ديور تعلن البلجيكي راف سيمونز .. مصممها الجديد الذي سيكتب فصلا جديدا في تاريخ «ديور»

بين مدرستي القليل كثير والكثير قليل تزيد الحبكة إثارة
بين مدرستي القليل كثير والكثير قليل تزيد الحبكة إثارة

بعد طول انتظار وأشهر من التكهنات والإشاعات، أعلنت دار «ديور»، يوم الاثنين الماضي، أن البلجيكي راف سيمونز البالغ من العمر 44 عاما سيكون مصممها الفني الجديد.
اسمه تردد في الأشهر الأخيرة كثيرا كواحد من المرشحين لهذا الدور، خصوصا بعد فشل المفاوضات مع مارك جايكوبس، الذي كانت التوقعات ترجح كفته، بالنظر إلى ما حققه من نجاحات فنية وتجارية لـ«لوي فيتون» التي تنضوي تحت المجموعة التي تملك «ديور»، ألا وهي «إل في آم آش»، إلا أن سخونة التكهنات حوله خفت في الآونة الأخيرة لأسباب عدة. 
فعدا ظهور اسم المصمم مكسيم سيمونز كمرشح جديد للدور، ما فتئ الرئيس التنفيذي للدار، سيدني توليدانو، يكرر أنهم ليسوا في عجلة من أمرهم لإيجاد مصمم بديل، خصوصا أنهم يحققون أرباحا في عز الأزمة، حيث سجلت الدار في العام الماضي ارتفاعا في أرباحها، بما في ذلك قطاع الـ«هوت كوتير» الذي لا يُعول عليه في العادة. 
ومن جهة ثانية، تقبل الجميع أن بيل غايتون، المصمم الذي عمل مع جون غاليانو لأكثر من 14 عاما وخلفه بعد إقصائه من الدار في العام الماضي، سيقدم تشكيلة أخرى من خط الـ«هوت كوتير» في شهر يوليو (تموز) المقبل، وتشكيلة من خط الأزياء الجاهزة في سبتمبر (أيلول) المقبل. 
بل توقع الكثير من المتابعين للموضة أن ينتهي به الأمر من مصمم مؤقت إلى مصمم رسمي، خصوصا أن التشكيلتين اللتين قدمهما في بداية هذا العام، كانتا ناجحتين بكل المقاييس، وتختزلان بين طياتهما الكثير من رومانسية الدار وعبقها الأنثوي.
لهذا منذ أن أعلن الخبر يوم الاثنين الماضي، والتحليلات لا تتوقف، والكل يدلي بدلوه، في إشارة واضحة إلى أن اختيار راف سيمونز من قبل «ديور»، الجوهرة التي تتوسط تاج إمبراطورية الملياردير الفرنسي برنار أرنو، مثير للجدل، كأي جديد. فهو بالنسبة للبعض الفارس الذي سيأخذها إلى مرحلة جديدة من الأناقة الراقية بأسلوبه الهادئ، وبالنسبة للبعض الآخر فإنه العملي الذي يفتقد إلى الرومانسية التي يعبق بها تاريخ الدار وتنجح دائما في إضعاف المرأة بسحرها. 
الفريق الأول، وهو الغالبية، يجادل بأن القرار لم يتخذ بسرعة أو تسرع، بل جاء نتيجة دراسة وافية بأن هذا البلجيكي يتمتع بكل الأدوات التي ستساعده على الأخذ بيد الدار إلى القرن الحادي والعشرين. والأهم أن أدواته هاته لها القدرة على القيام بعملية تفكيكية تخلص أسلوب الدار من الكثير من المبالغات المسرحية التي ارتبطت بها في العهد السابق، وليس أدل على هذا من آخر تشكيلة قدمها لدار «جيل ساندر».
ثم لا يمكننا أن نتجاهل أنه، على الرغم من هدوئه وعمليته بحكم دراسته التصميم الصناعي، يتمتع بالكثير من الابتكار ومن بين المؤثرين على اتجاهات الموضة حاليا. فهو المسؤول، مثلا، عن إعطاء الأشكال الهندسية والأحجام الكبيرة أناقة محسوبة، كما جعل ألوان النيون موضة عالمية. 
