هل تعلم العلاقة بين الإتجار بالأطفال والشيكولاتة؟

ورغم القول الشهير بأن طباخ السم لابد أن يتذوقه فلم يتذوق عبدول هذه الشيكولاتة ولو لمرة واحدة في حياته
ورغم القول الشهير بأن طباخ السم لابد أن يتذوقه فلم يتذوق عبدول هذه الشيكولاتة ولو لمرة واحدة في حياته

قد تتعجب وتسأل.. ماذا سيكون نوع الصلة بين تجارة الأطفال وبيعهم كالعبيد المحرمة دوليا والتي تعتبر من المشكلات المأساوية التي يعاني منها عالمنا رغم التقدم الذي وصل إليه، والشيكولاتة الحلوى التي يعشقها كل كبير وصغير حتى الحيوانات الأليفة تفضلها؟.


تبدأ قصتنا وقضيتنا بالتنويه عن مدينة (دالوا) الشهيرة التي تقع على ساحل العاج وتتميز بكونها مقراً لإنتاج صناعة بلايين الدولارات من إنتاج الشيكولاتة ويعمل بها العديد من نماذج (عبدول) الذي يجلس القرفصاء خلال عمله مع جماعات من عمال الحصاد في مزرعة بساحل العاج.

تتمثل طبيعة عمل (عبدول) وغيره من الأطفال في حمل قرون نبات الكاكاو الطولية وتقسيمها إلى نصفين لتكشف عن ما بداخلها من حبوب الكاكاو بيضاء اللون قشدية الملمس حتى يكدسها في أكوام كبيرة.

يبلغ هذا الطفل 10 سنوات من العمر ويعتبر من قدامى المكافحين في هذا العمل منذ ثلاث سنوات، ورغم القول الشهير بأن (طباخ السم لابد أن يتذوقه)، فلم يتذوق (عبدول) هذه الشيكولاتة ولو لمرة واحدة في حياته.

وخلال تحقيق صحفي قام به صحفيو وكالة (سي إن إن) الإخبارية عن مبادرة مشروع الحرية، توغلوا في أعماق وخبايا حقول الكاكاو الموجودة بساحل العاج واكتشفوا أن إنتاج واحدة من أكثر وأهم الصناعات انتشارا في العالم تعتمد على ثلاث ركائز وهي: عمالة الأطفال، استعبادهم، والإتجار بهم وهذا شيء خارج عن كل قواعد الإنسانية.

وبعد إصدار سلسة من التقارير الإخبارية عام 2001 حول الانتهاكات الجسيمة التي ترتكب في صناعة الكاكاو، مارس المشرعون في الولايات المتحدة ضغطا كبيرا عليها لإحداث تغيير.

تصريح السيناتور (توم هاركن ولوا سن) مع (إليوت أنجيل) المتحدث الرسمي لنيويورك اللذين كانا معا في مناقشة هذه المشكلة: "شعرنا أن الجمهور يجب أن يعلم ذلك ويجب علينا اتخاذ بعض الإجراءات في محاولة لوقفه، وكم من الناس في أمريكا والعالم يعلمون أن ما يأكلون من شيكولاتة وحلوى رائعة يتم إنتاجها بواسطة إساءة التعامل مع الأطفال؟".

المزيد عن بروتوكول (هاركن آنجيل): وبعد الضغط الكبير الذي تمارسه صناعة الكاكاو، لم يكن في مقدور المشرعين التعامل مع هذه المشكلة بالقانون، لكن ما تمكنوا منه هو إصدار بروتوكول طوعي وقعه رؤساء صناعة الشيكولاتة لوقف أسوأ أشكال عمالة الأطفال على وجه السرعة.

وصرح أنجيل قائلا: "كان من أهم الأهداف الرئيسية إصدار تصريح تجارة الكاكاو بشرط خلوها من عمالة الأطفال، وكان المقصود منه إنهاء استعباد الأطفال وإجبارهم على العمل في حقول الكاكاو، إلا أنها لم تقم".

تقدير منظمة اليونيسف:قدرت منظمة اليونيسف أن ما يقرب من نصف مليون طفل يعملون في مزارع تقع في أجزاء مختلفة من ساحل العاج، وتنتج ما يقرب من 40% من الإمداد العالمي من الكاكاو، وتضيف أن هناك مئات الآلاف من الأطفال الذين يعملون في هذه الصناعة يتم تهريبهم عبر الحدود واستخدامهم في أسوأ أشكال عمالة الأطفال.

دراسة حديثة من جامعة تولين: قالت دراسة حديثة أجرتها جامعة تولين إن جهود الصناعة لإيقاف عمالة الأطفال غير مكتملة ومتفاوتة ولم يتم الوصول إلى 97% من مزارع ساحل العاج، ولم يتفق الممثل الرئيسي مع هذه الصناعة في البلاد مع هذا التقييم.

