصراعيه لمزج الخيال بالابتكار والاقتباس.
ويشدد عدد من المتتبعين لمسيرة القفطان على أن الإقبال الذي يعرفه القفطان المغربي على الصعيد الدولي دليل مادي وملموس على أن القفطان المغربي دخل خانة الخياطة الرفيعة.
وبالموازاة مع الإقبال الذي صار يحظى به القفطان المغربي، فقد كثرت الأسئلة بصدد طرق تطويره وجعله يراعي، وطنيا، يوميات المرأة المغربية على صعيد قيادة السيارة والذهاب إلى العمل أو حتى للتسوق، وعالميا بتلبية توقعات أنيقات العالم الراغبات في قفطان يقرب أو يجمع في زي واحد بين ثقافات متباينة، تنفتح معها الحدود بين الأصالة والمعاصرة إلى حد الذوبان.
والتقط المصممون الإشارة، سواء من المغاربة أو الأجانب، ممن صارت أعدادهم تتزايد ومهاراتهم تتطور، فيما تحملهم أهواء وأهداف متباينة، وذهبوا بعيدا في تطويره. فحتى المرأة المغربية لم تقنع به لعرس تدعى إليه وحفل يكون عليها أن تجلس خلاله من دون حركة، كما لو أنها لوحة تنتظر من يقتنيها أو يستمتع بألوانها، بل صارت ترغب أن يكون حضوره في حياتها وخزانتها موزعا بين كل الأوقات والأماكن، ولذلك فقد كان طبيعيا أن تتوالى أجوبة المصممين «سريعة»، وفي بعض الأحيان «متسرعة».
واللافت أنه لا تكاد تخلو المجلات النسائية والمتخصصة من صفحات وملاحق تعرض صورا لعارضات متألقات فيه، لا تحتاج إلى تقديم أو شرح يرافقها، إذ تكتفي الصفحات بإشارات مقتضبة تقدم المصفف والمصمم، مع جملة قصيرة تتحدث عن «قفطان من الساتان المزين بالورود الذهبية تحت (دفينة) (الطبقة الداخلية من القفطان) من الدانتيل أو الساتان»، أو «قفطان من قطعتين من الحرير المطرز والمرصع مخدوم بالسفيفة والصقلي»، أو «قفطان موسلين مطرز بالحرير على قفطان وبر حرير محبوك بالسفيفة وبأكمام مرصعة بالأحجار»، أو «قفطان بأكمام قصيرة مع سروال وبر من الحرير وحزام سميك مصنوع من نفس القماش ومطرز بخيوط ذهبية».
وبالقدر الذي توسعت فيه آفاق القفطان المغربي، زادت المخاوف من احتمال فقدانه لأصالته، خصوصا أن بعض المصممين جعلوه يتحدى التقاليد ويكشف المفاتن، من خلال تصاميم تكشف عن توجه تجديدي يبدو بنظر البعض متطرفا في حداثته.
ولذلك صرخ البعض أن التطوير يتوجب أن يبقى في الحدود الذي تحافظ على أصالته، بحيث يتم الانفتاح على الحداثة والمعاصرة بالانطلاق من خصوصيات هذا الزي والمضمون الحضاري الذي يمثله ويعبر عنه.
وما جعل هذه الأصوات تصل إلى مستوى الصراخ أن عصرنة القفطان بدأت تتم، برأي البعض، بجرأة في التصاميم بلغت، في السنوات الأخيرة، درجات متقدمة جدا، حركت المخاوف من أن يتحول تصميمه التقليدي، المعروف بطابعه الجمالي والأنثوي، الذي يستر جسم المرأة، إلى «شيء آخر».