صحيح أن خطوطه البسيطة والهادئة تجعله ينتمي إلى المدرسة التي ترفع شعار «القليل كثير»، وصحيح أيضا أنها مدرسة تختلف تماما عن المدرسة التي تسير عليها «ديور» منذ تأسيسها، أولا برومانسيتها، ثم بدراميتها المسرحية التي رسمها جون غاليانو منذ تسلمه مقاليدها بعد الراحل جيانفرانكو فيري، لكن ربما هذا ما تحتاجه الدار في هذه الفترة.
 فهي تريد أن تكتب عهدا جديدا في تاريخها الممتد على مدى 66 سنة، الأمر الذي يؤكده الاختلاف بينه وبين جون غاليانو، فبينما يميل غاليانو للاستعراض والدراما، يُعرف سيمونز بهدوئه وتهربه من الأضواء قدر الإمكان، إلى حد أنه لم يبدأ بالخروج لتحية الحضور في عروضه إلا في السنوات الأخيرة، بسبب خجله، كما قال في أحد اللقاءات الصحافية النادرة.
لكن إذا كان اختلافه مع مصمم الدار السابق مرحبا به، ونقلة تتوخى منها الدار الحصول على جرعة قوية من الحداثة لفتح صفحة جديدة في تاريخها، يبقى المثير للتساؤل كيف يمكنه أن يتبنى أسلوب المؤسس، القائم على السخاء والرومانسية وعلى شعار «الكثير قليل» المناقض لأسلوبه القائم على أن «القليل كثير»؟ 
فمهما حاولت الدار أن تغير من جلدها فإنها لا يمكن أن تتنازل عن جيناتها الوراثية، التي جعلت منها مؤسسة فرنسية يحسب لها ألف حساب، منذ أن أعطانا السيد كريستيان ديور، ما يعرف بـ«ذي نيو لوك»، المظهر الذي يتميز بالخصر المحدد وتنورات مستديرة بأمتار سخية من القماش. مظهر عانقته المرأة بحرارة بعد سنوات من التقشف وكأنها تعانق أنوثتها التي ولدت من جديد معه بعد الحرب العالمية الثانية، ولا تزال الدار تلعب عليه بترجمات مختلفة من دون أن تحيد عن النص الذي كتبه المؤسس.
في حديث له مع كاثي هورين من صحيفة «نيويورك تايمز» أشار سيمونز إلى أهمية هذا الإرث ومدى احترامه له، وإن كان واضحا في تملصه من إرث غاليانو بقوله: «بالطبع لم أطلع على الأرشيف بعد، لكن بالنسبة لي فإن أقوى تأثير للدار كان في السنوات العشر الأوائل، وكيف تواصلت مع القرن الحادي والعشرين». وأضاف: «السيد ديور كان مبتكرا في الفترة القصيرة التي قضاها في الدار. علاوة على هذا، حصل كل هذا في منتصف القرن العشرين، وهي الفترة التي تشد انتباهي كثيرا، سواء في مجالات الموضة أو الهندسة المعمارية أو الفن».
بيد أنه من الظلم القول إن سيمونز يفتقد إلى الرومانسية في تصميماته، وإن كان ينتمي إلى المدرسة البلجيكية العملية والعقلانية، فخلال الست سنوات التي قضاها في دار «جيل ساندر»، نجح في بناء جسر بين أسلوبه هذا والأسلوب العصري ذي الخطوط الأنثوية حتى لا يبقى بمعزل عما يريده الجمهور والسوق. 
في آخر تشكيلة قدمها في شهر فبراير (شباط) الماضي، مثلا، أكد أنه يمكن أن يكون رومانسيا وعقلانيا في الوقت ذاته، بألوانه التي تدرجت بين البيج والوردي والأحمر والأسود، وأشكاله الواسعة التي تضفي الكثير من الجاذبية والإغراء على المرأة. وهذه بحد ذاتها عملية معقدة لا يتحكم فيها سوى مصمم متمكن. ومع ذلك فإن المفاجأة يوم الاثنين الماضي لم تكن في الخبر نفسه، لأنه كان متوقعا إلى حد ما، بل في التوقيت نفسه. 
