تحذيرات من التركيز العالي للزرنيخ في منتجات الأرز

ذكرت دراسة أميركية حديثة أجراها باحثون في مركز الصحة البيئية والوقاية من الأمراض للأطفال في دارتماوث بتمويل من الحكومة الفيدرالية، وشملت أكثر من 200 سيدة حامل يخضعن لرعاية ما قبل الولادة في منطقة نيوهامبشاير، أن هناك صلة بين استهلاك الأرز وارتفاع معدل الزرنيخ في البول. وأشارت إلى أن «الكثير من الأشخاص في الولايات المتحدة قد يتعرضون لمستويات ضارة من الزرنيخ من خلال استهلاك الأرز».
 
الأرز والزرنيخ
ويشير المشرفون على الدراسة، التي نشرت في دورية «بروسينديغز أوف ناشيونال أكاديمي أوف سيانس» (أعمال أكاديمية العلوم الوطنية)، إلى أن «العلاقة القوية والمهمة التي توصلنا إليها بين استهلاك الأرز ونسبة الزرنيخ في البول، بالإضافة إلى تقارير سابقة عن ارتفاع معدل تركيز الزرنيخ في الأرز، يوضح أهمية الحاجة إلى التحكم في نسبة الزرنيخ في الطعام».
 
ولا توجد حدود قانونية لنسبة الزرنيخ المسموح بها في معظم المأكولات التي تباع في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقالت مؤسسة «كونسيومر ريبورتز» (تقارير المستهلكين) الأميركية في بيان لها في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الحالي إنه بناء على تحقيق أجري مؤخرا بالاعتماد على تقارير العملاء، ومن بينهما تقارير عن تحاليل أظهرت ارتفاع نسبة الزرنيخ والرصاص في عصير التفاح وعصير العنب، فقد طالب اتحاد المستهلكين، وهو الذراع الحقوقية لتقارير المستهلك، الحكومة الفيدرالية بوضع معايير ملزمة في العصائر بنسبة 3 أجزاء في المليون من إجمالي الزرنيخ و5 أجزاء في المليون من الرصاص.
 
ودعا إلى اتخاذ خطوات تحد من تعرض الأغذية للزرنيخ. كما تضمنت الدراسة التي أجرتها المؤسسة تحليلا لبيانات صحية فيدرالية كشفت أيضا عن صلة ما بين استهلاك عصير التفاح وارتفاع معدلات الزرنيخ في البول.
 
التسمم بالزرنيخ
يستهلك الأميركيون الأرز بمعدل نصف فنجان مطهي يوميا، وهو كما يشير باحثو دارتماوث ثلاثة أضعاف ما كانوا يستهلكونه أثناء الثلاثينات. وقد جمع الباحثون عينات بول وسجلا غذائيا على مدار ثلاثة أيام من سيدات حوامل لدى زيارات متابعة الحمل، واكتشفوا أن كل غرام من الأرز تم تناوله مرتبط بزيادة بنسبة واحد في المائة في إجمالي نسبة الزرنيخ في البول.
 
وأشارت نتائجهن إلى أن استهلاك ما يزيد قليلا عن نصف كوب من الأرز المطهي يوميا يسفر عن تركيز الزرنيخ في البول يساوي المتوقع من استهلاك لتر من الماء الذي يحتوي على الحد الأقصى المسموح به من الزرنيخ في ماء الشرب العادي وهو 10 أجزاء في المليون.
 
ويذكر أصحاب الدراسة أن التعرض للزرنيخ أثناء فترة الحمل مصدر قلق صحي عام، حيث يرتبط التعرض لهذا النوع من السموم في الرحم بمشكلات تتنوع من انخفاض وزن الطفل لدى الولادة ووفيات الرضع إلى ضعف المناعة وارتفاع نسبة الوفيات بسبب سرطان الرئة مع التقدم في العمر. كما أن التعرض للزرنيخ أثناء فترة الطفولة يسبب أضرارا بالغة، ونظرا إلى أن الحبوب التي تحتوي على الأرز غالبا ما تكون أول الأطعمة التي يتناولها الأطفال الرضع، فإن ارتفاع معدلات الزرنيخ في الأرز يثير قلقا كبيرا.
 
مزارع الأرز
وقد كشف تحقيق أجرته مؤسسة تقارير المستهلكين مؤخرا عن أن الأرز من بين الأغذية التي تحتوي على مستويات عالية من الزرنيخ لسببين أساسيين. أولا أن الأرز من الزراعات التي لديها القدرة على امتصاص الزرنيخ من التربة بكفاءة غير عادية وعلى إدخاله في الحبوب التي يتناولها المستهلك.
 
بالإضافة إلى ذلك، تنمو أغلب محاصيل الأرز في الولايات المتحدة في أركنساس ولويزيانا والميسيسيبي وميسوري وتكساس على أراض كانت تستخدم في السابق في زراعة القطن، وكانت تتعرض لاستخدام مبيدات تحتوي على الزرنيخ على مدار عقود، كما كان الحال مع البساتين ومزارع العنب.
 
وقد كشف أندرو مهراغ، أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة أبردين في اسكوتلندا، أنه عندما زُرع الأرز لأول مرة في بعض من الحقول التي كانت تستخدم لزراعة القطن كان المحصول ضئيلا بسبب بقايا المبيدات، فلجأ المزارعون إلى حل تلك المشكلة عن طريق إنتاج نوع من الأرز المخصص للحصول على إنتاجية عالية على التربة الملوثة بالزرنيخ.
 
وأوضح بحث البروفسور مهراغ أن الأرز الأميركي يحتوي على أعلى معدل للزرنيخ غير العضوي في العالم، الذي يشتهر بتسببه في أمراض سرطان الجلد والرئة والمثانة لدى البشر. كما أنه اتضح احتواء الأرز الأميركي على كميات كبيرة من نوع آخر عضوي من الزرنيخ أثبت تسببه لمرض السرطان في الفئران.
 
قد تشكل مشروبات الأرز التي تقدم للأطفال الصغار الذين يعانون من حساسية من اللاكتوز مخاطر أيضا. في الواقع، بعد أن كشف بحث أجراه مهراغ عن وجود نسبة من الزرنيخ غير العضوي تتجاوز 10 أجزاء في المليون في غالبية عينات حليب الأرز التي تمت تجربتها في المملكة المتحدة، أوصت هيئة معايير الغذاء البريطانية بأن لا يحصل على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن أربعة أعوام ونصف على مشروبات الأرز كبديل عن الحليب البقري أو الرضاعة أو الحليب الصناعي.
 
وتوصل باحثو دارتماوث إلى أن وضع قيود تنظيمية في الولايات المتحدة على نسبة الزرنيخ في الغذاء سيحمي المستهلكين من شراء الأرز أو منتجاته التي تحتوي على نسبة عالية من الزرنيخ، بل وسيشجع أيضا على زراعة سلالات من الأرز التي لا تحتوي على زرنيخ، كما ستقلل من استخدام الأراضي الملوثة بالزرنيخ في الزراعة.
 
ويتفق علماؤنا مع هذه النتيجة، ومن أجل فرض مزيد من الحماية على الغذاء يطالب اتحاد المستهلكين الحكومة الفيدرالية بالتخلص من مركبات الزرنيخ العضوي في علف الحيوانات، وحظر المبيدات التي تحتوي على زرنيخ، ومنع استخدام الأسمدة الملوثة بالزرنيخ.