تصريح المدير القطري للمبادرة الدولية للكاكاو وصناعة الشيكولاتة: صرح (رابولا كاجوهي) قائلا بخصوص هذه المشكلة ما يلي: "أعتقد أن الوضع قد تحسن بشكل كبير"، وأجاب على مقاومة عمالة الأطفال والإتجار بهم.. أن الرسالة الآن في طريقها للتطبيق الفعلي، وأضاف أن هناك بعض النتائج وأنه يتمنى أن يتم الحوار مع بعض المزارعين.

ولم تصل المبادرة الدولية بخصوص منع الإتجار بالأطفال لصناعة الكاكاو أو الحكومة أو شركات الشيكولاتة إلى أي من الفلاحين في قلب منطقة إنتاج الكاكاو، ولا يعرف الأطفال مثل (عبدول) أي شيء عن بروتوكولات أو رخص.. فكل ما يعرفونه هو العمل.

فعندما توفيت والدة (عبدول)، قام شخص غريب بإحضاره عبر الحدود إلى المزرعة، ويقول (عبدول) إنه لا يأخذ أي شيء إلا قليل من الطعام والملابس الممزقة من على ظهره وبعض البقشيش من وقت لآخر، فعبدول مجرد عبد جديد في المزرعة، ولم يكن الطفل الوحيد الذي يعمل في مجموعته.

(ياكو): نموذج آخر للعبودية: عند مقابلته أصر الطفل (ياكو) أن عمره 16 عاماً رغم أنه يبدو أصغر من ذلك بكثير، ويقول أن أمه أحضرته من بوركينا فاسو عندما توفي والده، وكشف الطفل عن ساقيه ليجد الصحفيون أنها مشوهة ببعض الندوب الناتجة عن استخدام آلة حادة كالساطور، لأنه كان يجرح نفسه دائما أثناء قطع حشائش الكاكاو من الحقول، حيث كان يعمل في موسم الحصاد يوما بعد يوم في قطع قرون الكاكاو حتى تعمقت تلك الندبات في جلده.

من أقوال ياكو :"تمنيت لو أن أتمكن من الذهاب للمدرسة، أريد أن أتعلم القراءة والكتابة" لكن للأسف لم يذهب إليها يوما واحدا لأنه لا يعلم كيف يغادر المزرعة.

ويقول (أنجيل): إن هذا الولد أصابه بالضيق، ورغم اهتمامه بحل المشكلة لم تفعل شركات إنتاج الشيكولاتة ما يكفي، إنهم يعملون معنا ونحن سعداء بذلك، لكن بإمكانهم العمل بشكل أفضل.

لا تندهش عندما تعلم أن حكومة ساحل العاج هي أحد العوامل الرئيسية المساهمة في تجارة الكاكاو، وعلى الرغم من امتلاكها لواحدة من أهم الصناعات المربحة على مستوى العالم إلا أنها تعتبر الأفقر بكل المقاييس.

لكن تلقي قيادات الحكومة باللوم على السياسة والحرب وتتهمها بالمشكلات الناتجة عن صناعة الكاكاو، وهذا بسبب ثلاثين عاما من عدم الاستقرار السياسي الذي أدى إلى الأضرار الكثيرة التي أصابت الاقتصاد وبشكل خاص القطاع الزراعي، وبالتحديد أكثر صناعة الكاكاو، وهذا ما قاله وزير الزراعة بساحل العاج (سانجافوا كوليبالي)، ولسوء الحظ فقدت هذه السنوات.

فبعد محاولة انقلاب عام 2002 كانت البلاد منقسمة إلى نصفين ومنعت من الحرب الأهلية بواسطة الأمم المتحدة، وكان هناك فترة طويلة من العنف بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة المتنازع عليها، عندما رفض آنذاك الرئيس (لوران غباغبو) التنازل.

وتقول الحكومة الحالية (الحسن واتارا) أنها مسئولة عن وضع بعض الإصلاحات في البلدة.

ويضيف وزير الزراعة أن السبب الرئيسي الذي يواجههم وجود أزمة سياسية وصراع مسلح من خلفهم، لكن يعتقد العديد من المراقبين أن الحكومة الجديدة لن تعطي أولوية لوقف العبودية في حقول الكاكاو.

ومع انتشار حالة السلام في المنطقة يصبح لدى تجار الأطفال حرية أكثر في العودة إلى نشاطهم مرة أخرى، وقال مسئولون في الأمم المتحدة إن الصراع الموجود على ساحل العاج ساعد في الواقع على إبطاء الإتجار لأن الناس كانوا خائفين جدا على التحرك عبر الحدود.

لكن للأسف لم يحدث حتى الآن إلا الوعود الواهية التي لم تتحقق أو تصل لأطفال مثل (عبدول وياكو).