فقد جاء بعد أسابيع قليلة من الإعلان عن أن هادي سليمان، مصمم «ديور أوم» السابق، تسلم المشعل من ستيفانو بيلاتي كمصمم فني لـ«إيف سان لوران»، حسبما أشارت كاثي هورين في تحليلها. وتقول الشائعات إنه من أسباب خروجه من «ديور»، التي حقق لها النجاح في مجال الأزياء الرجالية، رغبته في أن تدعمه الدار بإنشاء خط نسائي، وعندما لم تجد فكرته قبولا من قبل المسؤولين، فضل تركها. 
بعد خروج غاليانو من الدار، ترددت أيضا إشاعات بأنه كان من بين من اتصلت بهم «ديور» ليحل مكانه، لكنه اشترط عدة شروط جعلت المفاوضات تتوقف. مثل هادي سليمان، يعتبر راف سيمونز من أهم مصممي الأزياء الرجالية، وربما كان سليمان، في الفترة التي قضاها كمصمم للأزياء الرجالية في «ديور أوم»، المنافس الأكبر لسيمونز، لهذا فإن اللعبة ستزيد سخونة بعودة الأول إلى «إيف سان لوران»، خصوصا أنه فيها سيشرف أيضا على تصميم الجانب النسائي لأول مرة في حياته، بينما سيخوض سيمونز في «ديور» أول تجربة له مع الـ«هوت كوتير». 
وهذا الجانب بالذات هو الذي يجعل البعض يتساءل حول قدراته، إذ إن الدار تعتبر من أهم بيوت الأزياء العالمية في هذا المجال، وطبعا لا ننسى أن الـ«هوت كوتير» قطاع لا يعترف بالعملية ولا بالهدوء في أحيان كثيرة، وهما سمتان تطبعان المصمم الجديد. عند مواجهته بهذا التساؤل نفى أن تكون الـ«هوت كوتير» مجالا يعيش في برج عاجي لا يخاطب العامة، قائلا: «أنا لست من هؤلاء الذين يقولون بأن (الكوتير) لا تعني أي شيء وبأن كل شيء يجب أن يكون جاهزا وفي متناول اليد.. من الواضح أن هناك اهتماما من قبل الناس بهذا المستوى من الإبداع».
 ويبقى المهم هنا أن تزامن الخبرين: تعيين هادي سليمان مصمما لـ«إيف سان لوران» وراف سيمونز لـ«ديور»، له أهمية كبيرة على ساحة الموضة؛ لأنهما يمثلان جيلا جديدا من المصممين الشباب الذين يمتلكون إمكانيات كبيرة وطموحات أكبر فيما يخص الموضة، مما يعطي الأمل بأننا سنشهد عدة تغييرات مهمة في توجهات الموضة في السنوات المقبلة.
من هنا وهناك
- مارك جايكوبس كان المرشح الأقوى لكي يأخذ محل جون غاليانو، لكن المفاوضات معه فشلت بسبب تمسكه بفريق العمل الذي يسانده في دار «لوي فويتون»، إلى جانب أسباب أخرى، بينما رفض ألبير ألبيز، مصمم دار «لانفان» العرض من البداية.. طبعا كانت هناك أسماء أخرى كثيرة إلى جانب راف سيمونز.
- تاريخ الدار يشهد على أن اختياراتها لمصمميها تكون مفاجئة في البداية لكنها تنتهي نهاية سعيدة في الغالب، فهي التي وظفت شابا غير معروف في أوائل العشرينات من العمر اسمه إيف سان لوران بعد وفاة المؤسس في عام 1957. هي أيضا التي وظفت في عام 1996 شابا بريطانيا مغمورا اسمه جون غاليانو حقق لها أرباحا واسما عالميا إلى أن سقط من برجه في فبراير من العام الماضي بسبب تفوهه بشتائم معادية للسامية.
- عقد راف سيمونز مع «ديور» يسمح له بالاستمرار في تصميم خطه الرجالي الخاص، فيما سيبقى ابن بلده كريس فان آش مصمما لـ«ديور أوم».